بعد أن صدرت له عدة مؤلفات فكرية، انتقل الإعلامي والكاتب إدريس بوسكين إلى عالم الرواية، حيث صدرت له رواية "علي والبحر"، في انتظار صدور رواية ثانية في أدب الرحلة بعنوان "ثلاث سنوات في روسيا، على خطى السلاف والتتار وشعوب القوقاز". في هذا السياق، اتصلت "المساء" به وأجرت معه هذا الحوار. ❊ صدرت لك عدة كتب حول الفكر والصحافة والدراسات الدولية، كيف كان التحول إلى عالم الرواية؟ ❊❊ صدرت لي عدة كتب في الفكر والصحافة والدراسات الدولية بحكم دراساتي الأكاديمية العليا، فأنا متحصل على شهادة "ماستر" في تاريخ ونظرية الصحافة من جامعة "الصداقة" في موسكوبروسيا عام 2008، واهتماماتي تنصب أساسا حول مواضيع الهجرة والعولمة والعلاقات السياسية الدولية والدراسات الثقافية. كما أنني كثير المطالعة في هذه المجالات وباللغات العربية والإنجليزية والروسية والفرنسية، غير أن اهتماماتي الأدبية، خصوصا الرواية منها، كانت أبكر بكثير من اهتماماتي الأكاديمية، فلطالما كنت مهووسا وأنا صغير بروائع الأدباء الغربيين، فكانت أول رواية جزائرية طالعتها "زمن النمرود" للحبيب السايح، لهذا كتابتي للرواية ليست إلا انعكاسا لهذا العشق المتراكم. وعموما، فإن الكتابة الأدبية أرقى بكثير من نظيرتها الأكاديمية، إذ يكفي أنها فعل إنساني بحت ينقل الأفكار والمشاعر والعواطف والانفعالات إلى القراء، ويشاركهم إياها في قالب بلاغي بديع. ❊ لماذا اخترت ظاهرة الهجرة غير الشرعية في روايتك "علي والبحر"؟ ❊❊ اهتمامي بظاهرة الهجرة غير الشرعية -وبعض المثقفين يفضل تسميتها بالهجرة السرية- كان أكاديميا قبل أن يكون أدبيا، فقد كتبت عن الهجرة والهجرة غير الشرعية في أغلب مؤلفاتي الفكرية، على غرار "الهجرة إلى أوروبا: الإسلام في أوروبا"، (الأردن/ 2013) وكذا "أمريكا من الداخل: الهجرة والأقليات"، (الجزائر/ 2015). عموما، فإن هذا الموضوع حساس جدا في الوقت الراهن من الناحية السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وأيضا الأمنية، ليس فقط في الجزائر، إنّما في العديد من بلدان العالم، خصوصا في ظل الأزمات الحالية التي تمر بها البشرية، غير أن مقاربتي الأدبية لهذه الظاهرة، هي مقاربة إنسانية قبل كل شيء. ❊ هل أحداث روايتك مستوحاة من الواقع، أم أنها من رحم الخيال؟ ❊❊ أحداث روايتي "علي والبحر" تجسد الواقع في قالب من الخيال، فشخصية "عليلو" مستوحاة من تجربة شخص بنفس الاسم، هاجر إلى إيطاليا قبل سنوات، ليقبض عليه من طرف الإيطاليين، ويتم إرجاعه إلى الجزائر، غير أن الظروف الاجتماعية دفعت به إلى الجنون. في المقابل، بالنسبة لي، العمل الروائي لا يمكن أن يكون بلا خيال، فالروائي الناجح هو الذي يسرد للناس في قالب من هذا الخيال متتاليته الحكائية، وما يجول في خاطره من أفكار وأحاسيس وتراكمات نصية، ليمنح لذة للقارئ تجعل شوقه كفيلا بقراءة النص إلى آخر فقرة. وكثير من كتاب اليوم صاروا يولون كل اهتمامهم للأفكار الفلسفية بعيدا عن الخيال والتشويق، رغم أهميتهما، فالرواية الناجحة في نهاية الأمر، هي التي تقرأ إلى آخر صفحة. ❊ هل تعتبر روايتك مرآة لأفكارك ونظرتك للمجتمع؟ وهل جعلت من بطل روايتك، شخصا يشبهك في بعض الأوجه، خاصة أنه درس الإعلام مثلك؟ ❊❊ رواية "علي والبحر" بمثابة مرآة للمجتمع الجزائري الحالي بكل بهجته وبؤسه، بطلها قد يشبهني إلى حد ما فيزيولوجيا وسيكولوجيا، لكنه يشبه أكثر أي فرد بسيط من جزائرنا العميقة، لم يجد له مكانا في هذا المجتمع. وقد جعلت اختصاصه الإعلام لأذكر القراء بكل أولئك الذين درسوا مثلي الإعلام، وحلموا به ولم يجدوا أنفسهم في الأخير إلا وهم على هامش الحياة. ❊ استعنت في روايتك بأقوال المشاهير، هل هذا من باب التعريف بهم للقارئ؟ ❊❊ استعنت بأقوال مشاهير الأدب من باب إبراز الشخصية المثقفة ل«عليلو"، الشاب الذي درس الصحافة وعشق الأدب وحكمة كتابه، ليقتله في الأخير واقعه الاجتماعي المزري ونفسيته المبهمة وفلسفته الوجودية الغريبة. ❊ تحصلت على شهادة الماستر في علوم الإعلام والاتصال من جامعة موسكو، لماذا موسكو تحديدا؟ هل تهتم بالثقافة الروسية؟ وهل تجيد اللغة الروسية؟ ❊❊ تخرجت من كلية العلوم السياسية والإعلام بجامعة الجزائر عام 2005، قسم علوم الإعلام والاتصال، وكنت الأول في الدفعة، فتحصلت على منحة لدراسة (الدكتوراه) بالخارج، وكانت موسكو من نصيبي، حيث فضلتها حقيقة على وجهات أخرى، لإعجابي الكبير والقديم بالثقافة والتاريخ والأدب الروسي، وها أنا اليوم على اطلاع واسع بكل هذه المجالات، تماما كاطلاعي على اللغة الروسية الرائعة التي أحببتها وأجدتها، والتي أكن لها كل التقدير والإعجاب. ❊لماذا نشرت روايتك في دار عربية؟ هل وجدت صعوبة في نشرها في دار جزائرية؟ ❊❊ دور النشر العربية (المشرقية)، على غرار الجزائرية، تمارس إجحافا كبيرا في حق الأدباء "الجدد" (الصاعدين)، فهي عادة ما ترفض نشر أعمالهم بحجة أنه لا عوائد مالية من ورائها، وإذا ما نشرتها فإنها تستولي على أغلب حقوق التأليف إن لم تكن كلها تقريبا، لكنها في المقابل، تهرول وراء الكتاب المعروفين وأصحاب الجوائز الكبرى، ونتيجة لهذا الوضع المزري، فإن بعض الأدباء "الجدد" اليوم يضطرون إلى الدفع من مالهم الخاص لنشر أعمالهم التي قضوا في كتابتها شهورا وربما أعواما. ورغم كل هذا القهر، فإن الكتّاب بصفة عامة، خصوصا الروائيين منهم، يفضلون أقل الضرر بالتوجه إلى الدور المشرقية، فهي عادة ما تغربل وتقيّم الأعمال المرسلة إليها، كما أن إصداراتها ذات جودة وتوزع في أغلب الدول العربية، بالإضافة إلى هذا، فهي الأكثر حظا للتتويج بالجوائز. ❊ عرفت الساحة الأدبية الجزائرية ظهور كُتاب شباب بنسبة كبيرة، هل تعتبر ذلك حالة صحية؟ أم أنك مع غربلة الأعمال على مستوى دور النشر قبل أن تصل إلى القارئ؟. ❊❊ بروز كتاب شباب على الساحة الأدبية الجزائرية هو دائما ظاهرة صحية، بغض النظر عن مستوى أعمالهم، غير أن ما هو غير صحي وغير منطقي؛ غياب النقد، خصوصا أن الأكاديميين منغلقون على أنفسهم في مؤسساتهم التعليمية، في حين أن القلة "الشبابية" منهم، والتي تملك علاقات شخصية مع صحفي الأقسام الثقافية، وتصطف في تكتلات فيسبوكية وتعتبر نفسها أنها تمارس النقد "الصحيح"، فإنها عادة ما تهاجم كل ما هو جديد وتصفه بالدخيل والشاذ والعقيم، وحتى من دون أن تقرأ هذه الأعمال، وكم من أديب رفض في بداياته، وهو الآن في قمة مجده. ❊ هل أثر عملك في الإعلام على مسيرتك الفكرية والأدبية؟ ❊❊ عملي في الإعلام لم يؤثر كثيرا في مسيرتي الفكرية والأدبية، سواء من ناحية الأسلوب أو رواج العمل، فمثلا إذا كنت صحفيا وأردت أن تكون أديبا، ستجد صعوبة كبيرة في الترويج الإعلامي لعملك، نظرا للحساسيات الموبوء بها هذا الوسط، غير أن الأديب الذي يدخل مجال الإعلام لا يجد عادة مثل هذه العوائق، فهو مكرس أصلا كأديب وليس مجبرا على الدخول في عداوات شخصية. ❊ حدثنا عن فحوى كتبك الفكرية، لماذا اخترت هذه المواضيع الحساسة بالضبط؟ ❊❊ في رصيدي ثلاثة كتب أكاديمية فكرية هي؛ "الإعلام والاتصال في العالم: الهند والصين أنموذجا"، (الجزائر/ 2012)، هذا المؤلف هو في صميم مجالي الدراسي، وقد أصدرته بهدف وضع الطالب والباحث الجزائري والعربي في صورة التطورات الإعلامية الحاصلة في هذين البلدين اللذين سيكونان، بعد حوالي خمسين عاما، القوتان الرائدتان في هذا العالم، كما تؤكده الكثير من البحوث الاستشرافية. كما أصدرت أيضا "الهجرة إلى أوروبا: الإسلام في أوروبا"، (الأردن/ 2013) وكذا "أمريكا من الداخل: الهجرة والأقليات"، (الجزائر/ 2015)، يتناول كلاهما ظاهرة الهجرة الدولية في إطار العولمة التي تعيشها اليوم و«صدام" الحضارات. ❊ هل من مشروع كتابي جديد؟ ❊❊ ستصدر لي قريبا، رواية في أدب الرحلة تحت عنوان "ثلاث سنوات في روسيا: على خطى السلاف والتتار وشعوب القوقاز"، تتناول في حوالي 200 صفحة، تجربتي الشخصية الوجودية والإنسانية والمعرفية بروسيا، حيث درست "الماستر" في الفترة الممتدة بين عامي 2005 و2008، وتعرفت خلالها على ثقافتها الخلاقة وتاريخها العريق والمبهر ومجتمعها المتنوع والمتعدد وعرقياتها وجماعاتها المهاجرة المختلفة، وجلت في العديد من مدنها وحواضرها التاريخية، كموسكو وكازان وسان بطرسبرغ.