لم تبد حركة المقاومة الإسلامية حماس في أول رد فعل لها على المبادرة المصرية لوقف اطلاق النار في قطاع غزة أي تحمس لها وأكدت أنها ستقوم بدراستها قبل اتخاذ موقف نهائي بشأنها. وكان الرئيس المصري كشف عن مضمون مبادرة أمس بعد محادثات مع عضوين قياديين حلا بالعاصمة المصرية اول أمس بدعوة من الرئاسة المصرية لوقف القتال وبحث سبل التوقيع على هدنة طويلة الأمد مع الكيان الإسرائيلي. وعاد وفد حركة حماس الى العاصمة السورية دمشق لعرض المقترح المصري على رئيس المكتب السياسي للحركة خالد مشعل للبت فيه بصورة نهائية. ويكون تحفظ حركة حماس نابعا أساسا من طبيعة العلاقة المتوترة بينها وبين القاهرة على خلفية الاتهامات الأخيرة بينهما حول فتح معبر رفح ومسؤولية الأحداث الدائرة هناك بالإضافة إلى اتهامات متزايدة بخصوص الموقف الرسمي المصري إزاء الأحداث في مدن القطاع. وكان مدير المخابرات المصرية عمر سليمان الرجل القوي داخل السلطة المصرية عرض مضمون المبادرة على عضوي المكتب السياسي للحركة عماد العلمي ومحمد نصر. وقال مصدر من حركة حماس رفض الكشف عن هويته أن حماس ستقوم بدراسة المبادرة دون أية توضيحات أخرى حول حظوظ قبولها من عدمه. وجاءت هذه المبادرة المصرية بعد اتصالات أجراها الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في عواصم المنطقة حيث توقف لمرتين بالعاصمة المصرية وتم الكشف عنها في لقاء صحفي ثنائي مع الرئيس مبارك في مسعى لإنهاء المجزرة الإسرائيلية ضد المدنيين الفلسطينيين. ورفض أسامة حمدان مدير مكتب حركة حماس بالعاصمة اللبنانية أمس أن حركته لن تقبل أبدا بفكرة نشر قوات دولية في قطاع غزة وهو ما يعني بطريقة ضمنية القضاء على المقاومة وتحييد دورها في أية ترتيبات سلام محتملة بين الكيان الإسرائيلي والسلطة الفلسطينية. وكانت الحركة رفضت في وقت سابق إعادة التوقيع على أية هدنة مع الاحتلال الذي استغل مهلة الستة اشهر الأخيرة من أجل التحضير لعدوانه ضد المدنيين الفلسطينيين. وعلى نقيض موقف حركة المقاومة التي فضلت التريث الى حين، فقد رحبت إدارة الاحتلال بالمبادرة وشكرت الرئيسين المصري والفرنسي عليها لأنها ستضع حسبها حدا لتهريب السلاح الى غزة ووقف اعمال المقاومة". ولكن مارك رغيف الناطق باسم الحكومة الاسرائيلية الذي أدلى بمثل هذا التصريح شدد الإشارة على أهمية إجراء المفاوضات بين المصريين والإسرائيليين لتحقيق تقدم في هذا المجال". وهو ما يعني أن إدارة الاحتلال لا تريد أي تفاوض حتى وإن كان غير مباشر مع حركة حماس لوقف مذبحتها. وكان الرئيس شمعون بيريز في أول رد فعل له على المقترح المصري أكد أنه غير كاف للتوصل إلى وقف لإطلاق النار دون أن يغلق الباب أمام دراسة المبادرة والاطلاع على حيثياتها. كما أن إسرائيل لم تأخذ مطلب الرئيس المصري بوقف فوري لإطلاق النار محل الجد وواصلت قصفها للأهداف المدنية الفلسطينية واكتفت فقط بوقف لا يتعدى ثلاث ساعات لكل العمليات العسكرية بدعوى التمكين لوصول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة. وحاولت إدارة الاحتلال من وراء هذا القرار التحايل لامتصاص موجة الغضب الدولية الرسمية والشعبية من الجرائم البشعة التي استهدفت الأطفال والرضع والنساء الحوامل في مشاهد نازية فضحت زعمها أن عدوانها كان عسكريا بحتا. وجاء المقترح الفرنكو مصري في ثلاث نقاط دعت إلى وقف فوري لإطلاق النار لفترة محدودة يسمح خلالها بإقامة أروقة إنسانية وفسح المجال أمام مصر للعمل من اجل الوصول إلى وقف دائم وشامل لإطلاق النار في قطاع غزة. واقترحت المبادرة أيضا دعوة لإسرائيل والفصائل الفلسطينية وبحضور ملاحظين أوروبيين وأطراف أخرى لم يحددها والإشارة واضحة إلى الولاياتالمتحدة للمجيء إلى القاهرة لبحث كل التدابير اللازمة من أجل التوصل إلى قائمة التزامات وضمانات من بينها تأمين الحدود التي تطالب بها إسرائيل وفتح المعابر وإنهاء حالة الحصار المفروضة على قطاع غزة منذ ثمانية عشر شهرا. وتتضمن المبادرة أيضا الإشارة إلى نشر ملاحظين دوليين على حدود القطاع وهو ما ترفضه حركة المقاومة الإسلامية من أساسه. وفي وقت التزمت فيه المصادر الرسمية المصرية الصمت الكامل إزاء حيثيات وتفاصيل هذه المبادرة إلا أن مصادر مقربة من الرئاسة الفرنسية أكدت بإمكانية التوصل الى اتفاق خلال الخمسة أيام القادمة حول مسألة مراقبة الحدود على أن تنسحب القوات الإسرائيلية من قطاع غزة خلال ثمانية أيام. وقال الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي أن المقترح المصري أخذ بعين الاعتبار مسألة حفظ ماء الوجه لإسرائيل وحركة حماس وعدم العودة إلى الوضع السابق. والإشارة واضحة إلى تشديد السلطات المصرية مراقبتها لحدودها مع قطاع غزة والتي تزعم إسرائيل والإدارة الأمريكية أنها أصبحت منافذ لتهريب الأسلحة إلى داخل قطاع غزة. وقال وزير الخارجية الفرنسي برنارد كوشنير أمس بمقر الأممالمتحدة أن الرئيس المصري وجه دعوة إلى الوزير الأول الإسرائيلي ايهود اولمرت للمجيئ إلى القاهرة لبحث الموقف الإسرائيلي من المبادرة. يذكر أن السلطات المصرية كانت رعت الهدنة السابقة في جوان الماضي ولكنها انهارت بعد ستة أشهر بعد ان جعلتها إسرائيل فرصة لتحضير عدوانها وعملت طيلة سريانها على انتهاك بنودها وخاصة ما تعلق برفضها فتح المعابر ورفع الحصار وتنفيذها لعمليات اغتيالات وتصفيات جسدية واجتياحات متلاحقة دفعت في النهاية الى نفاد صبر مختلف فصائل المقاومة التي جددت قصف المستوطنات اليهودية بمختلف صواريخ القسام.