تشاء الصدف أن يقام الأسبوع الثقافي السوري بالجزائر، والجزائر تعيش الوجع وتمشي على الجرح بالكبرياء وبقامتها الجبلية التي تتصدع لها جبال الدنيا وتنحني لها قامات التواريخ المشرئبة في إجلال، هي الجزائر التي تشكلت من الجرح وطلعت شمسا عربية تضيء الدهاليز المظلمة وتمسك بكل العواصف دون أن تتزعزع···يحتضن قصر الثقافة منذ مساء الأربعاء الفارط، الأسبوع الثقافي الذي تم افتتاحه من قبل وزيرة الثقافة السيدة خليدة تومي والوزير السوري للثقافة رياض نعسان آغا، فرغم الحزن الذي خيم على الجزائر إلا أن الفرح يبقى ولن يموت ولا يمكن اغتياله مهما تنوعت خناجر الجبن والغدر· لم تكن البداية سهلة، ولم يكن الاحتفال بكل ممكنات الفرح، كان الحزن الذي تغلفه الحياة، وكانت الجزائر التي أصبحت خبيرة تصنع من أجساد أبنائها جسور العبور نحو المستقبل المسكون بالحب والإخاء والأمن، في بداية صامتة لم تكن دقيقة ولكنها كانت رحلة في قزحيات مآسينا منذ بدأ العمى يشل العقول والألباب، والعنف يحاول أن يلبس الشمس جلباب الحزن ويفجر في قلوب الأمهات براكين الوجع ودموعا لا تستطيع الانهمار، بدأ الافتتاح بدقيقة صمت فيها الحاضرون، لكن الحياة ظلت صاخبة متدفقة لتسير الكلمات معبرة عن مواصلة الطريق، حيث قالت السيدة الوزيرة في كلمتها إن الحزن يغمرنا والألم يعصرنا، كيف لا والجزائر صدمت بعشرات القتلى والجرحى الأبرياء، كيف لا وكل قتيل يساوي الناس جميعا؟!· وأضافت فهذا اليوم ليس افتتاحا عاديا، بل هو موقف لتسجيل إصرارنا على المقاومة والتحدي والتصدي لمخططاتهم المريضة· ولم تستطع السيدة الوزيرة الإفلات من وقائع مأساة 11 ديسمبر، التي يشاء القدر أن تصادف اليوم الذي نطقت فيه العاصمة ذات يوم بارد من شتائها في ستينيات القرن الماضي، بعقدها العزم أن تحيا الجزائر، وأشهدت الدنيا وأوفت بقسمها وقدمت ما قدمت من شهداء، وهذا ما جعل الوزيرة تصف خفافيش الديناميت الذين تعلقت قلوبهم بزقوم جهنم إجرامهم جبان، إرهابهم جبان، لن يستطيعوا أن يحولوا أيامنا إلى بكاء ونحيب، لن يستطيعوا أن يمحوا البسمة من شفاهنا لأنها قررت البقاء الأبدي···· وأكدت السيدة الوزيرة في كلمتها عن الثقل الثقافي والحضاري والتاريخي السوري، هو ما يجعل أسبوع سوريا الثقافي متميزا، غنيا، عامرا، لأن ثقافة سوريا هي عنوان التنوع الفني والتسامح الحضاري··· قررنا أن يكون الأسبوع السوري آخر الأسابيع الثقافية العربية، لأن الجزائر عاصمة الثقافة العربية تتشرف بأن تسلم لأختها دمشق مشعل العواصم الثقافية، لينير على الفيحاء أنواره مثلما أنار ولا يزال وسيبقى ينير سماء بهجتنا· ولم ينأ الدكتور رياض نعسان آغا وزير الثقافة السوري، عن الجملة الثقافية التي تشاء الأقدار أن تكون مسطرة بالمأساة، لكنه استطاع أن يجعل من حروفها مضاءة بشبكة من أضواء المحبة والتاريخ وأن تسيل بلاغته بتلقائية وصدق، دون أن يلجأ إلى رسم الحروف أو نحت الكلمات أو إراقة قطرات الحبر، فبدأها ب: الحمد لله الذي من على الشعب الجزائري العظيم عمق التحمل ومتانة الإيمان·· قد تعرضت لاستعمار استيطاني طال عقودا·· وفوجئت البشرية أن الشعب الجزائري هو هو··· فإذا بالجزائر عاصمة للثقافة العربية·· عاصمة للإنسان· وعن المأساة الأخيرة التي ألمت بالجزائر، قال السيد الوزير: يريدون أن تتحول دار البهجة إلى دار أسى، يريدون أن تتحول هذه الجنان إلى مقابر··· ندين هذا العمل كإنسانيين قبل أن ندينه كمسلمين وكعرب، قال الإمام علي "الناس صنوان، إما أخ لنا في الدين، أو نظير لنا في الخلق"· تميز الأسبوع الثقافي السوري عشية افتتاحه، بحفل استقبال في بهو قصر الثقافة، ومن ثم في جولة ثقافية استعرضت فيها سوريا من خلال جمالياتها ما تملكه من تنوع وإبداع ثقافي جمالي، بدءا بالتشكيل والنحت والخط والكتاب والزرابي والنسيج والبعد الحضاري التاريخي، باعتبارها منبعا من منابع الحضارة الإنسانية، التي من خلالها استطاعت البشرية أن تجتاز مساحة كبيرة في الحضارة بفضل سورية، بفلاسفتها ومفكريها وابتكاراتها للكتابة، حيث غرست شجرة الحضارة ثم روتها حتى استوت على سوقها وأعطت أكلها شهيا لذيذا· بدأ الحفل بموشحات محملة ببصمات دينية وبرقصات معبرة، وبصوت استطاع أن يملأ قصر الثقافة بكل فخامته، وأن يشكل منه ليلة من ليالي الأندلس وأن يقبض على أمسيات غرناطة ولياليها المحبولة بكل أنواع الفنون، وبعد هذه اللوحات الفنية، استعرضت سوريا لباسها في لوحات أخرى، استعرضت من خلاله التاريخ بكل أطيافه ودمشق ومدنها الأخرى بكل عبقرية أبنائها وبناتها، فكانت ليلة شامية تشكلت خلالها البهجة والفيحاء شمعتان في قلب جرح·