* email * facebook * twitter * linkedin كلّما ولجنا عاصمة الشرق الجزائري قسنطينة بحثا منا عن ثقافتها وجذورها وجدنا التراث غير المادي متجسدا في كثير من معالمها الفنية والثقافية، على غرار فن المالوف الذي حافظ عليه كثير من المشايخ أمثال الضرسوني والتوهامي والحاج محمد الطاهر الفرقاني وغيرهم كثير. بالعودة إلى وقتنا هذا هناك الكثير من الشباب الذين حملوا على عاتقهم مسؤولية حمل مشعل الحفاظ على تراث المالوف، الذي لازالت قسنطينة حتى الساعة محافظة عليه بوجود العديد من الوجوه الفنية الشابة الراعية لمثل هذا الموروث الحضاري، الذي تعمل جاهدة على النهوض به وحمايته من الاندثار. ومن بين هذه الوجوه الفنان ابن المدينة عادل تاج الدين مغواش المحافظ على عود المالوف العربي، الشهير بأوتاره الأربعة، والذي استقبلنا كما يستقبل كل فنان قسنطيني شغوف بهذا الفن الأصيل بأبياته المشهورة، مستمعيه ومحبيه. تحيا بكم كل أرض تنزلون بها ❊❊ ❊❊ كأنكم في بقاع الأرض أمطار وتشتهي العين منكم منبرا حسنا ❊❊ ❊❊ كأنكم في عيون الناس أقمار وإن حللتم بركح فاح نسركم ❊❊ ❊❊ يا من لكم في الحشى عز ومقدار ❊❊ أولا، لنعد إلى بدايات عادل مغواش وأول ألبوم اشتهر به؟ — ❊ هذا السؤال أسترجع به عدة ذكريات مرت على مشواري الفني، لاسيما في البداية التي كانت صعبة بما أن فن المالوف يتطلب تكوينا خاصا ومباشرا وعلى يد أساتذة متمكنين في هذا المجال، فالصعوبة كانت تكمن في كيفية مزج الأغاني وكيفية توظيفها في أي مشهد فني. والحمد لله وفقني الله سبحانه وتعالى لصنع اسم في الساحة الفنية الوطنية؛ فبالبدايات كانت صعبة إلى أن جاء المهرجان الوطني والدولي للمالوف. ثم أصدرت ألبوم "ما عندي زلة" الذي لقي رواجا متميزا، وكان بمثابة الانطلاقة الحقيقية لمشواري الفني. ❊❊ بما أنك من عائلة فنية، مَن مِن العائلة ساعدك؟ وهل كان هناك رفض منهم لالتحاقك بالفن؟ — ❊ في الحقيقة، لم أتلق أي صعوبات في بداياتي الفنية، ولقيت كامل التشجيع سواء من قبل الوالدين أو الإخوة والأخوات، فعائلتنا تحب الفن الأصيل، وهي عائلة فنية منذ القدم. وكما هو معروف، فالأخ الأكبر ناصر مغواش هو من كان همزة وصل بين فن المالوف وبين عادل المغني، حيث كان بمثابة الأستاذ المتمكن الذي يملك الخبرة الميدانية، ويُعتبر أحسن عازف على آلة العود العربي بشهادة أكبر الشيوخ بما أنه يملك ما يقال "الريشة"؛ في إشارة إلى كيفية العزف على العود العربي. ❊❊ لماذا اختيار هذا الطابع بالتحديد بدل، الراي مثلاً الذي يغزو الأسواق، والشباب يميلون إليه أكثر؟ ❊ —اختياري هذا الفن كان عن قناعة وليس عاملا وراثيا فقط، فالمالوف لديه مساحة شاسعة للمغني أو العازف لكي يتقن آلته أو يتقن مختلف الطبوع التي تمتزج في المالوف؛ فمغني هذا الطابع يجب أن يكون متمكنا من الناحية الثقافية والفنية، ويملك صوتا حسنا إضافة إلى كيفية الأداء، فضلا عن حبي لهذا الفن الذي جعلني أتحدى صعوباته وأؤسس فرقة موسيقية؛ فليس هناك مجال للمقارنة بين المالوف وبين الراي أو الأغنية الخفيفة، لأن المالوف فن قائم بذاته عبر العصور، وأغنية الراي لا تملك الطابع الرزين، بداية بالكلمات البسيطة غير الهادفة. وللأسف مع ذلك، فإن شبابنا يميلون أكثر إلى هذا الفن لعدة أسباب؛ منها بساطة المفهوم والإيقاع الخفيف. ❊❊ وما رأيك في الأغاني الحالية التي باتت اليوم مسيطرة، أم لكل مكانه؟ — لكلٍّ مجاله ولكل فن مستمعوه، لكن شباب اليوم يريدون، كما قلت، الأغنية المباشرة التي تصل إلى فكرهم وتقودهم إلى المتعة. أنا لا أعارض سيطرتها على الساحة الفنية، وإنما أطالب أصحاب الفن الأصيل من مالوف وشعبي وغرناطي، بأن يعملوا على إيجاد طرق لجعل الشباب ينضمون إلى الكلمة الراقية بدلا من سماع أغان تصدر اليوم وتُنسى غدا. ❊❊ هل هناك دخلاء على فن المالوف؟ ❊ لا نستطيع أن نقول هناك دخلاء في المالوف، لأن هذا الفن في حد ذاته، لا يسمح لبعض المتطرفين بأن يسيطروا عليه أو يجعلوه بين أيديهم، وإنما هناك أطراف تعمل على أن يكون المالوف بعقلية أخرى، فبعض الفنانين، للأسف الشديد، لا يعرفون معنى الطبوع ولا يفرقون بين الحسين والماية، لكنهم يشكلون فرقا عيساوية ومالوفية ويحملون اسم المالوف. أنا أوجه لهم رسالة واضحة بأن لا ينساقوا وراء المالوف، وأن يطلقوا على أنفسهم فرق "فلكلور"؛ فهم مجرد مؤدين فقط. ❊❊ هل هناك كتّاب كلمات لأغاني المالوف، أم أنكم تعتمدون على إعادة وتجديد الأغاني القديمة؟ ❊ لا نستطيع أن نقول إن هناك كتّابا لأغنية المالوف، لأن بعض الكتاب الذين ينشطون في هذا المجال يكتبون الأغنية الخفيفة. نحن لا نستطيع أن نعيد الحوزي أو المحجوز أو الزجل، والرجاء الاكتفاء بما هو قديم؛ لأنه موزون وموروث بشكل صحيح ومقنّن. وإذا ما أردنا أن نجدد فعلينا الاكتفاء بالطقطوقات وأغاني الأعراس والأفراح، وهذا كفيل بأن يحافظ على فننا الراقي. ❊❊ هل خدمت التكنولوجيا فن المالوف أم أثرت سلبا عليه؟ ❊ التكنولوجيا بقدر ما كانت نعمة على المالوف كانت نقمة؛ كون الشيء الذي تأثر بشكل مباشر هو الترويج للأغاني والألبومات، فكان المستمع في وقت سابق يشتري الألبوم من السوق ويعمل جاهدا على التعلم على الشيوخ بمساهمته الفعالة في الترويج والاهتمام. أما الآن فإن التكنولوجيا بقدر ما ساعدت بعض الفنانين على الظهور عبر مواقع التواصل الاجتماعي، إلا أنها حطمت الأغنية الملتزمة، وأصبح أي كان يظهر للعيان على أنه مغنّ، حتى إن الناس أصبحوا لا يفرقون بين المغني الأصلح والأطلح، واختلط الحابل بالنابل للكثيرين بسبب الترويج الإعلامي غير المنضبط. ❊❊ ما هو جديد أعمال عادل مغواش؟ ❊ حاليا بصدد وضع آخر الرتوشات لعمل فني جديد يضم 10 أغان، 8 منها أغان تراثية بلمسة عصرية قليلا، فضلا عن أغنيتين جديدتين من كلماتي وألحاني، إحداها ستكون هدية لابنتي وباسمها "ميار". ❊❊ سمعنا عن مبادرة لاسترجاع مهرجان المالوف، حدثنا عنها. ❊صحيح، عدد من فناني المالوف يسعون إلى تنظيم لقاء يجمع كل الفنانين لجمع أكبر عدد من التوقيعات والمطالبة بإعادة بعث المهرجان الوطني للمالوف؛ في خطوة لرد الاعتبار لهذا الفن؛ إذ المهرجان كان الوعاء الفني الكبير لاحتواء كل أسرة المالوف من الأسماء القديمة والشباب وحتى المواهب الصاعدة. ❊❊ لنختم كلامنا عن الحراك وتأثيره على الفنان القسنطيني. ❊ الحراك أعطى الفنان حرية أكبر للتعبير عن نفسه وانتقاد الآخرين، وهو ما جعل المسؤولين عن الثقافة يعيشون ضغوطا. أنا شخصيا لن أسكت على حق الولاية من الثقافة، وأوجه ندائي إلى كل الفنانين لاستعادة مهرجان المالوف سواء الوطني أو الدولي مع إثراء أكثر لهذا الطابع خارج الولاية.