* email * facebook * twitter * linkedin بعد عشر سنوات من بداية تطبيقها، رغم معارضة فئة هامة من المتعاملين الاقتصاديين والخبراء والمنظمات المالية الدولية للإجراء، قررت الحكومة التخلي عن قاعدة 49 /51 المتعلقة بالاستثمارات الأجنبية المباشرة، وذلك عبر رفع قيدها عن «القطاعات غير الإستراتيجية». وهو أحد أهم الإجراءات الاقتصادية الجديدة التي يتضمنها مشروع قانون المالية 2020، الذي لم يحمل أي تغيير في النفقات الاجتماعية، بالرغم من الصعوبات المالية، التي تعتزم الحكومة مواجهتها باللجوء أكثر إلى المديونية الخارجية والصرامة في النفقات. ويقترح المشروع التمهيدي لقانون المالية 2020، الذي عرض يوم الأربعاء على مجلس الحكومة، رفع القيود المقررة في إطار قاعدة 51/49 بالمائة، المطبقة على الاستثمارات الأجنبية في الجزائر بالنسبة للقطاعات غير الإستراتيجية، «قصد تعزيز جاذبية الاقتصاد الوطني»، مع التذكير أن هذا الإجراء أدرج في قانون المالية لسنة 2009، وعمم على كل القطاعات بدون استثناء. وبررت الحكومة حينها اتخاذها لمثل هذا القرار، بحماية الاقتصاد، بعد قضايا عرفتها الساحة الاقتصادية ولاسيما عمليات بيع أسهم بعض الشركات الأجنبية العاملة ببلادنا. ورغم هذه المبررات، فإن القاعدة شكلت محور اعتراض من عدة أطراف في الداخل والخارج، حتى وإن التزم بها كل الشركاء الاقتصاديين للبلاد منذ اعتمادها، لكنها حسب بعض الخبراء - كانت وراء خسارة الجزائر لعدد هام من المشاريع، لاسيما من طرف المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الأجنبية التي لم تكن ترغب في العمل مع شركاء. كما أن هذه القاعدة لم تساعد على بناء مناخ أعمال مناسب، ما أدى إلى احتلال الجزائر لمراتب متدنية في ترتيب تقرير «دوينغ بيزنس» للبنك العالمي عاما بعد آخر. وتأمل الحكومة من خلال رفع هذا القيد، استقطاب رؤوس الأموال الخارجية لفائدة الاقتصاد الوطني وخلق الثروة ومناصب الشغل وترقية النشاطات الاقتصادية في عديد القطاعات، التي تعاني قيودا وعوائق تكبح الفعل الاستثماري، لذا دعا الوزير الأول نور الدين بدوي أعضاء الحكومة ل»وضع كل الآليات العملية الكفيلة بتحسين مناخ الأعمال وتوفير كل الشروط المحفزة لذلك». وفي المجال الاقتصادي، وتشجيعا للاستثمار المحلي سيتم طبقا لمشروع قانون المالية - إعفاء المؤسسات الشبانية الناشئة (start-up) واستثمارات الشباب الحامل للمشاريع، من الضرائب والرسوم المختلفة وإقرار تحفيزات لهم وتسهيل وصولهم إلى العقار لتوسعة مشاريعهم. وفيما لم يتحدث المشروع عن مصير عملية التمويل غير التقليدي الذي تم تجميد اللجوء إليه منذ أسابيع من طرف حكومة بدوي، رغم أن اللجوء إليه يمتد إلى غاية 2022، فإنه يقترح السماح باللجوء إلى المؤسسات المالية العالمية للتنمية، قصد الحصول على تمويل خارجي للمشاريع الاقتصادية الهيكلية، وهو ما كان مطروحا من قبل كبديل لطبع النقود. ويتحدث المشروع عن «إمكانية اللجوء وبطريقة انتقائية إلى التمويل الخارجي لدى المؤسسات المالية العالمية للتنمية، لتمويل المشاريع الاقتصادية الهيكلية وذات المردودية، بمبالغ وآجال تتوافق مع مردودية هاته المشاريع وقدرتها على التسديد». ويعد هذا الإجراء بمثابة منح الضوء الأخضر للاستدانة الخارجية التي كانت ترفضها الحكومة بتاتا، منذ دفع الجزائر لديونها الخارجية بصفة كاملة، حيث لايتعدى الدين الخارجي للجزائر حاليا نسبة 1 بالمائة من الناتج الداخلي الخام، وفقا لإحصائيات بنك الجزائر، فيما بلغ الدين العمومي الداخلي سنة 2018 أكثر من 37 بالمائة من الناتج الداخلي الخام. وحسب التعليمات التي أعطاها الوزير الأول، فإن إعداد مشروع القانون تم في ظل اللجوء إلى «التمويل العادي»، مع الاعتماد على الإيرادات العادية للميزانية بصورة أساسية. ذلك يؤدي بنا إلى طرح تساؤلات حول مدى القدرة على مواجهة الأعباء المالية، في ظل التراجع الكبير الذي عرفته أسعار النفط خلال السنة الجارية، مع العلم أن الجزائر تعتمد بنسبة 98 بالمائة على وارداتها من المحروقات، خاصة أن الحكومة فضلت الإبقاء على النفقات الاجتماعية ثابتة في الميزانية، بل إنها لجأت إلى قرارات اجتماعية جديدة منها رفع منحة التمدرس وكذا رفع منحة المعاقين بنسبة تتجاوز 100 بالمائة. أمر دعا الوزير الأول إلى مطالبة جميع القطاعات لأن «تكون في مستوى الصرامة المالية والميزانياتية التي تفرضها المرحلة وإلى التحلي بالحس العالي للمسؤولية، تجاه التحديات الكبرى التي تنتظر البلاد». كما طالب بترشيد تسيير الشأن العام الذي اعتبره «مسؤولية وواجب وطنيين» على الجميع تحمله، من خلال ترشيد الاستهلاك ونبذ كل مظاهر الإفراط والتبذير. في نفس الوقت، أكد على مواصلة قرارات الحكومة الهادفة إلى تقليص عجز ميزان المدفوعات والحفاظ على احتياطات الصرف، لاسيما من خلال تقليص الواردات، حيث شدد على ضرورة بذل مجهودات أكثر لتقليصها إلى أقصى حد ممكن. من جهة أخرى، سيتم العمل على تفعيل الأحكام الجديدة لتفويضات المرفق العام، بمنح تسيير المرافق العمومية الجوارية لفائدة الشباب الحامل للأفكار أو مجموعة من الشباب خريجي الجامعات والمعاهد، كدور الحضانة والمكتبات البلدية والمسابح الجوارية والأسواق الجوارية البلدية. ويتوقع مروع قانون المالية 2020 تراجعا ب2ر9 بالمائة في النفقات العمومية، بسبب انخفاض نفقات التسيير ب1,2 بالمائة وتراجع نفقات التجهيز ب20,1 بالمائة، وذلك بعد عمليات إعادة ضبط وتأطير نفقات الدولة. وتسجل الإيرادات العمومية بدورها تراجعا ب 3ر8 بالمائة بسبب تراجع الجباية النفطية (3ر2.200 مليار دج)، بالرغم من ارتفاع الجباية العادية ب5,3 بالمائة. ومن أجل تعويض تراجع الإيرادات، يسعى مشروع قانون المالية إلى رفع نجاعة النظام الجبائي، عبر تحسين مستوى تحصيل الجباية العادية والتوسيع التدريجي لقاعدة الوعاء الضريبي.