التاريخ هو لسان الحضارات ومترجمها إلى كل أشكال الفنون من نحت وعمران وكتابة، وهو الشارع الرئيسي في كل مدينة تتقاسمها الإنسانية وتستعرض من خلالها أهم ما أنجزته وما تخطط لإنجازه وماتحوّله إلى رصيدها الإنساني ليبقى علامة عبور ومحطة مراجعة، هو التاريخ بفصوله وهي الحضارة بين مدينتي الباهية وهران وميلة التي تروي قصة أول مسجد ارتفع فيه صوت المؤذن، تعرضان زخمهما التاريخي والحضاري والثقافي في إطار "الجزائر عاصمة الثقافة العربية" على مدار أسبوع كامل من 23 إلى27 من ديسمبر الجاري ويبرزان من خلاله كل أشيائهما الجميلة· عندما تحضر وهران تحضر أساطير التاريخ وملاحمه وترتفع قامة الصمود والمقاومة في وجه الإحتلالات بأنواعها، لكن الباهية بكل تفصيل المدينة وبكل الشوارع الحضارية تذهب بك إلى مقاماتها حيث يستقبلك سيدي الهواري وفي جعبته العديد من الكرامات حتى غدا متجسّدا في كل هواري وهوارية وهران بجبل مرجاجو المطّل على المدينة كعملاق أسطوري يحرسها ويرصد الزمن من عليائه، عيون الترك والأندلس بشواطئها السندسية التي تشبه وسادة محشُوّة بكلّ الأحلام الجميلة التي تطرد الكوابيس واللّصوص من شوارعها وأزقّتها العتيقة، وهران بزيّها البدوي والحضاري، بفنّها الذي يتسلّل من خلال نياتها إلى كل اللّيالي الحالمة، حيث السمروالغناء وحيث تمتلك وهران من خلاله اسم الباهية·· وهران الأندلس حيث تنبعث أطياف طليطلة وغرناطة واشبيلية وتجمع في ملامحها كل المدن من الفنيقيين إلى الرومان وهي ماتزال تحتفظ بآثار خطى هانبعل والفيلة وهي تعبر من هناك إلى الألب لتمسك بمخالب روما· هي ذي وهران تفتح عينها وتغمضها على التاريخ وليس لها من وصيفة تخدمها إلاّ التاريخ فهو وحده الذي يملك أسرارها الراي والعصري والأندلسي، والمسرح والبحر والهواريات، كلهم ينحدرون من أعالي مرجاجو أو المرسى الكبير، أو يتسلّلون من تحت برنس سيدي الهواري، تأتي وهران ويوم تأتي إلى العاصمة وتغشى بجمالها بهو رياض الفتح ستكون المفاجأة بفرقها الفلكلورية: "قرقابو" برقصاتها وحركاتها وتشكيلتها وأيضا بالفن العصري مع محمد المازوني والزهوانية ومعطي الحاج وفي هؤلاء يترآى الزخم الغنائي الوهراني من الشيخ حمادة إلى أحمد وهبي وبلاوي الهواري والى ملوك الراي وامرائه الذين أسسوا إمبراطورية الفن وجعل من الجزائر خريطة للعالم· كما لم تبخل وهران على جمهور العاصمة أسبوعها بإبراز كل دفاترها التاريخية من خلال محاضرات وأمسيات شعرية وموسيقى كلاسيكية وأفلام وثائقية وعروض مسرحية للأطفال وللكبار بالإضافة إلى النكتة والفكاهة والألعاب السحرية، وعرض للأزياء كل هذه النشاطات ستتوزع على المرافق الثقافية بالعاصمة، بهو رياض الفتح، ابن زيدون، الموفار، مدرسة والحماية المدنية، هذه وهران ستسكن البهجة وتلبسها الفن والأصالة والجمال· الأسبوع الثقافي لولاية ميلة الذي يرافق الباهية ويزامنها هو الآخر سيدخل العاصمة برصيد تاريخي وحضاري جمع بين القديم والحديث وسجل للجزائر مطلع النور وشروقه وخطوط الحضارة وأطياف الأمم المتعاقبة على الديار بين محتل ومعجب ومقيم، ميلة التي تلت من خلال مسجدها العتيقة رسالة الإسلام ورتّلت آيات بينّات من كتاب اللّه الحكيم تدخل العاصمة وهي متزينة بكل حلل الحضارة والتاريخ والجمال والفن، والفلكلور المحلي، المجموعة الصوتية، الشعر، أغاني تراثية، وصلات أندلسية وكذا المعارض، المسرح، الأوبيرات، عروض تقليدية محلية وأزياء وألبسة، هي ميلة التي تصالح فيها التاريخ مع بقايا الرومان والفاتحين، وتجاورت أحجار المساجد بتماثيل وأحجار الرومان·· هي المدينة التي تعتلي هضبة تطل على سهول خضراء حيث الزيتون والقمح والعسل·· هي ميلة واسطة عقد المدينتين قسنطينة وجيجل· تأتي للجزائر وكلّها أبّهة تاريخية نادرة تحت مظلّة "الجزائر عاصمة الثقافة العربية" في مرافق هذه العاصمة من بهو رياض الفتح وقاعة ابن زيدون إلى قاعة الموفار ومدرسة الحماية المدنية بالدار البيضاء·