سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
كلمة الرئيس بوتفليقة خلال الدورة العادية الثانية عشرة لندوة رؤساء دول وحكومات الاتحاد الإفريقي الجزائر ستظل مستعدة لتلبية ما يخدم السلم والأمن في القارة
ألقى السيد عبد العزيز بلخادم وزير الدولة الممثل الشخصي لرئيس الجمهورية أمس بأديس أبابا كلمة باسم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة خلال أشغال الدورة العادية ال12 لندوة رؤساء دول وحكومات الاتحاد الإفريقي. فيما يلي نص الكلمة : "بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله وصحبه إلى يوم الدين فخامة الرئيس أصحاب الفخامة والدولة رؤساء الدول والحكومات أصحاب المعالي والسعادة حضرات السيدات والسادة إنني سعيد غاية السعادة للفرصة المتاحة لي للإدلاء بدلوي في الدينامية التي أحدثناها لتسوية مشاكل قارتنا. إن دراسة التقرير المقدم حول نشاطات مجلس السلم والأمن تستوقفنا بشأن عدد من حالات النزاع والأزمات التي ما تزال قائمة رغم الجهود الموصولة المبذولة للنهوض بمسارات الحوار السياسي بين مختلف الأطراف. فالبرغم من التقدم المعتبر المسجل في مسار السلم بجنوب السودان أصبح الوضع في هذا البلد منذ بضع سنوات مبعثا على الانشغال بسبب الأزمة القائمة في قسمه الغربي أي في دارفور. إن استمرار هذه الأزمة يشكل تحديا كبيرا بالنسبة لمنظمتنا. إنه يملي علينا مضاعفة الجهود حتى يتسنى لمنظمتنا القارية أداء واجبها القيادي كاملا في البحث عن حل للنزاع من خلال ترقية حوار هادئ وصريح بين الإخوة السودانيين. ونبقى على يقين من أن الشروع في مسار مفاوضات من أجل التوصل إلى اتفاق سلام شامل في دارفور يظل السبيل الوحيد للخروج من هذه الأزمة. في هذا السياق فإن مطالبة وكيل محكمة الجنايات الدولية بمحاكمة الرئيس حسن البشير تشكل ولا ريب زيغا في ممارسة القانون الدولي. وهو زيغ لا يمكن القبول به خاصة وأنه يشكل التجلي الأمثل لسياسة الكيل بمكيالين مقارنة بالصمت المتواطئ في بعض الأحيان الذي يستفيد منه مجرمو الحرب الحقيقيون في سعيهم الرهيب المبيت لإبادة الشعب الفلسطيني. ففي هذا الظرف لفت الصمت فجأة الالتزام والحماس اللذين يسارع إلى إبدائهما الوعاظ فاسحين المجال للفظاعة المنقولة على المباشر عبر قنوات الأقمار الصناعية. لم يحدث قط أن شهد التاريخ حربا مثل هذه الغطرسة وهذا الاحتقار اللذين لم تسلم منهما لا منظمة الأممالمتحدة ولا ممثلوها في الميدان. ومهما يكن من أمر فإنه يتعين علينا العمل سويا على إنقاذ حظوظ التسوية السلمية لأزمة دارفور. وعلى نفس المنوال نشجع السلطات السودانية على اتخاذ أية مبادرة من شأنها دعم مقومات العدل والسلم في هذه المنطقة. والمجهودات التي يبذلها مجلس السلم والأمن في هذا الاتجاه تستحق منا كل الدعم. بودي من جهة أخرى الإعراب عن اغتباطي لمبادرة الوساطة من أجل تسوية الأزمة في دارفور برعاية الوزير الأول ووزير الشؤون الخارجية في دولة قطر المفتوحة لانضمام البلدان الإفريقية. فخامة الرئيس إن التطورات الأخيرة التي شهدها الوضع في الصومال تستوقفنا على أكثر من صعيد. فبعد مرور سنتين على تنصيب بعثة الاتحاد الافريقي إلى الصومال عرفت المسألة الصومالية تطورات إيجابية وواعدة عقب الشروع في الحوار الصومالي في مايو 2008 بجيبوتي وتوقيع اتفاق بين الحكومة الفدرالية الانتقالية والتحالف من أجل إعادة تحرير الصومال في 9 يونيو 2008. في هذا الصدد لا يمكننا إلا أن نعرب عن ارتياحنا للتقدم الملحوظ المحرز في الصومال من خلال انتخاب الشيخ شريف أحمد مؤخرا رئيسا للصومال. لا شك أن هذا الانتخاب يشكل تطورا هاما بل حاسما في الساحة السياسية الصومالية ويفتح المجال أمام تشكيل حكومة موسعة تعمل لصالح السلام واجتماع كافة العناصر الفاعلة في الأزمة الصومالية على نفس المائدة. إن مقاربتنا للمشكل الصومالي لا يشوبها أي تردد وجميعنا مجندون لمساعدة هذا البلد الإفريقي على تجديد العهد والسلم والاستقرار. ويتعين علينا إقرار مسعى مشترك لا رجعة فيه حتى تظل وسائل تدخل اتحادنا مطابقة لنص وروح الأحكام ذات الصلة الواردة في عقده التأسيسي وفي البروتوكول المتضمن إنشاء مجلس السلم والأمن. إن الوضع الراهن يميزه الطابع الاستعجالي لمسألة تعزيز وسائل تدخل بعثة الاتحاد الإفريقي إلى الصومال البشرية اللوجستية منها لا سيما بعد انسحاب القوات الإثيوبية. والمجتمع الدولي مطالب أكثر من أي وقت مضى بالاضطلاع بواجباته والتزاماته في هذا الجهد. بهذا الشأن بودي أن أعرب عن بالغ عرفاننا لإثيوبيا ولأخينا ميلاس زيناوي على الجهود المبذولة والتضحيات المقدمة في سبيل دعم قوات بعثة الاتحاد الإفريقي إلى الصومال. ويروقني بهذه المناسبة أن أجدد استعداد بلادي للمشاركة مثل دأبه لدى تنصيب بعثة الاتحاد الإفريقي إلى الصومال في تعزيز مهمة هذه البعثة بوضع وسائل نقل القوات جوا تحت تصرفها. وستظل الجزائر دوما على هذا الالتزام مستعدة للمسارعة إلى تلبية أي طلب يصلها من المفوضية في هذا الاتجاه. دعوني أخيرا أهنئ كافة الدول الأعضاء التي بذلت مجهودات محمودة طابعها السخاء لتمكين هذه البعثة من إرساء قواعدها ومنظمتنا من تقديم البرهان والدليل على رفع التحديات رغم ضآلة ومحدودية وسائلها. فخامة الرئيس لقد شهدنا حوادث مأساوية وقعت بشرق جمهورية الكونغو الديمقراطية. وإن ظهور أزمة جديدة قوّض التقدم الملموس بل الحاسم في جوانب معينة المسجل في مسار تسوية النزاع في هذه المنطقة. وبودي بهذه المناسبة أن أتقدم بصادق التهنئة مشفوعة بأخلص التمنيات بالنجاح إلى أخي الرئيس أوليسيغون أوباسانجو لقاء العمل اللافت الذي أنجزه في سبيل الوصول بهذا النزاع إلى مخرج سلمي وتسوية دائمة وفي سبيل أن تستوطن الثقة المتبادلة نهائيا بين أطراف الأزمة. لقد نوهت الجزائر التي تتابع بانشغال عميق تطورات الوضع في جمهورية الكونغو الديمقراطية بالقرارات الهامة وقت صدورها عن ندوة نيروبي المنعقدة في 7 نوفمبر 2008 وبالنتائج التي توصل إليها أخونا الرئيس جوزيف كابيلا وأخونا الرئيس بول كاغامي وإننا لنحيي هذه الرغبة الجامحة في السلم التي نأمل أن تكون مبشرة بمصالحة دائمة بين قاطبة بلدان المنطقة. لقد سجل مسار السلم في منطقة البحيرات الكبرى تقدما هاما يتعين توطيده بمبادرات ملموسة في كنف احترام القرارات والاتفاقات التي توصلت إليها الأطراف الأساسية في هذه الأزمة. والأخبار الأخيرة التي وصلتنا من شمال كيفو ولئن كانت تقتضي منا توخي جانب الحذر تشير إلى تقدم ملحوظ في الميدان بفضل وساطة الرئيس أوباسانجو وبفضل جهود الاتحاد الافريقي. فخامة الرئيس إن الديمقراطية واحترام النظام الدستوري مقومان أساسيان من مقومات السلم والاستقرار في بلداننا. وهذا توافق فيه يمكن الخلاص نجحت إفريقيا في التوصل إليه. إلا أن هناك أوضاعا ما تزال تستوقفنا. فحالات تغيير الحكومات بطريقة غير دستورية التي شهدتها إفريقيا مؤخرا تحمل بالفعل في طياتها أخطارا تحيق ببناء دولة الحق والقانون وتهديدات على سيادة الدول واستقرارها. ينبغي لإفريقيا التي أكدت وجددت التأكيد على موقفها المبدئي الرافض لأي تغيير غير دستوري للحكومات مستندة إلى قرارات قمة الجزائر المنعقدة في 1999 وقمة لومي المنعقدة في 2000 أن تقحم نفسها في إعادة النظام الدستوري حتى تتحقق الغلبة للإرادة الشعبية. ولبلوغ ذلك ينبغي لزاما تطبيق القرارات التاريخية المتخذة في قمة الجزائر وقمة لومي بعدها بحذافيرها ودونما استثناء حفاظا على مصداقيتنا. فخامة الرئيس اسمحوا لي أن أ زجي من هذا المنبر التحية لكافة الإخوة الأفارقة الذين استنفدوا كنوزا من الطاقة والإبداع والمثابرة في سبيل الإسهام بوسائل محدودة لكن بإرادة لا يشق لها غبار في مسارات تسوية النزاعات والأزمات التي تلم بقارتنا. بهذا الشأن فقد أثبت مجلس السلم والأمن الذي تشرفت الجزائر برئاسته الشهر المنصرم مرة أخرى صلاحيته ووجاهته وفائدته في كل مسعى يهدف إلى اتقاء النزاعات وإدارتها وتسويتها. وقد انضمت مجموعة العقلاء المنبثقة عن مجلس السلم والأمن التي يترأسها أخي الرئيس أحمد بن بلة الذي أخصه وبقية الأعضاء الأفاضل بما هم أهل له من إشادة وتنويه بكل حزم إلى منطق التسوية السلمية للنزاعات هذا. فالمجموعة أكدت بفضل مساهمتها الهادئة لكن الفعالة في الوقاية من النزاعات وتسويتها قوة الحكمة الافريقية من حيث إنها عامل ثمين في تسوية النزاعات. إنني إذ أجدد رسميا دعوة الجزائر إلى بذل كل ما أمكن في سبيل سلم لا رجعة فيه يعم قارتنا كلها بفضل النوايا الطيبة لهولاء وأولئك أتمنى من أعماق فؤادي أن تتم المحادثات الجارية بين مختلف الأطراف المتنازعة في كافة بؤر الأزمات من السودان إلى الصومال إلى جمهورية الكونغو الديمقراطية إلى مواقع أخرى في افريقيا في جو تسوده روح المصالحة الأخوية والحس بفضائل الحوار والتفاهم والاحترام المتبادل وفوق ذلك روح المسؤولية في سبيل إعادة السلم والاستقرار إلى ربوع افريقيا مجددا.