أبهرت مسرحية "موقف إجباري" للمسرح الوطني الجزائري بحر الأسبوع الماضي، أهل تمنراست عند تقديمها في عرض أول بدار الثقافة، أمام جمهور متعطش للفن بأنواعه وللثقافة بأشكالها المختلفة· "موقف إجباري" التي اختار المسرح الوطني عرضها بولاية تمنراست، كسرا للمركزية وسعيا لتوزيع نشاطاته وأعماله المسرحية التي أنجزت في إطار تظاهرة "الجزائر عاصمة الثقافة العربية" عبر ولايات الجزائر المختلفة، لاسيما ولايات الجنوب، هي صرخة مدوية تعري بجرأة كبيرة، الكثير من القضايا الاجتماعية، وخاصة السياسية، بطريقة صريحة ومباشرة، استطاع من خلالها المخرج عز الدين عبار، تجسيد النص القوي لامحمد بن قطاف بكل ما يحمله من دلالات مكشوفة وأخرى مستورة· شخوص المسرحية حركها كل من رضا تخريست في دور السجين "عبد القادر" ورشيد جرورو في دور الحارس "مسعود" من خلال قصة صداقة غريبة جمعت لأكثر من 30 سنة بين مطالب للحرية وللتغيير بممثل السلطة··· ثلاثون سنة قضاها عبد القادر خلف القضبان يحرسه مسعود الذي تعود على وجوده وقاسمه ليالي الزنزانة الباردة وأحاديثه المشفرة التي يستعصي في الكثير من الأحيان فهمها، ويتعمد تجاهلها أحيانا أخرى طمعا في الحصول على تقاعده الذي طال انتظاره دون أية مشاكل··· وبتغير النظام يحصل عبد القادر على الإفراج ويسعى صديقه مسعود إلى إبلاغه بالخبر السعيد غير المنتظر، رغم تأسفه لفراق رفيق حياته الذي قاسمه الكثير من اللحظات الجميلة، ليلتقي الصديقان من جديد ودون سابق إنذار على رصيف الحياة بعيدا عن القضبان مرتديين ثوبي الحرية،··· أهمية المسرحية تكمن في قوة نصها، الذي حمله مدير المسرح الوطني الجزائري، امحمد بن قطاف، الكثير من الرسائل الناقدة للواقع السياسي في فترة ما بعد الاستقلال إلى مرحلة التسعينيات، مركزا على صراع السلطة والمثقف وخنق الحريات وملء السجون بالمعارضة، ولم يستثن الكاتب إشكالية التاريخ المبتور والذاكرة المغمورة في تصريحات جريئة صفق لها جمهور تمنراست طويلا· ولم يبتعد نص "موقف إجباري" الذي هو إعادة كتابة لنص "السجين الأخير"، التي كان من المنتظر أن يقدمها في شكل مونولوغ الفنان الراحل سيراط بومدين، عن الطابع الاجتماعي الشعبوي العبثي الذي عرف به الممثل والمخرج والكاتب المسرحي امحمد بن قطاف، لذلك من السهل على المتتبع لأحداث المسرحية، أن يجد تقاطعا للكثير من النصوص الأخرى، لاسيما مسرحية "حافلة تسير" و"في انتظار فودو" التي انتقدت التسيير السياسي للدولة والوضع الاجتماعي· أداء الممثلين رغم إجادتهم، لم يكن في مستوى قوة النص الذي تطلب أداء أكثر قوة يجعل الجمهور يتابع العمل من بدايته إلى نهايته ويقاسم الممثل ما يخالجه من شعور بالإحباط والألم والقلق على مستقبل الأمة ويأس من المصير المشترك، ورغم ذلك تمكن الثنائي من شغل فضاء الخشبة دون ترك الكثير من الفراغات الواضحة، وإيصال رسالة المسرحية للجمهور، الذي توقف عند مواقف مهمة من المسرحية بالتصفيق· يذكر أن هذا أول عرض محترف يقدم منذ سنوات طويلة أمام سكان تمنراست المتعطشين للفن الرابع، وهو ما تم كشفه خلال الندوة الصحفية التي نشطها المخرج عقب العرض، حيث أكد الحضور أن الولاية تفتقر إلى حركة مسرحية، ما عدا بعض الشظايا المترامية هنا وهناك، وبالمناسبة، اتصل كاتب المسرحية ومدير المسرح الوطني الجزائري، امحمد بن قطاف، المتواجد بالعاصمة الفرنسية باريس، هاتفيا بالمخرج خلال الندوة، وعبر عن سعادته بتقديم المسرحية بمنطقة تمنراست·· مؤكدا على ضرورة نشر الثقافة في كل ربوع الوطن· مبعوثة "المساء" إلى تمنراست : ج· شفيقة