تحل اليوم الذكرى المزدوجة لتأميم المحروقات وتأسيس الاتحاد العام للعمال الجزائريين في ظل متغيرات جديدة يعرفها واقع البلاد وسعي الدولة لتكييف الرهانات العالمية مع المتطلبات الاقتصادية الداخلية، ورغم سلسلة التعديلات التي أجريت في قطاع المحروقات في صائفة 2007 بقرار من رئيس الجمهورية، إلا أن الذكرى تبقى حدثا تاريخيا هاما مكن الجزائر من استعادة إحدى ركائز اقتصادها الوطني وثرواتها التي نهبت لأكثر من قرن من قبل الشركات البترولية الفرنسية. وعليه يبقى الاحتفال بقرار تأميم المحروقات بعد مرور 38 سنة يحمل أكثر من دلالة باعتباره يعد استكمالا لمبادئ الثورة التحريرية والاستقلال، حيث سعت الدولة الجزائرية لاتخاذ قرارها التاريخي وإطلاق مسار تنمية اقتصادية واجتماعية واسع المدى كان هدفه تحويل القاعدة الاقتصادية لبلادنا من خلال تصنيع سريع الوتيرة وتلبية المطالب الاجتماعية لغالبية الشعب. فقد فتحت تأميمات سنة 1971 عهدا اقتصاديا جديدا شكل مصدر قوة للتنمية الوطنية تجسدت في إنجازات كبيرة اندرجت في إطار احتكار الدولة للنشاطات الاقتصادية والصناعية للبلاد. وأمام التغيرات الجديدة التي عرفها الواقع الاقتصادي للبلاد أثبت النموذج المعتمد في الجزائر محدوديته ابتداء من النصف الثاني من الثمانينيات لما أخذت الأسعار منحى غير مواتي على الساحة النفطية الدولية، الأمر الذي دفع بالسلطات في 1987 ثم في 1991 إلى خوض أولى خطوات الانفتاح الملموسة في مجال السياسة الطاقوية، وفرضت التحولات الجديدة التكيف مرة أخرى مع الساحة النفطية الدولية التي ما انفكت تشهد تطورات في ظل عولمة المبادلات وشموليتها، في الوقت الذي ازدادت فيه المنافسة بين البلدان المنتجة احتداما على استقطاب رؤوس الأموال الخاصة في النشاطات النفطية، ما يدفعها إلى فتح أراضيها للمستثمرين الأجانب باعتماد إجراءات تشريعية ومؤسساتية وجبائية مغرية بغرض التحفيز. وإذ يتزامن الحدث مع الاحتفال بالذكرى ال53 لتأسيس الاتحاد العام للعمال الجزائريين فإن ذلك يستوقفنا أيضا لتقييم مسيرة الاتحاد، الذي ورغم الهزات التي عرفها في السنوات الماضية، إلا أن الاتحاد يبقى القوة العمالية الأولى في البلاد، فبعد أن ساهمت في ثورة التحرير ثم مكافحة الإرهاب، لم تتوقف المسيرة عند هذا الحد، بل بقيت في الصفوف الأولى في كل مناحي الحياة الوطنية. كما أن الربط بين هذين الحدثين لم يأت من باب الصدفة بل جاء لإضفاء قيمة رمزية على البنية العامة للدولة وعلى الطابع الخاص للمنظمة النقابية. وإذ ساهمت النقابة إبان الثورة التحريرية بقدر كبير في تمويل الحركة التحررية، فإنها عملت على النهوض بمجالات البناء وتحقيق التنمية في المجتمع، كما تكيف الاتحاد مع المتغيرات الجديدة ليس لكونه جهازا تابعا للحزب الواحد كما يقال ولكن لأن العمال في تلك الفترة من تاريخ الجزائر انضموا إلى مسيرة التحول الاقتصادي كعامل وورقة إثبات في مسيرة إخراج البلاد من الوضع المتأزم اقتصاديا واجتماعيا بفعل مخلفات الاستعمار. وعاشت المركزية النقابية العهد الاشتراكي مناضلة ومسيرة في آن واحد من خلال تواجد العمال في كافة قطاعات التسيير والإنتاج وتمكنت من إحراز تجربة رائدة وفريدة من خلال جمعها بين مكتسبات الثورة والحفاظ عليها والدفاع عن مطالب الفئة العمالية العريضة التي تمكنت في لحظات تاريخية عدة أن تكون صوت الشعب المدوي مثلما حدث مع قرار الدولة الجزائرية بقيادة الراحل هواري بومدين بتأميم المحروقات في 24 فيفري سنة 1971. وفي إطار الزخم المتسارع للحدث حولت المركزية النقابية إلى لسان حال العمال الجزائريين صوت للدفاع عن مصلحة الدولة الجزائرية، حيث لم تثنها صعاب المرحلة الانتقالية التي عرفتها البلاد منذ دخولها الأزمة السياسية والأمنية بداية التسعينيات من التخندق في صف الوطنيين ولكنها كانت أيضا الحقبة العسيرة في تاريخ الاتحاد، حيث أنه لأول مرة في تاريخه واجه مشكلة تسريح العمال بسبب المتاعب المالية التي أصابت الخزينة العمومية. ورغم كل ما واجهته النقابة من صعاب بسبب الظروف التي مرت بها الجزائر إلا أن المتتبعين يجمعون على أن الاتحاد العمالي يبقى دون منازع أقوى نقابة عمالية في البلاد من خلال انخراطها في المساعي التي بادر بها الرئيس عبد العزيز بوتفليقة وكان من أبرزها قانوني الوئام المدني والمصالحة الوطنية، وبرنامج الإنعاش الاقتصادي ودعم النمو.