تستحضر الجزائر اليوم الذكرى ال 37 لتأميم المحروقات والذكرى ال 52 لتأسيس الاتحاد العام للعمال الجزائريين في ظرف خاص تميزه إرادة استحداث تصور جديد للواقع الاقتصادي للبلاد برفع التحديات التي أضحت تفرضها التحولات الدولية الراهنة· فإذا كانت ذكرى تأميم المحروقات تشكل نموذجا رائدا في تعزيز مكاسب السيادة الوطنية، فإن المعطيات الاقتصادية الحالية للبلاد تفرض تكريس رؤية جديدة للواقع الجديد، بالبحث عن موارد تغنينا عن "الذهب الأسود" الذي سينضب آجلا أم عاجلا· وهو ما أكد عليه رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة في كذا مرة عندما دق ناقوس الخطر، بالدعوة إلى التشمير على السواعد لضمان مستقبل الأجيال القادمة بإرساء تصور جديد يعزز قوائم الاقتصاد الوطني ويضفي عليه ديناميكية تجعله في منأى عن تقلبات الدهر· ولعل ذلك ما يعكس سلسلة ورشات الإصلاح التي باشرها منذ توليه رئاسة الجمهورية في عدة قطاعات، حيث بدأت ثمارها تلوح في أفق واعد أكثر ما يحتاج إليه تفعيل وتيرته وديمومته ولعل في نسبة النمو المحققة دليلا على سدادة المواقف والجهود التي تبقى بحاجة إلى مشاركة الجميع· فذكرى تأميم المحروقات يبقى رمزاً من رموز الدفاع عن السيادة الوطنية وأسوة للأجيال التي يجب أن تفتخر بهذا الإنتصار الذي برعت فيه الدبلوماسية الجزائرية وأكدت قدرتها الكبيرة أمام دولة كفرنسا التي يحسب لها ألف حساب، ويبقى علينا أن نستثمر هذا النجاح في مواصلة البناء وتشييد الوطن· ومن الصدفة أن يتزامن الاحتفال بهذه الذكرى الكبيرة مع الذكرى ال 52 لتأسيس الاتحاد العام للعمال الجزائريين، مناسبة تحمل في طياتها قيم الكفاح والنضال للعامل الجزائري الذي ضحى بالنفس والنفيس من أجل تحرير الوطن خلال الثورة التحريرية، ليواصل بعدها مشوار البناء بعد الاستقلال· ويتزامن إحياء هذه الذكرى في ظرف يتسم بالاستعداد لتطبيق شبكة وطنية جديدة للأجور لفائدة مستخدمي الوظيف العمومي لإعادة الاعتبار لمؤهلات وكفاءات مستخدمي هذا القطاع، حيث قدمت الحكومة مؤخرا تعليمات للمديرية العامة للوظيف العمومي تقضي بالإسراع في دراسة وإصدار القوانين الأساسية للقطاعات قصد تطبيق الزيادة المقررة وفق الشبكة الجديدة للأجور باعتبار أن ذلك مرتبط بإصدار القانون الأساسي الخاص بكل قطاع· وتبرز هذه المساعي، إرادة السلطات العليا في البلاد لتحسين الواقع المعيشي للمواطن في ظل ظروف اقتصادية صعبة ألقت ظلالها عليها تقلبات السوق الدولية، مما أثر على أسعار المواد الاستهلاكية وانعكس بدوره على المدخول الفردي· فخطوات تطبيق الشبكة الوطنية الجديدة للأجور تعكس إرادة جديدة لمسايرة الرهانات، حيث تجد الحكومة نفسها في موضع يفرض عليها الحفاظ على مؤشرات الاقتصاد الوطني من جهة وإرضاء الكفة الاجتماعية من جهة أخرى، وهو ماتم بالفعل رغم تباين المواقف حول هذه المساعي لاسيما على مستوى الجبهة الاجتماعية· ويبقى القول أن تزامن هاتين الذكريين يحمل رسالة واحدة تستدعي التوقف عندها من أجل استخلاص عبر الكفاح والنضال لمواصلة مسيرة التشييد والبناء التي رسمها الأسلاف الذين سلموا لنا المشعل في بداية طريق "محفوف" بالتحديات·· فهل سنكون أهلاً لرفع هذه التحديات في ظل هذه المتغيرات من أجل كسب الرهانات؟·