"لقد عادت لنا الحياة من جديد، من كان يصدق أننا سنعود للخروج بعد صلاة العشاء للتنزه وسط الحي أو بين شوارع البلدية أو حتى التنقل فيما بين البلديات، ما عشناه في السابق كان كابوسا واليوم الحمد لله عاد الأمن للبلاد"، هكذا فضل أحد شباب بلدية وادي جر أو ما كان يصطلح على تسميتها سابقا "وادي جر والسكين يجر" الرد على تساؤلاتنا حول عودة السكان إلى ديارهم بعد أن غادروها قهرا ليعودوا لها بعد عودة الأمن لم يكن بالأمر السهل خاصة وأنها تقع وسط أحضان الجبال الشاهقة، كما أن الحديث عن ماضي هذه البلديات لم يكن هو الآخر سهلا لأنه يعيد فتح الجراح التي اندملت منذ مدة قصيرة، فهناك من فضل السكوت وهناك من أجابنا بالدموع في حين فضل البعض الآخر الرد بابتسامة عريضة وتساؤل آخر "وأنتم هل وجدتم صعوبة في بلوغ بلديتنا؟"، من جهتها تشير مصادر مقربة من الولاية إلى تسجيل هجرة أكثر من 150 ألف مواطن بين 1994 و1998 في حين سجل إلى غاية اليوم عودة 100 ألف مواطن في الوقت الذي فضل البقية العيش وسط المدن بعد أن تعودوا على ذلك. فكرة زيارة المناطق الريفية البعيدة راودتنا منذ مدة طويلة قبل أن تسمح لنا فرصة الوقوف على مجهودات مختلف مصالح الأمن وحتى سكان الأرياف في عودة الأمن والطمأنينة إليها بعد عشرية أقل ما يقال عنها أنها كانت كابوسا حقيقيا على حد تعبير السكان الذين تقربنا منهم، فلا أحد منهم كان يتوقع العودة إلى دياره من جديد بعد أن هجرها كرها، "كنا ندخل إلى بيوتنا بعد صلاة العصر مباشرة لننتظر دور من تلك الليلة" هكذا وصف لنا الشاب عبد القادر أحد ضحايا الإرهاب ببلدية عين الرمانة الأوضاع التي كان سكان البلدية يعيشونها وهم الذين هجروها لأكثر من عشرين يوما سنة 1994 قبل أن يقرروا العودة تدريجيا بمساعدة أعوان مصالح الأمن والجيش الوطني الشعبي، كما أشار المتحدث إلى أن قرار تسليح السكان كان له الأثر الإيجابي في عودة الثقة إليهم حيث فضل أرباب العائلات العودة لوحدهم لمزاولة نشاطهم بالأراضي الفلاحية قبل أن يقرروا إرجاع أهاليهم نهاية التسعينات بعد أن استتب الأمن كليا بالبلدية والتجمعات السكنية المجاورة. بلدية عين الرمانة التي تبعد بحوالي 40 كيلومتر عن مقر دائرة موزاية والتي تعتبر الحدود الفاصلة بين ولايتي البليدة وعين الدفلى من الجنوب الغربي والمدية من الجنوب تحضنها الجبال من كل جانب مما جعلها مقصدا للمجموعات الإرهابية خلال سنوات الجمر استغلت طابعها الجغرافي الصعب للاحتماء وسط جبالها وأشجارها في الوقت الذي عانى فيه سكان البلدية الأمرين بين غياب مختلف مظاهر التنمية المحلية لعدة سنوات وانعدام كل وسائل النقل التي تربط عين رمانة بمقر الدائرة لموازية وكذا العناصر الإرهابية التي وجدت في المنطقة فضاء خصبا لإرهاب السكان وابتزازهم بشتى الطرق مستغلة في ذلك شساعة مساحة البلدية التي تمتد على 101 كيلومتر، لكن اليوم وبعد وضع سلاح عدد كبير من المجموعات الإرهابية يقول عبد الرحمان "عدنا إلى ديارنا واستفدنا من مختلف البرامج الرئاسية سواء تلك المتعلقة بعائلات ضحايا الإرهاب أو الوئام المدني والمصالحة الوطنية التي كانت الدافع لعودة عدد من شباب البلدية ممن غرر بهم"، واليوم يحاول السكان وشباب البلدية النائية نسيان الماضي وكلهم أمل في المستقبل. سكان عين الرمانة يتذكرون معاناتهم مع الإرهاب من جهتها ظهرت مظاهر التنمية لنا جليا ونحن نتجول بين شوارع البلدية التي عادت إليها الحياة من جديد، حيث أنه رغم برودة الطقس وسقوط الثلوج إلا أن اللقاء الذي جمعنا بعض الأطفال ونساء البلدية كان حميميا حيث رحبوا بنا وأصروا على تكذيب الإشاعات التي روجت مؤخرا حول عودة اللا أمن للمنطقة وطلبوا منا تصحيح الأفكار ورسم الصورة الحقيقية لمنطقة عين رمانة التي تحضر نفسها لاستعادة زوارها القدامى الشغوفين بمناظرها الطبيعية العذراء، كما أن عودة فتح المحلات التجارية والمستوصفان وحتى المدارس دليل - كما أكد لنا السكان- على الاستقرار خاصة بعد عودة حافلات النقل الجماعي لتربط البلدية بمختلف الأحياء والبلديات المجاورة. الأساتذة من جهتهم عادوا إلى قاعات التدريس والفلاحون لزراعة أراضيهم في حين وجد عدد من شباب البلدية مناصب شغل جديدة بالمنطقة الصناعية التي لا تبعد إلا بأمتار عن مقر البلدية، وبعد أن كانت العائلات تعزف عن إرسال أبنائها إلى مقاعد الدراسة خوفا عليهم بدأ الكل يتحدث اليوم عن سبل تنمية الموارد البشرية للبلدية التي تحصي اليوم 12483 نسمة والبحث عن مداخيل جديدة لتمويل عدة مشاريع لها علاقة بالشباب والرياضة والثقافة بالإضافة إلى الصحة والتربية علما أن المسؤولين المحليين يتطلعون لأن تكون عين الرمانة مقصدا سياحيا لاحتضانها لأعلى بحيرة في العالم إلى غاية إثبات العكس من طرف الهيئات الدولية، ولدى تقربنا من مجموعة من الأساتذة كلهن نسوة التحقن بمهنة التدريس نهاية التسعينات بعد عودة الأمن للمنطقة وللتجمعات السكانية التابعة لها على غرار برج الأمير خالد، ريحانة، احمد محمود ونحاوة تقول إحدى الأستاذات أن أقسام التدريس عادت لها الحياة بعد العودة القوية للتلاميذ من مختلف الأطوار، وبعد أن كان الحديث يدور عن الإرهاب وضحاياه في وقت سابق اليوم الأساتذة يتحدثون عن انشغالات التلاميذ المتعلقة بالتدفئة وتوفير الكتب المدرسية والنقل. رئيس بلدية عين رمانة شاب لا يتجاوز سنه السابع والعشرين متحصل على شهادة ليسانس في الفلسفة يساعده مجموعة من المنتخبين والمسؤولين القدامى للبلدية الذين كانوا هم كذلك ضحايا إرهاب، يتحدث كل واحد منهم عن الاعتداء الذي تعرض إليه فهذا نجا من الموت بأعجوبة بعد أن ساعده أحد سكان البلدية وآخر تعرض لإطلاق النار، وشاءت الأقدار أن يجتمع الكل اليوم للحديث على طاولة الاجتماعات عن التنمية المحلية للبلدية التي تقف على أقدامها من جديد "لغد أفضل"، ويقول رئيس الدائرة السيد عبد النور قويدر عياد وهو من أبناء البلدية أن عين الرمانة سجلت بين 1994 و1997 هجرة بين 30 إلى 40 بالمائة من سكانها إلى المناطق المجاورة قبل أن يعودوا إليها تدريجيا بحضور قوات الأمن والجيش الوطني الشعبي الذي ساهم بدرجة كبيرة في عودة الأمن للمنطقة، وعن الأوضاع الراهنة للبلدية يرد المسؤول أنها تسير نحو التنمية ولو كان ذلك بخطى متثاقلة بسبب نقص المداخيل وضعف الميزانية، وعن يوميات الشباب فهي مليئة بالآمال المعلقة على مسؤولي الولاية ووزارة الفلاحة والتنمية الريفية خاصة فيما يخص برنامج دعم المناطق الريفية حيث ينتظر أن يستفيد أكثر من 13 فلاحا من دعم يتمثل في عدد من رؤوس البقر والغنم كتعويض عن الخسائر التي لحقت بهم خلال سنوات الإرهاب، في حين تشغل المنطقة الصناعية التابعة للبلدية إقليميا والتي تضم تسع وحدات صناعية ما يزيد عن 300 ساكن من شباب البلدية وهو ما خفض نسبة البطالة إلى 18 بالمائة علما أن عدد المتحصلين على شهادات جامعية بلغ أكثر من 100 شاب ينشطون في عدة مجالات، كما استفادت البلدية من إعانات مالية لبناء 693 بيتا ريفيا و572 سكنا اجتماعيا مع مساعدات مالية لترميم 111 مسكنا وتوسيع 10 مساكن في الفترة الممتدة من 2002 إلى 2008، وعن المشاريع التنموية المسطرة لصالح سكان عين الرمانة كشف رئيس البلدية عن دراسات لإنجاز مساحات للعب، فتح طرقات بلدية على مسافة 10 كيلومتر، إنجاز جسر لقطع وادي نحاوة ومشروع لإنجاز 50 مسكنا اجتماعيا خاصا بتعويض أصحاب السكنات الهشة، بالإضافة إلى إنجاز مركب سياحي بمنطقة سيدي إبراهيم وإعادة الاعتبار للبحيرة التي تتربع على مساحة 7 كيلومتر مربع، مركب رياضي، مستشفى للأمراض الصدرية وهو مشروع قديم حيث توقفت دراساته لأسباب أمنية. نسينا الماضي وجهودنا اليوم منصبة على عودة التنمية بلدية وادي جر التي تبعد بحولي 30 كيلومترا عن مقر ولاية البليدة كانت إلى وقت قريب معقلا للإرهابيين الأمر الذي جعل العديد من المواطنين يطلقون عليها اسم "واد جر والسكين يجر" لكنها اليوم تستقطب أكبر الشركات الأجنبية التي تنشط في مجال إنجاز المنشآت الفنية الكبرى على غرار الطريق السيار شرق غرب الذي ساهم بدرجة كبيرة في فك العزلة عن البلدية الفلاحية التي سجلت بين سنوات 1993 و1997 هجر قرابة 350 شخص من دواوير أولاد عايدة، معامرة، مساعدية، حساسنة والحشم، وتقول إحدى عضوات جمعية ابن الهيثم التي تضم شابات من البلدية حرصن على نقل معارفهن لبنات البلدية من حرف ومهن تقليدية تساعد المرأة الريفية على المساهمة في دخل العائلة، أن الوضعية أنها تحسنت كثيرا عما كانت عليه في الماضي حيث عادت حركة تنقل السيارات والأفراد إلى شوارع البلدية والقرى البعيدة ليلا نهارا كما عادت "ضجة الأعراس" خلال فصل الصيف بعد أن كانت في السابق تقام بطريقة محتشمة أو تنعدم، مؤكدة أن الفضل في ذلك يرجع إلى برنامج السلم والمصالحة الذي ساهم في عودة العديد من شباب البلدية ممن غرر بهم، كما أن انتشار الوعي وسط السكان ساهم بدرجة كبيرة في إعادة تثبيت الفلاحين والسكان في مساكنهم. رئيس بلدية وادي جر السيد بوعرعار أحمد وهو أحد ضحايا الإرهاب لم يتمالك نفسه وهو يتحدث على "سنوات الجمر" حيث يقول أن كل عائلات البلدية كانت معنية من قريب أو بعيد بالتغيرات الجذرية التي كانت تعرفها البلدية لتظهر أولى بوادر الانفراج سنة 2002 حيث سجل عودة جماعية للعائلات بعد أن كان الفلاحون السباقون للعودة إلى أراضيهم الزراعية التي تمتد على مساحة 2479 هكتارا وعددهم 170 فلاحا. وعن مظاهر التنمية المحلية التي تظهر للعيان من خلال الورشات العديدة على مستوى البلدية خاصة تلك المتعلقة بالسكنات الاجتماعية والتي أخرجت وادي جر من العزلة يقول رئيس الدائرة أنها ساهمت بدرجة كبيرة في عودة 50 بالمائة من العائلات بعد أن تقرر إنجاز 160 مسكنا اجتماعيا وترميم 69 مسكنا ريفيا مع تسجيل برنامج لتوسيع 60 مسكنا. وبغرض تقريب مختلف المرافق العمومية من السكان خاصة تلك التي خربت في السابق تم إدراج عدة مشاريع تنموية منها ما يتعلق بإنجاز 43 محلا تجاريا في إطار برنامج رئيس الجمهورية القاضي بإنجاز 100 محل لكل بلدية منها 22 محل قيد الاستلام و21 محل في مرحلة الإنجاز، وقد تمكنت البلدية من تحديد قائمة المستفيدين وهم من شباب المنطقة من ذوي الحرف، في حين ساهم مشروع الطريق السيار شرق غرب في فك العزلة من جهة عن البلدية وتوظيف عدد كبير من الشباب، لكن بعد انتهاء شطر الطريق المار بالبلدية وجد الشباب نفسه دون مهن، ولتخفيض نسبة البطالة بالبلدية والتي قاربت 35 بالمائة تقرر توجيههم نحو الفلاحة للاستفادة من دعم مديرية الغابات في مجال توزيع خلايا النحل وعددها ستة في انتظار تحديد المستفيدين من الدعم برؤوس أغنام وثلاثة أبقار لكل مربي. ويقول رئيس البلدية "إن ما عاشه سكان وادي جر من مآسي يجعله يرفض بشدة العودة إلى السنوات الفارطة فمجرد التفكير بها يعيد فتح الجراح التي تعبنا في تضميدها ، فلن يرضي سكان البلدية تحت أي ظرف العودة إلى الوراء فلا أحد منا كان يتوقع أن يعود إلى حياته العادية وينعم بالأمن والاستقرار، وما بلغناه لم يكن بمحض الصدفة بل بعد أن جاهد الكبير والصغير من أجل استرجاع الأمن، كما كان لمختلف برامج رئيس الجمهورية انعكاسات إيجابية على الوضع العام بالبلدية التي خرجت من سنوات الجمر نحو سنوات التنمية". عنصر القردة يستعيد مجده الضائع زيارتنا لولاية البليدة لم تكن كاملة لو لم نتوقف عند عنصر القردة التابع لبلدية شفة وهو الذي تعرض خلال سنة 1994 إلى عملية تخريب بعد أن تم حرق كل محتوياته الأمر الذي جعل القردة التي ألفت المكان تنزح إلى الغابات وأوشكت على الانقراض لولا شجاعة أحد المستثمرين الخواص من سكان البلدية الذي استعاد المشروع سنة 1999 ليستثمر أكثر من مليار سنتيم لترميم المطعم والفندق وإعادة الحياة لهذا المرفق السياحي الذي يعود تاريخ إنشائه إلى سنة 1914 حيث كان مكان التقاء المسافرين قبل أن يتحول إلى ثكنة عسكرية ثم مسكنا لأحد المعمرين الذي استهوته طبيعة المكان الذي تزاوجت فيه خضرة الغابات مع الصخور الصلبة لجبال الأطلس البليدي، وعن الدافع الأساسي لاهتمام المستثمر بالفندق يقول مندوبه أن عودة أعوان الأمن للمنطقة كان السبب المباشر قبل أن تنتعش التجارة مع بداية سنة 2000 وهو ما دفع بصاحب المشروع إلى تهيئة الفندق من خلال إنجاز مرشات وشلالات لاستغلال المياه المتدفقة من سفوح الجبال وهو ما استقطب الزوار والسواح طوال السنة خاصة في فصل الصيف والربيع. المجتمع المدني يقود الحملة التحسيسية للانتخابات وبخصوص التحضيرات للانتخابات التشريعية القادمة فقد أبدى الرأي العام عبر مختلف المحطات التي نزلنا بها اهتمامه بالموعد الحاسم، فتيات أو شباب أو حتى الكهول كلهم عازمون على المشاركة بقوة يوم التاسع أفريل القادم، ورغم قلة الإمكانيات من ناحية قاعات المحاضرات إلا أن السلطات المحلية قامت بمراجعة قوائم الهيئة الناخبة في ظروف عادية، في حين أخذت الجمعيات على عاتقها مهمة التحسيس وتنشيط الحملة الانتخابية، ويقول السيد بوعرعار أحمد رئيس بلدية واد جر "لقد هيأنا كل الظروف وننتظر المترشحين للرئاسيات لتنشيط حملاتهم الانتخابية وإقناع الهيئة الناخبة للبلدية للتصويت عليهم"، من جهته أشار رئيس بلدية عين رمانة أن جمعية ضحايا الإرهاب أخذت على عاتقها مهمة التنقل بين القرى والمداشر لتحسيس السكان بضرورة القيام بواجبهم الوطني من اجل اختيار الرجل المناسب، أما الشباب ممن تقربنا منهم فقد أبدوا استعدادهم لإثبات انتمائهم الوطني يوم التاسع افريل القادم.