أجمع مقاومون ورجال دفاع ذاتي، ضحايا ارهاب وتائبون أنه لا حل للمأساة الوطنية سوى سياسة المصالحة الوطنية التي غرست في الجزائريين ثقافة التسامح والتخلي عن الأحقاد الشخصية لتحقيق الأهداف العامة المتمثلة في تحقيق السلم والأمن للعيش في استقرار بعيدا عن الحزن، الدماء، والدموع التي عرفتها البلاد طوال عشرية كاملة. وفي هذا الروبورتاج الذي أجرته "المساء " بأعالي جبال سطيف وزارت من خلاله بعض المناطق النائية بجميلة، بوقاعة وحمام السخنة، يشيد السكان بدور المصالحة الوطنية في إعادة الأمن وتجسيد الإنجازات التنموية العظيمة التي ما كانت لتتحقق لولا الوئام المدني والمصالحة منذ سنة 1999 إلى غاية 2008. عالجت ولاية سطيف 293 ملفا في إطار ميثاق السلم والمصالحة الوطنية حيث وافقت اللجنة المكلفة بتطبيق تدابير المصالحة على 74 ملفا متعلقا بإعادة الإدماج وقبول تعويض 123 ملفا آخر يتعلق بكل أطراف المأساة الوطنية حسبما أكده السيد ساسي أحمد الأمين العام لولاية سطيف. " لا بد من مواصلة ثقافة التسامح وغرسها وتجذيرها في نفوس الجيل الصاعد، لأنه لا مخرج من دوامة الظلام والدماء غير حل المصالحة الوطنية الذي جاء به رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة"، إنها الجملة التي ترددت على لسان عشرات المقاومين أو ما يعرف عند العامة برجال الباتريوت الذين التقت بهم "المساء" في المناطق الريفية والقرى النائية التي كانت مسرحا للهجمات الإرهابية التي قتلت الأبرياء ودمرت الممتلكات بأعالي جبال سطيف وأدخلت المنطقة طوال عشرية من الزمن في دائرة الدموع والدماء وحرمت الأطفال من التعليم بسبب حرق المدارس وأبعدت المنطقة عن التنمية بسبب تدمير أعمدة الكهرباء وحرق المرافق الضرورية وحرمان السكان من أدنى شروط الحياة. غير أن السياسة الرشيدة لرئيس الجمهورية منذ اعتلائه سدة الحكم في سنة 1999 سمحت بمحو آثار الأزمة والمأساة الوطنية وأخرجت قرى ومداشر سطيف من دائرة التخلف والعزلة وألحقتها بركب التطور من خلال استفادتها من عدة مشاريع تنموية فكت عنها العزلة وكل هذا طبعا بفضل عودة الأمن والاستقرار للمنطقة التي عرفت صمود رجال أقوياء من الجيش الشعبي الوطني، الدرك الوطني، والمقاومين من أبناء الجزائر الأحرار الذين حملوا السلاح للدفاع عن بلادهم لحماية استقرارها مقتنعين بالتضحية بأنفسهم في سبيل وطنهم لينعم بالأمن، متشبعين بقيم الوطنية ومواصلين لرسالة أبائهم الشهداء والمجاهدين الذين وقفوا طوال مراحل التاريخ في وجه الاستعمار الغاشم 132 سنة من الاحتلال، فكيف لا يقبل هؤلاء الذين ينتمي أغلبيتهم لفئة المجاهدين الاستشهاد للحفاظ على الاستقلال الذي ضحى من أجله مليون ونصف مليون شهيد، دون أن ينتظروا أي مقابل مادي أو مكافأة من أي جهة لأنهم مقتنعون بإداء واجبهم تجاه وطنهم حسبما أكده السيد نجار يوسف قائد منطقة بوقاعة للمقاومين ورجال الدفاع الذاتي ل" المساء" في لقاء جمعنا به بمنطقة حمام قرقور والذي كان يتحدث إلينا بكل روح وطنية وقد شعرنا ونحن ننظر إلى عينيه وملامح وجهه وحركاته أنه فعلا من الأفذاذ المستعدين لفقدان كل شئ مهما كان ثمنه غاليا في سبيل أن تعيش الجزائر معززة مكرمة محررة من الأيادي الإجرامية. لا حل للأزمة دون ثقافة التسامح والمصالحة وأضاف محدثنا وغيره من المقاومين ممن كانوا رفقته أن سياسة المصالحة الوطنية هي البذرة الطيبة التي أنقذت البلاد من الضياع، إذا لابد من العناية بها والاستمرار حفاظا على الوطن بعيدا عن الحقد واللاتسامح باعتبار انه لا مخرج من الأزمة بدونها، "فلولا ميثاق السلم والمصالحة الوطنية لما انتهت الأزمة رغم قوة وصمود الجيش والأمن الوطنيين والمقاومين، لذا فلا مناص من ثقافة التسامح وتناسي الجروح"، يضيف محدثنا الذي شارك في عدة اشتباكات ضد جماعات إرهابية بجبال المنطقة والتي أسقطت ضحايا وقتلى من الطرفين، "ورغم ذلك وحتى تعم الفائدة العامة وتحقيقا للسلم للخروج من الأزمة قبلنا المصالحة الوطنية وأصبحنا اليوم نسير أمام من كانوا يقاتلوننا في تلك الفترة من التائبين الذين وضعوا السلاح استجابة لنداء المصالحة الوطنية والوئام المدني وصرنا ننظر إليهم نظرة عادية متناسين جروحنا لتستمر الحياة بعيدا عن الحقد والأنانية ولله المصير ..." 985 مقاوم و150 رجل دفاع ذاتي تصدوا للإرهاب شمال سطيف فمنطقة بوقاعة الواقعة بالجهة الشمالية لولاية سطيف فقدت 700 ضحية وشهيد قتلوا من طرف جماعات إرهابية كانت تنشط بالمنطقة التي تضررت كثيرا من الأعمال الإرهابية نظرا لكونها منطقة جبلية وغابية لا تبعد فيها الغابات الكثيفة بأشجارها عن القرية مما يسهل من تسلل وتخفي الجماعات المسلحة بها، غير أن عزيمة الرجال قللت من ذلك من خلال التواجد المستمر لقوات "السلاح الأخضر" والمقاومين علما أن المنطقة الشمالية لسطيف تحصي 985 مقاوم حمل السلاح لمحاربة الإرهاب بالجبال و 150 رجل دفاع ذاتي رفع السلاح لحماية منزله وحيه في حال الاعتداء عليه من قبل الإرهاب. وفي حديثهم معنا أجمع المقاومون على أن الأوضاع الأمنية بالمنطقة عرفت تحسنا كبيرا ليعم فيما بعد الأمن وتسود الطمأنينة نفوس السكان الذين أصيبوا من قبل بصدمات نفسية جراء عمليات التقتيل الجماعي التي استهدفتهم في التسعينيات، وقد أطفئت الآن نار الفتنة بين التائبين والسكان من ضحايا الإرهاب، والمقاومين، وعناصر الأمن، حيث أصبح السكان يتنقلون من قرية إلى أخرى بكل أمان وحتى في ساعات متأخرة من الليل بعد أن انتهت سنوات الجحيم وليالي الظلام الدامس والصباح المعكر بلون الدماء والأعين الذابلة من غزارة الدموع عند التوجه للمقابر للدفن، وعويل العائلات وحزنها الشديد على فقدان الأعزاء وفلذات الأكباد. وهو ما عبر عنه سكان المنطقة الذين كانوا يستيقظون في الصباح الباكر لجمع جثث أقاربهم وأبنائهم التي كانت محطة نقل المسافرين مكانا اختارته الجماعات الإرهابية لرميها بعد ذبحها لزرع الخوف والرعب في نفوس المواطنين الذين يخرجون صباحا للالتحاق بأماكن عملهم في المؤسسات العمومية بالمناطق المجاورة. وأكد محدثونا ممن عايشوا سنوات الجمر والنار أنهم جمعوا أكثر من ستة رؤوس من الضحايا الذين نكل الإرهاب بجثثهم منها رأسان لشرطي وابنه ذبحا وشوه وجهاهما بطريقة جد بشعة. سكان عين روى ينعمون بالأمان يقول السيد حسن بوجادي قائد فرقة المقاومين بقرية عين روى ممن حملوا السلاح في سنة 1995 " أنه لم يكن الخروج من البيت ممكنا بعد الساعة السادسة مساء بسبب الخوف ولم يكن السكان قادرين على مغادرة قراهم بعد هذه الساعة حتى في الحالات الاستعجالية بحيث لا يتجرأون على الخروج حتى لنقل المرضى إلى المستشفيات في الليل بسبب تدهور الوضع، لكن الآن والحمد لله عشنا تغيرا جذريا وعادت المياه إلى مجاريها ولم نكن نتوقع أو نحلم في يوم من الأيام بعودة الأمن والاستقرار بعد كل تلك المعاناة التي عشناها". وذكر محدثنا المقاوم أنه فقد أخاه الذي قتل من طرف جماعة إرهابية أرادت الانتقام من العائلة التي تضم ثلاثة أبناء مقاومين انتقاما منها لأنهم لم يتمكنوا من قتل إخوته المقاومين. وفي حديثه عن أهم العمليات التي نفذتها فرقته توقف السيد بوجادي عند تلك العملية التي مكنت المقاومين من غنم ذخيرة لا بأس بها من الأسلحة بعد محاصرتهم ل 12 خيمة نصبتها جماعات إرهابية بغابة عين روى، وهؤلاء الذين توصلوا إلى تفكيك الشبكة بناء على معلومات تلقتها فرقة المقاومين من أطفال كانوا يجمعون البلوط بالجبل لما أقترب منهم أربعة رجال بلباس أفغاني ولحى كثيفة يشتبه بأنهم ارهابيون حيث طلبوا منهم معلومات عن المقاومين، فبمجرد إخبار الأطفال أولياءهم بما وقع تم الاتصال بفرقة الدفاع الذاتي التي شنت عملية مداهمة بالجبل رفقة الدرك الوطني والحرس البلدي وحاصرت هذه الجماعة لما كانت تحضر القهوة في خيامها في حدود الساعة الرابعة زوالا غير أنها لاذت بالفرار وأسفرت هذه العملية عن سقوط ضحايا من الطرفين منهم دركي وعون من الحرس البلدي. عائلات تعود للأرياف التي هجرتها في التسعينيات وسمح تحسن الوضع الأمني في العشر سنوات الأخيرة بعودة العديد من العائلات التي هاجرت الأرياف بالعودة إليها خاصة بعد تطبيق تدابير السلم والمصالحة الوطنية وتحقيق التنمية من خلال بناء السكنات الريفية وإدخال الكهرباء والغاز حيث عادت العديد من العائلات التي هربت من نار الإرهاب إلى قراها مثل كرجانة، أولاد سيدي خليفة، حمام قرقور التي ذبحت بها جماعة إرهابية ستة أشخاص كانوا يقومون بعملية جمع الزيتون في مزارعهم ... ورغم صعوبة التضاريس وكثافة الأشجار والطابع الغابي للمنطقة التي كانت تأوي كازمات الارهابيين فإن المقاومين أنقذوا عدة أرواح وتمكنوا من حماية العديد من مؤسسات الدولة التي كانت عرضة للأعمال التخريبية للجماعات الإرهابية مثلما وقع ببعض القرى كمغراوة التي تعرضت لحرق مدرسة ابتدائية، وإتلاف شركة للمياه، وتخريب أعمدة الكهرباء حسبما ذكره لنا الرئيس السابق لبلدية حمام قرقور بعد اختطاف رئيس البلدية الذي سبقه رفقة سائقه ولم يعثر عليهما إلا بعد تخلي بعض التائبين عن العمل الإرهابي حيث اعترفوا أنهم قتلوهما ودلوا مصالح الأمن عن المكان الذي دفنا به. مقاوم نجا بعد11 يوما غيبوبة بسبب هجوم إرهابي وتقاربت الشهادات التي رواها سكان المنطقة ممن عايشوا الحدث حيث أجمعوا على عودة الأمن إثر استئصال الإرهاب بالمنطقة بعد المصالحة وهو ما قاله لنا مقاوم آخر نجا بأعجوبة من الموت بعد إصابته بطلقات نارية في اشتباك مع جماعة إرهابية أدخلته قاعة الإنعاش في غيبوبة دامت 11 يوما لما كان رفقة أخ له مجاهد ومقاوم في الستينيات من عمره توفي في الاشتباك بجبل لعنيني بعد تلقيه طلقات رصاص على يد أمير تائب من منطقة حربيل استفاد من تدابير المصالحة الوطنية بعد أن قضى فترة ثلاث سنوات بالسجن عوض 35 سنة بعد أن استفاد من المصالحة الوطنية وأعيد إدماجه في منصب عمله كونه متحصلا على شهادة مهندس. ومن أبرز الاشتباكات التي بقيت راسخة في أذهان المقاومين وأثرت كثيرا على نفوسهم ذلك الذي وقع بمنطقة بوقاعة وخلف سبعة ضحايا من أفراد الجيش والمقاومين نفذوا هجوما على كازمات الجماعات الإرهابية بغابات المنطقة. كما عرفت المنطقة اختطاف خمسة شباب من الجيش تم العثور على رأس أحدهم بعد ذبحه بمنطقة رأس الفيض فيما لم يظهر أي أثر للبقية كما قامت الجماعات الإهابية في إحدى سهرات رمضان بذبح ثلاثة مصلين بعد خروجهم من صلاة التراويح على بعد 300 متر فقط من المسجد، غير أن هذه المجازر زادت من قوة سكان المنطقة وعزمهم على محاربة الإرهاب إلى غاية تطهير المنطقة التي أصبحت اليوم تنعم بعودة الأمن وهو ما لا حظناه عند تنقلنا إلى هذه الجبال بكل اطمئنان والتي لم يكن من الممكن التوغل فيها في العشرية السوداء خاصة منطقة دوالم، ثنية العود، مغراوة، وبني وسين التي تعد من المناطق الأكثر تضررا من أعمال الإرهاب. وبفضل عودة الأمن يمكن اليوم بكل سهولة للفقهاء ورجال الدين زيارة زاوية سيدي أحسن الواقعة ببلدية عين روى بعدما ظلت مشلولة ومهجورة خلال التسعينيات بعد تعرضها للتدمير والسرقة من طرف ثلاثة ارهابيين نهبوا كل ما وجدوه بها، ليلقوا حتفهم بقدرة قادر بعد ثلاثة أيام من ارتكابهم الفعل بنفس المكان المقدس على يد مقاومين حسبما رواه لنا شيخ الزاوية أحمد الجرموني الذي أثنى على سياسة المصالحة الوطنية ودور رئيس الجمهورية في إعادة مكانة الزوايا لتعليم القرآن للأجيال الصاعدة وإحياء قيم الدين الإسلامي. تحسن الأوضاع يستقطب السياح بجميلة وجهتنا الأخرى في هذا الاستطلاع كانت مدينة جميلة التي عبر لنا سكانها عن ارتياحهم الكبير بعد مجئ قانون المصالحة الوطنية الذي وضع حدا لسيل الدماء. فقد ذكر السيد العيادي احد المقاومين أن جميلة عانت من أعمال الإرهاب مما دفع سكان المنطقة إلى حمل السلاح للتصدي للهجمات الإرهابية حيث بلغ عدد المقاومين 24 عنصرا. ومن أهم الاشتباكات وأعنفها التي لا يزال محدثنا يذكرها تلك التي وقعت في سنة 1995 السنة الأكثر عنفا بالمنطقة، منها اشتباكان مع جماعات إرهابية سقط فيها قتيلان أحدهما من الحرس البلدي وآخر دركي كان بداخل مطعم. بالإضافة إلى عملية إرهابية أخرى استهدفت ثلاثة دركيين قتلوا وأحرقت جثثهم ثم ألقي بها على حافة الطريق لتخويف السكان الذين رفضوا دعم الجماعات الإرهابية ووقفوا إلى جانب الدولة لمحاربة من يحاول التشويش على أمن الجزائر. وأصبح سكان جميلة اليوم يعيشون حياة عادية بفضل عودة الأمن الذي طالما حلموا به وذلك بعد المصالحة الوطنية التي شجعت ودفعت الارهابيين إلى وضع السلاح، حيث أكد العديد من الشباب الذين التقيناهم أن العشرية السوداء جعلتهم يعيشون في فقر مدقع بسبب تدهور الوضع الأمني الذي لم يكن يسمح لهم بالتنقل إلى البلديات المجاورة للعمل مما أدى إلى استفحال البطالة باعتبار أن معظم شباب جميلة يشتغلون بالعلمة وبالتالي لم يكونوا قادرين وقتها على التنقل في الصباح المبكر للعمل والعودة في الليل خوفا من الحواجز المزيفية التي كانت تنصبها الجماعات الإرهابية وتقتل كل من تجده بالحافلات. ولم يعد أحد بمنطقة جميلة حسب احد المقاومين يرغب اليوم في تذكر حادثة اغتيال 12 ضحية من طرف الجماعات الإرهابية، في الوقت الذي يشيدون فيه بالجهود المبذولة لاسترجاع الأمن وإنجاح المصالحة خاصة مع إعلان 16 إرهابيا العدول عن العمل الإجرامي والانضواء تحت لواء السلم في كنف المجتمع. وفي المقابل تمكنت عناصر الأمن من القضاء على 5 إرهابيين حاولوا نشر الرعب بمنطقة جميلة، وبني عزيز، وبني فودة خلال العشرية السوداء. وهو ما يؤكد عودة الأمن بعد إخلاء الجبال من العناصر الإرهابية. تائب يخترع أدوية طبيعية ويدمج في عمله بالقطاع العمومي وخلال اللقاء الذي جمعنا ببعض سكان المنطقة من مقاومين، ضحايا الإرهاب، والتائبين تمكنا من الحديث إلى أحد التائبين الذي استفاد من تدابير المصالحة الوطنية بعد أن قضى فترة سبع سنوات بجبال جميلة حيث كان ينشط ضمن جماعة الجيش الإسلامي للإنقاذ "أ أي أس" التي التحق بها بعد خروجه من السجن الذي قضى فيه فترة ستة أشهر، حيث كلف بالعلاج بالجبل كممرض كونه كان يشتغل صيدليا بالقطاع العمومي ويتقن صناعة بعض الأدوية باستعمال الأعشاب التي تعوض الدواء، وهو ما أكده لنا عندما احضر معه محلولا مصنوعا من قشرة القمح قال أنه يستعمل لعلاج بعض الأمراض الهضمية والمعدية جربه لما كان في الجبل وأثبت فعاليته. ورغم عدوله عن العمل الإجرامي وإيمانه بفكرة المصالحة الوطنية فان هذا التائب لم يكن يتوقع قط أنه سيحظى بالمكانة التي هو عليها اليوم وإعادة إدماجه في منصب عمله بالقطاع العمومي، وتمتعه بالعيش في حياة عادية واندماجه في المجتمع من جديد دون مضايقات في الوقت الذي كان يتوقع فيه أن عودته إلى أهله ستجعله حديث العام والخاص غير أن الواقع كان عكس ذلك حيث وجد سهولة في الاندماج ضمن المجتمع في حياة جديدة، وفي هذا السياق دعا محدثنا كل المغرر بهم للاستجابة لنداء التوبة وتسليم أنفسهم للاستفادة من المصالحة التي سمحت له برؤية النور من جديد بعد ازديان فراشه بثلاثة أطفال منذ تسليم نفسه آخرهم ولد هذه الأيام، علما أن محدثنا كان له ولدان قبل أن يلتحق بالجبل. وسمح تحسن الوضع الأمني بمدينة جميلة الأثرية التي تحصي تراثا تاريخيا يعود للعهد الروماني يضم أروع التماثيل لملوك وزعماء تلك الحقبة بعودة السياح من داخل وخارج الوطن لزيارة الموقع الأثري بعدما ظل خاليا من الزوار خلال العشرية السوداء بسبب الأعمال الإرهابية التي استهدفت المنطقة. المصالحة سمحت بإنعاش التجارة بالعلمة وتقاربت روايات مقاومي ولاية سطيف من منطقة إلى أخرى فمنطقة العلمة التي عرفت هي الأخرى عدة أعمال إرهابية كانت الحركة الاقتصادية مشلولة بها آنذاك بعد أن فقدت المنطقة عددا كبيرا من أبنائها مما حفز العديد من المواطنين على حمل السلاح للوقوف في وجه أعداء الجزائر حيث تم تسليم 7 آلاف بندقية لمقاومين كان لهم الفضل في استتباب الأمن والقضاء على الإرهاب بالمنطقة مما سمح بتحسن الوضع الأمني واستئناف الحياة وإعادة إنعاش الحركة الاقتصادية والتجارية التي عرفت ركودا خلال العشرية السوداء كما تعرض العديد من التجار خلال سنوات الدم والدمار لمضايقات وضغوطات من ارهابيين طلبوا منهم الدعم المالي بالإضافة إلى تعرض ممتلكاتهم ومحلاتهم للتخريب، والآن أصبحت العلمة قطبا تجاريا وممولا رئيسيا لكل أسواق الوطن. مسح ديون 13 فلاحا وعودة النشاط بالأرياف وبفضل تحسن الأوضاع الأمنية تمكن فلاحو حمام السخنة من العودة إلى مزارعهم ومواصلة نشاطهم الفلاحي الذي يبقى مصدر رزقهم الوحيد الذي حرموا منه خلال العشرية الدامية بسبب عدم تمكنهم من الصعود للجبال لمزاولة نشاطهم ، كما أن العديد من الفلاحين تكبدوا خسائر مادية من طرف جماعات إرهابية مما أضعف نشاطهم، ولم يتمكنوا من إعادة إنعاش فلاحتهم بسبب تلك الخسائر وتراكم ديونهم بعد حصولهم على قروض بنكية لتمويل مشاريعهم التي لم يحصدوا منها ثمارا بسبب تلك الخسائر، وفي هذا السياق رحب بعض الفلاحين ممن التقيناهم بقرار رئيس الجمهورية الأخير القاضي بمسح ديون الفلاحين وإعفائهم عن تعويضها. ففي بلدية حمام السخنة استفاد 13 فلاحا من هذا القرار حسبما أكده ممثل الفلاحين لنا مشيرا إلى أن ذلك فرصة لهم لإعادة بعث مشاريعهم وإنعاش زراعتهم بعدما ظلوا يفكرون في كيفية تسديد هذه الديون بعد الخسائر التي تكبدوها. عودة الأمن جسدت مشاريع تنموية لم تكن متوقعة وتبقى سياسة المصالحة الوطنية العنصر الرئيسي الذي سمح ببعث السلم وتحقيق الأمن وتجسيد التنمية المستدامة بولاية عين الفوارة التي عانت من ويلات الإرهاب الذي وجد ضالته بالمنطقة بحكم طابعها الغابي الذي سهل على الجماعات الإرهابية الاختفاء بعيدا عن ملاحقات ومطاردة عناصر الأمن، باعتبار أن الأوضاع المأسوية التي عانت منها المنطقة لم تكن تسمح آنذاك بانجاز مشاريع تنموية حيث كانت كل الجهود مركزة على محاربة الإرهاب وتحقيق الأمن وهو ما تحقق فعلا ومكن من انجاز مشاريع تنموية عصرية سبق وأن تطرقت إليها "المساء" بحر الأسبوع الماضي في الحوار الذي جمعها بوالي سطيف السيد نور الدين بدوي الذي تحدث عن مختلف الانجازات التي استفادت منها المنطقة منذ سنة 1999 والى غاية سنة 2008 ، ولم يكن أحد من سكان المنطقة خاصة النائية منها يتوقع في يوم من الأيام أن تتجسد منها انجاز مدارس، وإيصال الكهرباء والغاز الطبيعي وحتى مقاهي الأنترنيت للقرى والمداشر الجبلية البعيدة التي عانت من العزلة لربط شبابها وطلابها وسكانها بوسائل العصر الحديثة. مبعوثة المساء إلى ولاية سطيف: زولا سومر