تستخدم التنظيمات الإجرامية تقنيات علمية وتكنولوجية حديثة جعلت تأثيراتها تتعدى المجال الاقتصادي نحو المجال السياسي، مما خول لها تهديد الأمن العالمي، خاصة بعد أن تحالفت مع الجماعات الإرهابية للحفاظ على مصالحها وضمان بقائها.. ومن هذا المنطلق يمكن القول بأن تبني العالم لسياسة العمل الجماعي لمكافحة جرائم الإرهاب التي تشكل أكبر المشاكل التي تواجه المجتمع الدولي في الوقت الراهن، يعد في حد ذاته اعترافا ضمنيا بأن ما عاشته الجزائر في سنوات الجمر ليس حالة شاذة، وإنما إجراما كلُّ دول العالم ليست بمنأى عنه. فالجزائر التي داهمها خطر الإرهاب، لاسيما في فترة التسعينيات التي عرف إثرها الإجرام الدموي تطورا كبيرا، واجهت المأساة بمفردها واستطاعت بفضل صمود أبنائها أن تطفئ لهيب الفتنة وتكتسب خبرات وطنية، أصبح المجتمع الدولي اليوم بأمس الحاجة إلى الاستفادة منها، بعد أن تيقن بأن الأمر يتعلق بظاهرة عالمية وجدت المجال مفسوحا في زمن العولمة والتفتح الإقتصادي، وليس بعنف استثنائي تولد في الجزائر. ولعل اعتراف رئيس الوفد الذي مثل ديوان الأممالمتحدة لمكافحة المخدرات والإجرام مؤخرا خلال ورشة نظمتها وزارة العدل حول الجريمة المنظمة بأن استراتيجية الجزائر في مكافحة الإرهاب جد مهمة، دليل قاطع على أن الجزائر التي تصدت بالأمس لشبكات الإرهاب دون أية مساندة خارجية، صارت اليوم مدرسة تلقن العالم تقنيات مواجهة جرائم الإرهاب وكيفية تجفيف منابعها وكذا مصادر تمويلها، خاصة وأنها لم تتخلف عن البحث عن وسائل قانونية جديدة لشل نشاطات جماعات الإجرام المنظم من خلال تدعيم التكوين التخصصي للقضاة بالخارج منذ سنة2002، وهي الدورات التكوينية التي تستغلها الدول الأجنبية في استخلاص دروس محاربة الإرهاب العالمي من عصارة خبرة وكفاءة قضاة الجزائر! لا شك في أن آليات التعاون الدولي في إطار مكافحة ظاهرة الإرهاب والتي دفعت المجتمع الدولي إلى تطويق الجزائر بسياسة العزلة في فترة العشرية الحمراء مغبة حتى لا تكون مصدرا لتصدير العنف إلى الخارج، تمثل شهادة صارخة على أن العالم الذي لم يتحرك لمواجهة العنف الدموي إلا بعد أن اجتاحته موجاته قياسا على المثل الشعبي القائل: "ما يحس بالجمرة غير اللي كواتو"، أضحى يرى في الجزائر مصدرا لاستيراد الاستقرار بعدما أدرك متأخرا أن الجزائر لا تشكل استثناء.