عبد الهادي بلغيث مؤطر دورات تكوينية في كتابة السيناريو، نشط في السنة الماضية أكثر من دورة، آخرها خاصة بكتابة سيناريو الأفلام القصيرة، من تنظيم دار الثقافة والفنون "الطاهر وطار" بولاية سوق أهراس، عبر تطبيقي "زووم" و"مسنجر".. "المساء" اتصلت بعبد الهادي بلغيث، وطرحت عليه أسئلة عن الورشات التكوينية التي ينظمها، والمتعلقة بكتابة السيناريو، فكان هذا الحوار. ❊ ممكن التعريف بشخصك؟ ❊❊ بلغيث عبد الهادي من مواليد 8 سبتمبر 1998 ببلدية حاسي الرمل ولاية الأغواط. انتمائي وأصالتي ومسقط رأس أجدادي يعود إلى ولاية تبسة بلاد التاريخ والحضارة. تقني سام في الإعلام الآلي تخصص شبكات معلوماتية. عضو مؤسس في جمعية "الإبداع" للسمعي ، ومنخرط في المنظمة الجزائرية لكتّاب السيناريو. كاتب سيناريو، ومؤطر في كتابة السيناريو السينمائي. ❊ متى بدأت تنظيم ورشات كتابة السيناريو؟ ❊❊ بدأت بالتفكير والتخطيط لورشات كتابة السيناريو سنة 2019، وكانت الانطلاقة الفعلية في الدورات التكوينية لكتابة السيناريو سنة 2020 مع جمعيات ثقافية، من بينها "هيكتوبيديا فيلم" بولاية تبسة، وجيل أهراس" الثقافية بولاية سوق أهراس، وجمعية "النشاطات الثقافية والعلمية للطفولة والشباب" لولاية تيبازة، ومع العديد من مديريات الثقافة والفنون، أبرزهم بأم البواقي، والأغواط، وأدرار وكذا سوق أهراس. ❊ ما هي الشروط الواجب توفرها في مؤطر ورشات كتابة السيناريو؟ ❊❊ الشروط الواجب توفرها في مؤطر ورشات كتابة السيناريو، أن يكون "سيناريست جيدا"، وهو الملم بجميع الأدوات والقواعد في كتابة السيناريو؛ كي يستطيع كتابة نص قوي يجذب به المتلقي؛ فالنص الجيد هو الذي يحتوي على قصة جذابة مقنعة، ومليئة بالأحداث والأفكار القوية، ومطعَّمة بحوار مؤثر. كما أن هناك ركائز يجب أن تتوفر في كل كاتب سيناريو، من بينها كثرة المطالعة اليومية لتعبئة الرصيد المعرفي والثقافي، وكي تساعد في تسهيل وتسليس الكتابة وسرد الأحداث بطريقة صحيحة وقوية. وبالنسبة لي، الكتابة اليومية هي روتين، أكتب يوميا، وأحيانا أكتب عشرين مشهدا في اليوم، وأرميها في سلة المهملات، ثم أعيد الكتابة من جديد؛ لأنك إن فقدت عنصر الكتابة لن تستطيع تحريك قلمك وتشغيل ذهنك، إضافة إلى مشاهدة الأفلام والمسلسلات العالمية، التي تساعدك في التطوير واكتساب مهارات في كتابة السيناريو والحوار المؤثر، وتمكنك من اكتشاف أسرار وخبايا أي عمل فني؛ لأن صناعة هذه الأعمال تعتمد على قوة السيناريو والبناء الدرامي القوي وحبكة الأحداث، وعلى ما تحتويه هذه الأعمال الفنية من تقنيات عالية في التصوير والإخراج. ❊ ماذا عن الشروط الواجب توفرها في المشاركين في مثل هذه الورشات؟ ❊❊ لا توجد شروط محددة أو خاصة يجب أن تتوفر في المشاركين، لكن من أبرز العوامل التي يجب أن تتوفر لديهم في ورشات كتابة السيناريو، الموهبة وروح الكتابة والإبداع. كما أن الدورات التكوينية في كتابة السيناريو التي أطرتُها وأشرفت عليها، كانت تجارب رائعة، استفدت منها كثيرا، واكتشفت فيها مبدعين يمتلكون موهبة الكتابة، ولديهم شغف، ويتملكهم روح الإبداع؛ فمن خلال هذه الورشات أهتم باكتشاف المواهب الشبابية كي أعمل على تطويرها. وبصراحة هناك دائما من يترصد بالوجوه الجديدة ويعمل على تحطيمها قبل بروزها؛ وكأنه ثعبان كامن يترصد هؤلاء الطموحين، ويلدغهم ويطفئ جمر طموحهم، ويمنعهم حتى من الكتابة، كما قال نزار قباني: "كيف نكتب والأغلال في فمنا، وكل ثانية يأتيك سفّاح؟!"، وعليه فقد حملتُ على عاتقي أمانة ومسؤولية تجاه هؤلاء الشباب الذين وضعوا ثقتهم فيّ؛ لذلك كان لا بد من اقتحام الساحة الفنية ودعم كل من يستحق. ❊ ما رأيك في إنشاء المنظمة الجزائرية لكتّاب السيناريو؟ ❊❊ بما أنني في ميدان كتابة السيناريو أقول إن المنظمة الجزائرية لكتّاب السيناريو التي أسستها المبدعة والمتألقة كاتبة السيناريو حورية خدير رفقة محترفين وخبراء في كتابة السيناريو والتي تفتح أبوابها أمام جميع المبدعين في مجال كتابة السيناريو، تمثل مشروعا ثقافيا وفنيا سينهض بالسينما والمسرح؛ لأن الأساس في صناعة الأفلام هو السيناريو، وكثيرا ما نسمع في الساحة الفنية أن هناك "أزمة سيناريو"، لكن لا توجد أزمة سيناريو أو أزمة كتّاب سيناريو بهذا الشكل المتفاقم؛ فسبب الأزمة الفنية الذي أدى إلى غياب كتّاب سيناريو هو ضعف الإنتاج الفني، وقلة الإمكانيات اللازمة لإنجاح أي عمل فني، وهذا لعزوف بعض كتّاب السيناريو عن الكتابة، واعتراضهم على تقديم أي عمل درامي. وغيابُهم عن الساحة الفنية ترك لنا فراغا كبيرا لا يمكن سده. فالسيناريو هو السبيل الوحيد لإنعاش السينما والمسرح وحتى التلفزيون. وفي مجال صناعة الأفلام والمسلسلات في الجزائر، أصبح المخرج سيناريست أيضا، وهذا لندرة كتّاب السيناريو المحترفين، الذين مورست عليهم ضغوط كثيرة، سلبتهم متعة الكتابة، وأحيانا توكل هذه المهمة لمديري تصوير، أو حتى واضعي الماكياج ومصفّفي الشعر والممثلين؛ لأن هناك زعزعة وهشاشة في قطاع صناعة الأعمال الدرامية بسبب طغيان بعض المنتجين المتحكمين في منابع التمويل.. حقا نعاني حاليا من مرارة تهميش دور كاتب السيناريو، وهذا أمر خطير، يجب إيجاد حل له في أقرب وقت، لهذا أقترح إنشاء مدارس ومعاهد مختصة في كتابة السيناريو والفنون السينمائية، وحتى المسرحية، وتكثيف ورشات ودورات كتابة السيناريو، لإنعاش الساحة الثقافية الفنية من جديد. ❊ أسستم، في الفترة الأخيرة، نادي "الأوركيد الثقافي"، ممكن معلومات عنه؟ ❊❊ نادي "الأوركيد الثقافي" ثقافيٌّ فنيٌّ، يهتم بتعليم كتابة السيناريو والأفلام القصيرة والسينما بصفة عامة. وقد تم تخصيص أربع ورشات تفاعلية تابعة للنادي، هي ورشة كتابة السيناريو، وورشة الإبداع الأدبي، ورشة ستوري بورد، وورشة الفنون السينمائية. وسيكون هذا النادي في دار الثقافة والفنون "التخي عبد الله بن كريو" بولاية الأغواط، تحت إشراف قطاع الثقافة والفنون. ومن أهدافه العمل على اكتشاف المواهب، والقيام بدورات تدريبية لتطوير المهارات الفنية والمعارف عند الشباب، وتوجيه الطاقات وتطويرها، وخلق تبادل ثقافي فني وفكري في هذا المجال مع خبراء يتقاسمون معنا نفس الأفكار والتطلعات؛ سواء داخل الوطن أو خارجه، وتنظيم مسابقات، وإعداد دورات تكوينية في شتى المجالات الثقافية والفنية، لإتاحة فرصة للشباب، للمشاركة وتبادل الخبرات والأفكار الخلاقة، وتنظيم وتأطير لقاءات ومنتديات. كما أن كل ورشة تعمل على اكتشاف المواهب والمبدعين، وصقل موهبتهم وتنميتها. ❊ هل سبق لك أن كتبت سيناريو؟ ❊❊ هناك أعمال درامية أنوي تقديمها للجمهور، منها أفلام قصيرة ومسلسلات درامية وكوميدية سترى النور قريبا إن شاء الله.. أنا في استراحة محارب؛ كي أقدم أعمالا فنية تليق بهذا الجمهور. كما أنني بصدد البحث عن شركات إنتاج تهتم بمضمون النص وتراعيه وتقدمه في أبهى حلة؛ لأن أعظم المشاكل التي تعرقل مسار أي عمل فني هي شركات الإنتاج، التي لا تمتلك ميزانيات كافية لإنجاح العمل الفني. ❊ هل أنت مع اقتباس الأعمال الأدبية الجزائرية؟ ❊❊ أصبح الاقتباس عند صناعة الأعمال الفنية، أمرا شائعا ومتفشيا أيضا في جميع المجالات الإبداعية؛ من موسيقى وشعر وأدب ومسرح وسينما ورسم وغيرها من الفنون، وهنا نجد آراء مختلفة حول طبيعة الاقتباس، ومعاييره، وضرورة الإفصاح، وعدم الإفصاح عنه. وفي هذا السياق، يوجد فرق بين الاقتباس والسرقة العلنية؛ إذ إن هناك أعمالا فنية اقتُبست بشكل فاضح، تجاوزت مسألة الاستلهام والاقتباس. ولاريب في أن هذا الأخير لا يمكن أن يُعد سرقة بالتأكيد إذا تم الإفصاح عنه من قبل السيناريست. كما بالكاد أنتجت الجزائر كوكبة من الأعمال التلفزيونية والسينمائية التي تنحصر بين دفتي ميزان. وقد بات إدراك، بكل بساطة، عدم مبالاة الجزائر بإنتاج الدراما بالأدب وعالم الرواية منذ أن اقتحم التلفزيون الجزائري تجربة إنتاجية فريدة من نوعها عام 1974 بمسلسل "الحريق" المقتبس من روايتي "الحريق" و«الدار الكبيرة" للكاتب محمد ديب وإخراج المبدع مصطفى بديع. وقد اطلعت على بعض تصريحات المخرج محمد حازورلي، حين أكد أن عدد الأعمال الفنية سواء في السينما أو الدراما التي أدرجت بين طياتها نصوصا أدبية، تبقى قليلة. كما أشار المخرج إلى أن جل الأعمال التي حققت شهرة عالمية، مصادرها الأدب. وفي هذا الصدد، لا بد أن نقر بالصراعات الموجودة بين الكاتب الروائي من جهة، وكاتب السيناريو من ناحية أخرى، والتي تندرج ضمن إمكانية تقليص الأحداث في الفصول الروائية والتعديل عليها دراميا؛ من أجل إعادة صياغتها في شكل سيناريو، علما أن هناك ما يسمى بالضرورة الدرامية، التي قد تساهم في عدم ذكر بعض الأحداث الموجودة في الرواية الأصلية. كما لا يخفى على أحد، أن مدة الفيلم قصيرة، أكثرها ساعتان، ولهذا من المستحيل الإلمام بجميع فصول الرواية؛ إذ لا بد من مراعاة المساحة الزمنية للعمل الفني. وكما آنفت الذكر سابقا، فإن هذه النماذج الأدبية المقتبَسة تبقى ضئيلة، منها "العصا والأفيون"، و"الربوة المنسية" لمولود معمري، و"ريح الجنوب" لبن هدوقة، و"سنين الجمر" للخضر حمينة، و"السيناريو" لرشيد بوجدرة. وأنا لست ضد هذه المبادرة، بل أشجعها؛ فهناك أعمال أدبية جزائرية لكتّاب شباب، تستحق أن تجسَّد كأفلام سينمائية ومسلسلات درامية ومسرحيات.