عاشت أول أمس "المدينة الحمراء" الساحرة بتيميمون أجواء احتفالية حالمة بمناسبة اختتام فعاليات الموسم السياحي الصحراوي، امتزجت فيها الأهازيج والرقصات الفلكلورية لفرق القرقابو بالبارود ودموع أزيد من 200 سائح فرنسي يمثلون آخر دفعة ضمن برنامج خاص لمؤسسة "نقطة إفريقيا" التي فضلت أن تجعل من الوجهة السياحية للصحراء الجزائرية منتوجها المفضل لتسويقه وسط الفرنسيين ومن ثم الألمان والسويسريين بالنسبة للموسم السياحي القادم. وقد أشرف وزير البيئة وتهيئة الإقليم والسياحة السيد شريف رحماني على اختتام الموسم السياحي الصحراوي ل 2009/2008 والذي كان قد أعطى إشارة انطلاقه بتمنراست قبل نحو ستة أشهر حيث شهد الموسم إقبالا كبيرا للسياح الأجانب خاصة مع فتح وجهات سياحية جديدة كتيميمون وغرداية وربطها بخطوط جوية في انتظار فتح الوجهات السياحية لبشار وبسكرة خلال الموسم السياحي المقبل، وقد حرص الوزير شخصيا على توديع السياح الذين خصهم بعرس تقليدي ووجبة دسمة من الكسكسى والمشوي. وحيا رحماني الذي نزل ضيف شرف على اختتام الجمعية العامة لمجلس إدارة المؤسسة السياحية والاستكشافية الفرنسية "نقطة إفريقيا" التعاون الكبير للقائمين على هذه المؤسسة ممن آمنوا بالوجهة السياحية الجزائرية ووثقوا بالتغير الكبير الحاصل بالجزائر لا سيما التحسن الواضح على الصعيد الأمني والذي سيتكفلون بتصحيح صورته لدى الأوربيين باعتبارهم أحسن سفير للتعريف بالسياحة الصحراوية بحسب تأكيد السيد رحماني الذي لم ينف في مداخلته المقتضبة أمام السياح النقائص التي يعيشها القطاع السياحي بالجزائر خاصة الصحراوي منه على أساس أن الاستثمار فيه مكلف وعائداته لا تحصل إلا على المدى البعيد رافضا إعطاء أرقام عن عدد السياح. مشيرا إلى الأهمية الحالية والمنصبة على إعادة بعث وجهة السياحة الجزائرية وفقط. وأشار الوزير إلى عمليات التأهيل التي ستمس تسعة فنادق بالجنوب الكبير منها فندق غرارة بتميمون وفندق تاهات بتمنراست حيث تم فتح المناقصات وسيتم قريبا تعيين مكتب الدراسات الذي سيحدد التهيئة اللازمة للفنادق وفق المقاييس العالمية بالإضافة إلى إنشاء مؤسسات فندقية أخرى تستجيب للوجهة والمطلب الملح للسياح الذين لم يخفوا تذمرهم من حالة الفنادق. لم يمسك العديد من السياح دموعهم لدى توديعهم لآخر يوم لهم بالصحراء التي أقسموا أن يعودوا إليها ولو راجلين ، كما اختلفت وتنوعت آراء السياح الفرنسيين الذين جابوا أهم الأماكن السياحية التي تزخر بها الصحراء الجزائرية والتي أبهرت كل من زارها فمن تيميمون المدينة الحمراء إلى لؤلؤة الصحراء جانت وإلى غرداية ثم تامنراست تشابهت الأماكن والمسالك واختلفت العادات والتقاليد لكن الأهم من هذا كله هو كرم الصحراويين الذين لم يتوقعوه والذي اعتبروه أجمل تذكار وهو الذي لم يجدوه في أي مكان في العالم حتى عند جيراننا. وقد أثمرت الشراكة الميدانية بين وزارة البيئة والسياحة ومؤسسة "نقطة إفريقيا" الفرنسية نتائج إيجابية عادت بالفائدة على سكان الصحراء والسياح الأجانب الذين اكتشفوا لأول مرة الصحراء الجزائرية التي تختلف كثيرا عن نظيراتها بإفريقيا والعالم، وتكمن الخصوصية في طبيعة السكان وكرمهم، علما أن هذا الموسم السياحي شهد توافدا للسياح بنسبة تفوق الخمسين بالمائة علما أن منطقة الهقار والتا سلي لوحدها سجلت أزيد من 8000 سائح الموسم الماضي . "نقطة إفريقيا" تكسر حاجز الخوف لدى الأوربيين منذ سنة 2000 قرر القائمون على مؤسسة "نقطة إفريقيا" تغيير وجهاتهم السياحية التي كانت تتركز على البلدان السياحية التقليدية كمصر وتونس والمغرب والسنغال... لكن ومع نهاية الموسم السياحي لسنة 2007 قررت المؤسسة تحويل جميع رحلاتها نحو الصحراء الجزائرية خاصة بعد الحادث الإرهابي الذي راح ضحيته أربعة سياح فرنسيين بموريتانيا والذي نتج عنه إلغاء 70 بالمائة من الرحلات التي كانت مبرمجة نحو هذا البلد مع خسائر مالية تفوق ال500 ألف يورو. رئيس المؤسسة السيد موريس فرويد اعتبر اختياره للوجهة الجزائرية عرفانا للجهود التي بذلتها السلطات الجزائرية من أجل الخروج من حالة اللاأمن التي ارتسمت خلال السنوات الماضية وفي سبيل رد الاعتبار للسياحة الجزائرية قررنا التواصل
والتأكيد على الاستمرارية بين الشمال والجنوب وتحديدا بين الجزائروفرنسا وتبليغ رسالة واضحة للعالم وأوروبا تحديدا حول التحسن الكبير في الوضع الأمني الذي تسوقه أطراف أجنبية بشكل سلبي ومخيف غير أن الملاحظ هو التواجد المكثف لمصالح الأمن حيثما كنا وهو دليل واضح على اهتمام السلطات بتواجدنا في هذه البقعة من الأرض رغم قسوتها. وإن اعتبر السيد فرويد مهمة توصيل صورة الجزائر الجميلة بالصعبة لكنها ليست بالمعقدة مضيفا انه سيتم التركيز خلال الموسم السياحي المقبل على السياح الألمان والسويسريين الذين أبدوا اهتماما وتحفظا في آن واحد وسيرفع تواجدهم المقبل من قيمة السياحة الصحراوية الجزائرية وكذا نسبة السياح بنسبة 30 بالمائة علما أن مؤسسة "نقطة إفريقيا" استطاعت خلال هذا الموسم أن تحمل معها أزيد من 4200 سائح فرنسي عبر 30 رحلة جوية تتوقع المؤسسة أن يتضاعف هذا العدد ليتجاوز ال8000 سائح فرنسي إلى جانب القائمة الخاصة بالسياح السويسريين والألمان التي جاءت لتدعم مكانة السياحة الجزائرية.
كرم الجزائريين يبهر الفرنسيين.. لم يكف السياح الفرنسيين عن وصف ما شاهدوه خلال جولاتهم السياحية التي قادتهم إلى العديد من المناطق الصحراوية ولعل أهم ما شد انتباههم وعلق في مخيلتهم هو الكرم الزائد لسكان الصحراء الذين لم يستقبلوهم على أساس أنهم سياح وإنما اعتبروهم ضيوفا بحسب تأكيد السيدة شانتال بور التي قالت "..إننا وعوض أن نشتري هدايا تذكارية من المناطق التي زرناها تلقيناها في شكل هدايا دون أن ندفع مقابل ذلك فرنكا واحدا ." وعكس ما عايشته السيدة شانتال في العديد من المناطق السياحية بالبلدان التي زارتها فإنها تقول إن الجزائريين ينظرون إلينا والترحاب يملأ عيونهم كما أن نظراتهم إلينا لم تكن مادية كما هو الحال بالنسبة لدى جيرانكم بالمغرب أو مصر الذين يسارعون إلى تقديم التحية ويتزاحمون مباشرة بعدها على دعوتنا لزيارة محلاتهم التجارية بغرض ابتياع منتوجا تهم التقليدية. وتمنى السياح لو يحافظ السكان على هذه العادات على اعتبار أن الاهتمام الحالي للسياحة في العالم يرتكز على السياحة الجوارية المبنية على التواصل بين السياح والسكان وهو الموقف الذي دافع عنه وبشدة السيد موريس فروند الذي دعا السلطات إلى عدم التركيز على استقطاب كم كبير من السياح على حساب التواصل وتطوير التنمية الاقتصادية بالمناطق السياحية مشيرا إلى ضرورة الاستفادة من الأخطاء التي وقع فيها جيراننا . سكان غرداية يصححون صورة المنطقة تضيف السيدة شانتال في خضم سردها لزيارتها التي وصفتها بالتاريخية إلى صحرائنا، أنها لم تتوقع أن تحظى هي والوفد السياحي الذي زار منطقة غرداية بالترحاب والاستقبال خاصة بعد اطلاعهم في الصحف على الاضطرابات التي عاشتها المنطقة خلال الأيام الماضية مما أدى بالكثير منهم إلى التردد والتفكير مرارا قبل المغامرة والتوجه إلى غرداية التي لم يجد فيها السياح إلا الهدوء والترحاب الذي فاق وتجاوز حدود الطبيعة المحافظة لسكان أهل ميزاب. ولم تكف شانتال ذات ال55 عاما عن وصف نظام السقي "الفقارة" الذي يعتبر فريدا من نوعه في العالم كما أسربت في الحديث عن الحايك الذي ترتديه المرأة المزابية وغير ذلك من الصور التي ظلت عالقة في مخيلة شانتال التي تنتمي إلى مقاطعة صغيرة شمال فرنسا فيما تنوعت الأقاليم والمناطق الفرنسية التي جاء منها السياح الآخرون. لسنا من الأقدام السوداء والصحراء هي ما يهمنا أكد السيد جون تغلان وهو سائح فرنسي وعضو مؤسس ل "نقطة إفريقيا" أنهم لا يمتون بصلة إلى من يسمون بالأقدام السوداء الذين يقصدون الجزائر للوقوف على أطلال الماضي ويبكون على ما تركه الآباء والأجداد، ونحن حريصون على عدم الخلط بين ما تخطط إليه فئة معينة وما تسعى إليه مؤسستنا التي تحاول أن تجعل من السياحة عاملا للتطور المحلي وسنعمل على دفع سكان المناطق السياحية لحماية موروثهم الطبيعي والثقافي خاصة ما تعلق بالنخيل هذه الثروة التي تسير نحو التراجع والتلف بفعل غياب أشغال الصيانة وهو ما سنركز عليه من خلال الشروع في دورات تكوينية في المجال الفلاحي وهذا أبسط ما يمكن أن نقدمه للسكان الذين خصونا باستقبال وترحاب خاص.