مدد الرئيس التونسي، قيس سعيد، العمل بقراراته الاستثنائية بتجميد البرلمان ومواصلة رفع الحصانة عن نوابه إلى أجل غير محدد في إجراء لم يكن مفاجئا في ظل استمرار حالة الغموض والترقب التي تطبع المشهد السياسي التونسي المتأزم منذ شهر كامل. عشية انتهاء المهلة الدستورية لتجميد عمل البرلمان، أصدر الرئيس التونسي مرسوما رئاسيا بتمديد الإجراءات الاستثنائية التي سبق أن اتخذها في 25 جويلية الماضي، بتجميد نشاط البرلمان ورفع الحصانة عن نوابه وإقالة الحكومة. والجديد في المرسوم الذي نشرته الرئاسة التونسية، مساء أول أمس على صفحتها الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي "فايسبوك" أنه لم يحدد هذه المرة مدة التجميد التي ابقاها مفتوحة لأجل غير محدد. واكتفت الرئاسة بالإشارة إلى أن الرئيس سيتوجه خلال الأيام المقبلة بخطاب للشعب التونسي من دون تقدم تفاصيل أخرى حول مضمون الخطاب أو قرارات ممكن اتخاذها لإخراج البلاد من عنق الزجاجة العالقة فيه. ولم يكن مفاجئا مواصلة الرئيس التونسي الإمساك بزمام كل السلطات التنفيذية والتشريعية وهو الذي لم يعرض لا خارطة طريق ولم يعين رئيس حكومة. كما سبق وأن تعهد بذلك قبل شهر من الآن، عندما قرر تجميد البرلمان ورفع الحصانة عن نوابه واقالة رئيس الحكومة السابق هشام المشيشي وكل طاقمه الوزاري. ويعتمد الرئيس التونسي في تبريره لمثل هذه القرارات، التي بقدر ما لاقت استحسانا لدى الشارع التونسي في بدايتها بقدر ما بدأت تثير مخاوفه أيضا مع اطالة أمدها، باعتماده على المادة 80 من الدستور التونسي المصادق عليه عام 2014 التي تخول له اتخاذ تدابير استثنائية في حالة "خطر وشيك" على الأمن القومي. والمؤكد أن مواصلة العمل بها سيزيد من مخاوف عدة أطراف داخلية، خاصة أحزاب سياسية ومؤسسات المجتمع المدني ومنظمات حقوقية وحتى خارجية، من استمرار استحواذ رئيس الجمهورية في تونس على كل السلطات في بلد يمر بتجربة ديمقراطية فتية ينظر إليها على أنها الوحيدة الناجحة من ثورات ما اصطلح على تسميته ب"الربيع العربي". وفي رده على الانتقادات التي طالته بسبب منع نواب وشخصيات سياسية ومسؤولين من السفر أو وضعهم تحت الاقامة الجبرية وحتى اعتقالهم بقرار فقط من وزارة الداخلية في اطار حملة محاربة الفساد التي أطلقها، أكد الرئيس سعيد أن "حرية التنقل حق دستوري يلتزم بضمانه"، لكنه شدد بالمقابل على أن "بعض الأشخاص مضطرين للمثول أمام العدالة قبل يتمكنوا من السفر". وازداد المشهد السياسي التونسي ضبابية، في ظل إعلان حركة "النهضة" أمس أن رئيسها راشد الغنوشي قرر حل مكتبها التنفيذي عبر "إعفاء كل أعضاء المكتب واعادة تشكيله بما يستجيب لمقتضيات المرحلة ويحقق النجاعة المطلوبة وذلك تفاعلا مع ما استقر من توجه عام لإعادة هيكلة المكتب التنفيذي". ولم تعقب الحركة ذات التوجه الإسلامي والمسيطرة على البرلمان التونسي إلى غاية أمس، على قرار الرئيس سعيد، بمواصلة العمل بالتدابير الاستثنائية التي كانت رفضتها سابقا واعتبرت أنها "انقلاب على الدستور"، وكانت دعت الرئيس سعيد للعدول عنها. واكتفت في بيانها بالإشارة إلى أن لجنة إدارة الأزمة السياسية برئاسة عضو المكتب التنفيذي، محمد القوماني، والتي تم الإعلان عن تشكيلها قبل أيام قليلة "غير معنية بقرار الحل وستواصل مهامها من أجل المساهمة في إخراج البلاد من الوضع الاستثنائي الذي تعيشه". ويضم المكتب التنفيذي لحركة النهضة 32 عضوا، وتتمحور مهمته في تنفيذ قرارات المؤتمر العام ومجلس الشورى ووضع برامج عمل سنوية، إلى جانب وضع مشروع الميزانية العامة ومتابعة تنفيذها بعد إقرارها من مجلس الشورى. كما يتولى اتخاذ المواقف في مختلف المسائل المطروحة على المستويين الوطني والدولي والمصادقة على مرشحي الحركة للانتخابات البرلمانية والجهوية والبلدية وغيرها وفق الشروط والصلاحيات والإجراءات التي يحددها مجلس الشورى.