التسول، الطلبة... كلها مرادفات لظاهرة أصبحت جزءا لصيقا بصورة حياة المواطن العاصمي، الذي أرغم طوعا أو كراهية على التعايش معها، وتقبلها ولو ظاهريا في حياته، ليضمها بعد ذلك الى مجموعة صوره الذهنية حول حياته بالعاصمة. هذه »المهنة« كما يسميها الكثيرون، ازدادت في السنوات الاخيرة بوتيرة سريعة، فبعدما كانت تقتصر على بعض الشيوخ والعجائز بالألبسة الرثة البالية، والأدعية المتكررة التي تهدف الى التأثير على »زبونهم« لإقناعه بإدخال يده الى جيبه وإخراج ما استطاع، انتقلت اليوم الى اوساط الشباب والاطفال وحتى الرضع بطرق مختلفة، وأساليب متنوعة، تلتقي كلها في سلب الأموال من المواطن »الحساس أو المرهف«. أصبح ذكاء هؤلاء المتسولين فائقا، إذ بعدما كانوا يستهدفون المصلين أمام أبواب المساجد والمارين بأزقة الطرقات، مستعملين عبارات الترجي متخذين من الرضع والأطفال الصغار الوسيلة الاساسية لتحريك مشاعر المارين، ضاربين بالقوانين وحتى الاعراف التي تحمي حقوق الطفل، عرض الحائط، انتقلوا اليوم الى وسائل النقل العامة والجامعات، وهذا كله لاقتناص الفرص وإحراج مستهدفيهم باختيار الأوقات الحساسة، أوقات تكون العاطفة هي المتحكم في الفرد لا العقل، كفترات الامتحانات مثلا، فالأسلوب المعتمد لاستهداف الوجدان، هو اختيار الأوقات الأليمة بالجلوس إما على حافتي مداخل المقابر أو بالقرب من المقابر الجديدة. صورة أخرى للتسول وهي أن يتقدم إليك احد الاشخاص ويطلب منك اعطاءه بعض النقود، إما لإعالة عائلته أو لشراء ما يأكله بحجة أنه نسي نقوده في منزله، تقول الآنسة (و. ج) بأنها في أحد الأيام اقترب منها شاب وهي داخل الحرم الجامعي وطلب منها أن تعينه ببعض النقود لشراء بعض الكتب لأحد أفراد عائلته.. مدعيا بأنه جاء من إحدى ولايات الجزائر البعيدة، ولم يكفه ما أحضره من نقود لشراء ما يلزم. وتضيف أن قلبها رق له فأعطته ما استطاعت، ولكن العجيب في الأمر، حسب ذات المتحدثة، أن ذات الشاب عاد إليها مرة أخرى بعد مرور أشهر، فروى لها ذات الحكاية دون ان يعرف بأنها كانت إحدى ضحايا احتياله، ونفس الشيء حصل مع (ب. ب)، حيث تقول أنه في كثير من الأحيان يتقدم إليها احد المسنين طالبا منها بعض النقود من أجل العودة الى منزله الكائن في مكان بعيد عن العاصمة، بحجة أنه نسي نقوده في منزله. متسولون آخرون ينتهزون فرصة دخول الركاب الى حافلات النقل العام، لطلب الصدقة من الراكبين، مطلقين من أفواههم عبارات الترجي والمدح بغية إقناعهم واستعطافهم وتحريك قلوبهم المرهفة لدفع ضريبة ركوب الحافلة، أو حتى لإحراج الأولياء المرافقين لأبنائهم الصغار، فهنا تقول (س. ل) أنها تضطر في غالب الأحيان لدفع بعض النقود الى هؤلاء المتسولين عند ركوبها الحافلة، بسبب إلحاح طفليها الصغيرين على ذلك، واللذين لا يفرقان بين المحتالين والصادقين.
متسول غني وذكي في جلب "الزبون" وحسب (ح. س)، فإن المظاهر هذه الأيام أصبحت خداعة، ذلك أن هناك بعض المتسولين ونظرا لإلحاحهم الشديد وألبستهم الرثة، تظنهم فعلا محتاجين، لكنهم في الحقيقة غير ذلك، كما هو حال أحدهم يتسول في بلكور وهو أعمى له طرق خاصة في دفع المواطن إلى إعطائه النقود، وبلغ به الحد الى منافسة المتسولين الآخرين ومنعهم من التسول بجانبه، ولكنه في الحقيقة شخص غني وله أملاك ومحلات تجارية. وأضافت أنه كثيرا ما ترغب في فضح هذا »الجار المتسول« لكن مبادئها تمنعها من ذلك. وإلى جانب هؤلاء المتوزعين هنا وهناك، يشكل آخرون صفا في الأماكن المكتظة بالمارين، إذ لا يبعدون عن بعضهم البعض سوى بضعة أمتار، وكأنهم »يعملون« في جماعة هدفها تغطية الطريق مانعين إفلات أحد المواطنين من قبضتهم.
التسول ظاهرة مرضية وعلاجها سلوكي هل هو يحتاج الى المساعدة فعلا أم لا؟ سؤال يطرحه أغلب المواطنين عند مشاهدتهم هذه الفئة من المجتمع، ولكن أمام غياب احصائيات رسمية وتحديد دقيق للأفراد المعوزين والمحتاجين، يفضل الباحثون في علم النفس وصفها بالظاهرة المرضية، هذا ما أوضحه ل »المساء« الدكتور علي بوطاف، أستاذ مختص في عل النفس بجامعة الجزائر، إذ اعتبر المتسولين أناسا اتكاليين ينظرون للمجتمع على أنه مغفل، ويحاولون بالتالي الاعتداء عليه، فهم لهم شخصية مرضية مضطربة. وأضاف أن العلاج من هذه الحالة هو سلوكي بالدرجة الأولى، عن طريق عدم إعطائهم النقود مهما كانت حالتهم وأساليب تسولهم. وتأسف للمجتمع الجزائري الذي لا توجد فيه مثل هذا التحضر والتطور. وأضاف أن امتناع أفراد المجتمع عن الرضوخ لهؤلاء سيؤدي بهم إلى الكف والإقلاع عن هذا الاسترزاق غير الشرعي.