ابتدع متسولو العاصمة أساليب وطرقا جديدة لامتهان إحدى أقدم المهن على الإطلاق. ورغم أن جل حيلهم صارت لا تخفى عن العام والخاص من المواطنين، إلا أن إبداعهم في مجال نسج الحكايات الدرامية التي يستميلون بها قلوب المحسنين لا حد له. التسول الدخل الوحيد لتوفير قوت اليوم وأنت تتجول في شوارع العاصمة تصادفك عدة حالات لكل واحدة سبب خاص بها دفعها للتسول. أول حالة التقيتها وأنا أتجول في الشارع، الحاجة (م.) التي كانت قابعة أمام مدخل مسجد الرحمة، فاقتربت منها وسألتها عن سبب تواجدها في هذا المكان وفي هذه الحالة. أجابت والحسرة بادية على وجهها أن زوجها معاق ذهني وغير قادر على الحركة، وكذلك هي تعيل شابين في مقتبل العمر يعانيان من تخلف ذهني. ''التجأت إلى هذه المهنة لأنها الوسيلة الوحيدة التي تسترزق بها، مع العلم أنها تقطن في البيوت القصديرية المتواجدة بالحراش''. وتضيف أنها تغير مكان تواجدها في كل مرة. ويوم الجمعة تتجه إلى المقابر حيث يكثر الزوار. وحين سألتها عن التوقيت الذي تتسول فيه أجابتني من الثامنة صباحا إلى الرابعة مساء. وعن المقدار الذي تجنيه أجابت ما يكفي قوت اليوم الواحد. وعلى بعد أمتار من الحاجة (م) لفتت نظري عائلة متكونة من أم وثلاثة أطفال من بينهم رضيع، جاعلوا من الرصيف مأوى لهم. تهرب زوجي من مسؤولياته دفعني للتسول هي حالة أخرى استوقفتني وشدت انتباهي، ما دفعني للتطفل والسؤال عن الأسباب وراء ذلك. بدأت معاناة فاطمة في اليوم الذي أدمن فيه زوجها على شرب الخمر ولعب القمار، أصبحت تعيش في جحيم بعدما فقدت كل شيء كانت تملكه، وانتهى بها المطاق إلى الطلاق والعيش على أرصفة الطرقات مع ثلاثة أطفال. تقول فاطمة إنها عانت الأمرين قبل وبعد الطلاق، حيث لم تجد من سبيل لتقتات به سوى التسول بعدما غلقت كل الأبواب في وجهها وتخلى عنه كل من حولها، فقد لجأت لكل قريب وقصدت كل الأماكن لكن لم يستطع أحد أن يعيلها هي وأطفالها، فقد اقترحت عليها عائلتها البقاء عندهم شرط ترك أطفالها لطليقها، هذا الأخير الذي تنصل من جميع مسؤولياته ورفض رفضا قاطعا حتى رؤيتهم، فلم تستطع فاطمة ترك فلذة أكبادها للمصير المجهول بعد تخلي والدهم عنهم. وبعد استماعي لقصة فاطمة ومريم أردت معرفة رأي بعض المواطنين حول هذه الظاهرة وهل يمدون يد المساعدة أم يمتنعون؟ المواطن الجزائري في حيرة بين التصدق أو الامتناع كان سؤالي موجها لطالب في الجامعة المركزية، فأجاب أنه ضد فكرة التسول لما تحمله من مذلة للفرد وإحراج للمارة، وهو لا يمانع من التصدق لمن هم في حاجة إلى ذلك خاصة المعاقين وكبار السن. أما فايزة، وهي عاملة، فقد أجابت أنها ضد فكرة التسول لمن هم في صحة جيدة وقادرين على العمل فهم لا يثيرون شفقتها، وضد فكرة استخدام الأطفال الرضع كواجهة للتسول. وتضيف أن هناك من يمتهنون التسول بالرغم من ظروفهم المعيشية الحسنة ويعملون لصالح أطراف أخرى، والكثير منهم حفظ المواطن سيناريوهاتهم عن ظهر قبل رغم كثرة تنقلهم ما بين الأحياء، وهو ما يقلص يوما بعد يوم ثقة المحسنين. وفي ظل الاستفحال والانتشار الواسع لهذه الظاهرة التي أصبحت تقلق بصفة خاصة المارة، كان من الضروري على السلطات المعنية الاهتمام بهذه الفئة المحتاجة خاصة، ومن جهة أخرى وضع قوانين ردعية لمن يجعلون من الظاهرة حرفة ومهنة للحد من جشعهم ولهفهم على جيوب الآخرين، واستعمالهم كل أساليب التسول والاستغلال.