هل دقت ساعة الحقيقة في أوكرانيا وأصبحت الحرب فيها أمرا حتميا لم تعد ساعة اندلاعها سوى مسألة وقت، مراعاة لعنصر المفاجأة الذي عادة ما تتحكم فيه الدول المتحاربة؟ أم أن ما تروج له واشنطن بأن الحرب أصبحت "وشيكة" يندرج ضمن حرب دعائية فجرتها خدمة فقط لمصالحها الرامية إلى تحييد الدور الروسي على المستويين، الإقليمي و الدولي. أسئلة وأخرى تطرح في الساعات الأخيرة، في ظل تقاطع عدة عوامل على مسار أزمة أوكرانية تطورت فصولها خلال الفترة الأخيرة من مجرد احتقان وتوتر دبلوماسي بين الأطراف المعنية إلى تهديدات ردعية وصولا إلى فرض عقوبات اقتصادية ضمن مؤشرات باحتمال اندلاع حرب وشيكة بعد سحب مختلف الدول دبلوماسييها بما فيها الولاياتالمتحدة وألمانيا وبلجيكا. وكانت المناورات العسكرية التي شرعت فيها القوات الروسية وإرسال دول غربية وعلى رأسها الولاياتالمتحدة تعزيزات عسكرية إلى دول المنطقة أقوى مؤشر على قرب اندلاع هذه الحرب. وزادت تحذيرات الرئيس الأمريكي جو بايدن، المتكررة من غزو روسي وشيك لأوكرانيا في تأجيج الوضع وخاصة منذ تسريبه لخبر اندلاعها منتصف الشهر الجاري، دون أن تتمكن أجهزة استخباراته من تحديد ما اذا كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قد اتخذ قراره النهائي بشن الحرب من عدمه ضمن معلومة أكدها مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض، جاكي سوليفان. والمفارقة أن تأكيدات الرئيس بادين، ومختلف المسؤولين الأمريكيين بأن الحرب لم تعد سوى قضية وقت، في تعارض مع تصريحات الرئيس الأوكراني فولوديمير زلانسكي، الذي استبعد ذلك وذهب إلى حد إدانة التحذيرات الأمريكية وقال إنها نشرت الذعر في أوساط شعبه مطالبا الإدارة الأمريكية، اذا كانت تحوز على معلومات مؤكدة بذلك أن تقدمها لبلاده. وإذا كان الرئيس الأوكراني نفسه، هون من اندلاع الحرب واستبعدها على الأقل في المنظور القريب، فهل معنى ذلك أن الولاياتالمتحدة هي التي تدفع بالوضع إلى تعفن متقدم من خلال حملة إعلامية لإشعال فتيل الحرب خدمة لمصالحها الاستراتيجية الرامية إلى تقزيم الدور الروسي على الصعيد الدولي، وتحييده قدر الإمكان عبر إلهائه بحرب مفتوحة مع أوكرانيا، وبالتالي تأخير كل تقارب روسي صيني لعلمها المسبق أن إقامة محور موسكوبكين سيخلط عليها حساباتها كقوة بدأت تفقد نفوذها الذي اكتسبته منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. ولم يكن إتهام وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، للولايات المتحدة خلال اتصاله أمس، بنظيره أنطوني بلينكن، بتأجيج الوضع ضمن حرب دعائية نابع من فراغ ويكون الكرملين قد فهم خلفية الضجة الاعلامية الأمريكية وتصريحات مسؤولي إدارة جو بايدن، بأن الحرب وشيكة. وتكون كييف قد فهمت هي الأخرى ولكن بتأخر المقلب الأمريكي، وراحت تؤكد بأن الحرب لن تندلع لقناعتها أنها ستدفع الثمن غاليا في مواجهة غير متكافئة، والأكثر من ذلك أن واشنطن لم تضمن الى حد الآن طبيعة الدعم الغربي لها لخوض حرب بالوكالة. ومع احتدام الأزمة الأوكرانية، دخل الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، الذي تضمن بلاده رئاسة الاتحاد الأوروبي على خط الوساطة أجراه أمس، مع نظيره الروسي ساعات قبل اتصال مماثل بين هذا الأخير والرئيس الأمريكي. وكان الرئيس الفرنسي التقى قبل خمسة أيام بنظيره الروسي بالعاصمة موسكو، خلال جولة قادته أيضا الى أوكرانيا في اطار مهمة قال قصر الاليزي، إنها حققت أهدافها في التخفيف من حدة التوتر ، إلا ان تطورات اليومين الأخيرين دفعت إلى التساؤل حول ما اذا كانت مساعي ماكرون، مجرد فسحة سياحية بغطاء دبلوماسي وقد صمت طبول الحرب الأذان. فهل هي محاولات آخر لحظة لتفادي اندلاع فتيل الحرب أم أنها اتصالات لحظة اليأس باعتبار أن الروس قد اتخذوا قرارهم لشن الحرب ضد أوكرانيا، في خطوة فرضها الغرب على روسيا بفعل الترسانة الحربية التي حاصروا بها الدب الروسي في عرينه على حدوده الغربية ضمن استراتيجية "احتواء" لم يعد يطيق احتمال "خناقه"، وهو الطامح لاستعادة مكانته في مشهد دولي متغير في ظل صعود العملاق الصيني وتراجع الدور الأوروبي في رسم السياسة الدولية. ولكن هل تندلع الحرب فعلا في أوكرانيا، وما هي طبيعتها.. وهل ستكون محدودة المدة والمكان أم أن لروسيا أهداف أكبر من ذلك في حال أقدمت فعلا على خطوتها؟ وهو احتمال يدفع إلى التساؤل في حال وقوعه حول طبيعة الدعم الذي يمكن ان تقدمه الولاياتالمتحدة ودول الاتحاد الأوروبي لأوكرانيا؟. وإذا سلّمنا أن الحرب لا مفر منها وبلغت الأمور حد التدخل الغربي المباشر، فهل يمكن القول إن العالم دخل حربا عالمية ثالثة ولكنه بقوة ردع تدميرية هائلة ضمن معادلة "النظرية الصفرية" الرابح فيها يكون أكبر الخاسرين؟