شهيدات... مجاهدات... طبيبات... مختصات وربات بيوت، كلهن من حرائر الجزائر، اللواتي قُتلن، وعُذّبن، وسُلخت جلودهن إبان الحقبة الاستعمارية، ورفعن بعد الاستقلال - طبعا ممن أطال الله في عمرهن - راية الجهاد الأكبر، فكابدن تقلبات الأيام، ليتحررن من عبودية الجهل نحو التأسيس للبنة مجتمع واع بتحديات المستقبل... مجتمع قوامه وعماده حرة جزائرية، متشبّعة بقيم دينها، عزمت على إنتاج جيل لا يؤمن إلا بالانتماء إلى وطن عزيز لا يظلم فيه أحد... تؤخذ فيه الحقوق، وتُفرض فيه الواجبات... بكل بساطة، "جزائر جديدة"، آمنت بها الشهيدات والمجاهدات والطبيبات والطالبات والحرفيات وربات البيوت، اللواتي يقع على عاتقهن محاربة الآفات الاجتماعية بداية من البيت... وشاركن، من جهتهن، عبر مراحل تطور هذا البلد، في رفع حمل قد كان في كثير من الأحيان، أكبر من طاقاتهن... واليوم وأمام جميع التحديات الراهنة والآتية، مازالت حرة الجزائر، تقدّم أغلى ما لديها؛ كي ينعم الأب والزوج والابن والأخ، بشيء من دفء راحتيها، وهي التي تألمت لفراق عزيز اغتالته أيدي محتل غاصب، واعتصر قلبها دما حينما كان واحد من أفراد العائلة يخرج من البيت خلال العشرية السوداء، بدون أن تدري إن كان سيرجع أم لا... وها هي، اليوم، وقفت، أيضا، في الصف الأول لمكافحة عدو من نوع آخر، ألا وهو وباء "كوفيد 19"، الذي استهدفها قبل الرجل لضُعف مناعتها... ومع ذلك تألمت، وسهرت، وداوت، وواست، وذرفت الدموع... لكنها عادت، ووقفت بشموخ لتقول للعالم: "إن الهمم والعزائم تولد من رحم المآسي... فأنا كنت لها بالأمس، ومازلت اليوم..." ولسان حالها يقول أيضا: "أنا الأم التي تجوع ليشبع الأبناء، وتَعرى ليلبسوا، وتسهر ليناموا، وتتألم بدون أن يُسمع أنينها...". وما عسانا إلا أن نقول، بدورنا، في هذا المقام: "دمتِ لنا تاجا مرصَّعا، يحمل ألوان الطيف على رؤوسنا... ولكِ منا أبلغ عبارات الود والاحترام، ومليون ونصف مليون وردة، تعبّقين برائحتها جنان الجزائر..".