استرجعت منطقة سطورة، جوهرة الساحل السكيكدي، حيويتها وحركتها، بعد شبه ركود دام لأزيد من سنتين، بسبب الظروف الصحية التي فرضتها جائحة "كورونا" (كوفيد19)، حيث أضحت قبيل انطلاق الموسم الصيفي بأيام، مزارا للعديد من العائلات، سواء السكيكدية منها، أو القادمين من الولايات الداخلية القريبة، للاستمتاع بسحر شواطئها، وما زاد في جمالية سطورة "المارينا"، أو ميناء الترفيه التي تدعمت به منذ سنوات، وترسو على جوانبه، بواخر النزهة التي يستعملها البعض في نقل السياح في جولات بحرية، إلى جانب العديد من الفنادق ومحلات بيع الأكلات الخفيفة الممتدة على طول الكورنيش، انطلاقا من شاطئ "الجنة"، مرورا بشاطئ "بيكيني". تحولت سطورة، دون منازع، إلى منطقة جذب، بالنظر للازدحام المروري الذي تشهده منذ الصباح، لتزداد حدته في الليل إلى غاية ساعة متقدمة منه، وعلى الرغم من أن الانطلاقة الرسمية للموسم الصيفي للسنة الجارية قد تم تأجيله إلى غاية 17 جوان من الشهر الجاري، إلا أن شواطئها خلال الأيام الأخيرة، زادت حدتها مع حلول شهر جوان، وعرفت إقبالا قياسيا للمصطافين الوافدين من الولايات الداخلية، كقسنطينة وسطيف وباتنة وميلة، خاصة على مستوى شاطئ "بيكيني" الجديد، الذي يعد من شواطئ سطورة الأكثر جذبا للمصطافين، وكذا شاطئ "مولو"، بينما يفضل البعض التنقل عبر ممرات ضيقة إلى شاطئ "المحجرة"، وسط ديكور طبيعي بامتياز، يجمع بين زرقة البحر واخضرار الغطاء النباتي الذي يفصل الممر بالبحر.. لعل ما يشد أكثر الزائرين إلى سطورة؛ ميناء الصيد ببواخره وسفنه الراسية، التي تنبعث منه روائح الأسماك التي تختلط بروائح المازوت، وغير بعيد عن ميناء الصيد، تصطف العديد من محلات والمطاعم المتخصصة في بيع الأسماك المطبوخة على الجمر، وأخرى تختص في بيع مختلف المثلجات، كما يشدك موقف السيارات التي تحمل مختلف ترقيمات الولايات المجاورة لسكيكدة. سطورة مقصد العائلات السكيكدية لابد أن نشير، إلى أن الحركة بسطورة لا تنقطع، بل تزداد ليلا، حيث يشهد المحور المؤدي إليها على امتداد طريق الكورنيش، انطلاقا من قصر الجنة، إلى غاية وسط سطورة، بما فيه الطريق العلوي، كل ليلة، خاصة خلال أيام الخميس والجمعة والسبت، ازدحاما مروريا لا مثيل له، يشتد بداية من الساعة الثامنة مساء، ويستمر إلى غاية ساعة متأخرة من الليل، وما يزيد الطين بلة؛ مواكب سيارات الأعراس، التي تساهم هي الأخرى في تأزيم الوضع إلى حد التشبع، الأمر الذي يجعل العديد من العائلات، تفضل التوجه إلى سطورة مشيا على الأقدام لأكثر من 4 كيلومترات، مستمتعين بنسمات البحر وأنغام الأمواج، وحتى بمختلف ألحان الموسيقى المنبعثة من المحلات الممتدة على طول الكورنيش، التي تتزين بأنوار المصابيح ذات الألوان الزاهية المختلفة. على طول الطريق المؤدي إلى سطورة، يعج الكورنيش بالعائلات التي اشتاق أغلبها إلى مثل تلك الخرجات، بعد الحظر الذي فرضته الجائحة خلال السنتين الأخيرتين، وقد عبر العديد من التجار بسطورة، تحدثنا معهم، عن سعادتهم بعودة الحياة الطبيعية في هذه الصائفة، مما سيساهم في إنعاش تجارتهم، مستذكرين بكل مرارة، الخسائر التي تكبدوها جراء الظروف الصحية التي فرضتها أنذاك الجائحة، مما أدخلهم في بطالة، متمنين أن يكون الصيف الحالي من أفضل المواسم. بعض العائلات التقيناها على مستوى إحدى المطاعم بسطورة، أكدت لنا من جهتها، بأنها اشتاقت إلى مثل هذه الخرجات العائلية، ولتناول الأسماك البحرية على الجمر، رغم غلاء أسعارها، مع تناول المثلجات في أجواء عائلية رائعة، بينما تفضل بعد الأسر الجلوس على رمال شاطئ البحر، إما ب"مولو" أو "بيكيني"، مستمتعين بمياه البحر، يتسامرون مع أكواب من القهوة والشاي، وبعض المأكولات، كالبيتزا، يحضرونها معهم مسترجعين أجمل الذكريات، بينما يجد الأطفال الفرصة للعب أو حتى السباحة. إقبال منقطع النظير على ميناء الترفيه أما على مستوى ميناء الترفيه، أو كما يعرف باسم "المارينة"، فقد لاحظنا توافد العائلات بأعداد كبيرة، مرفقة بالأبناء، متجمعين على الكراسي الموضوعة هناك، فيما يفضل البعض المشي والبعض الآخر تناول المشروبات والمثلجات وبعض الأكلات الخفيفة، بينما يجد الأطفال الصغار الفرصة سانحة للعب والتسامر، وتُجمِع بعض العائلات التي تحدثنا معها، بأن هذا الفضاء، أمام افتقار سكيكدة لحضيرة الألعاب، كما هو الحال بسطيف وعنابة وباتنة، يعد بالنسبة إليهم، المتنفس الوحيد لقضاء سهراتهم الليلية التي تخفف عنهم بعض الشيء، مشاق الروتين اليومي القاتل، وأرجع بعض ممن تحدثت معهم "المساء"، سر تفضيل السكيكديين إتمام السهرات الصيفية بسطورة، إلى الأمن من جهة، ومن جهة أخرى، استفادتها من منتزه المارينة المطل على البحر، الذي وجدت فيه الأسر متنفسها الوحيد، هروبا من حرارة البيوت وهجمات البعوض، التي فشلت المصالح البلدية المختصة في التخفيف من وقع غزوه، لتبقى سطورة التي ترفض الاستسلام للنوم، الوحيدة التي تضمن للعائلات السكيكدية والشباب، قضاء سهرات حالمة لا تُنسى. مؤهلات لجعل سطورة مقصدا للسياح على مدار السنة حسب العارفين بتاريخ المنطقة، فإن سطورة أو "أسطورا" تسمية بونيقية، ومعناها الستر، أما عند الفينيقيين، فتعني آلهة الحب والجمال، فيما يعتقد العديد من البحارة القدامى، أن "أسطورا" تعني آلهة الحماية والحفاظ على البحارة، وما يقوي اعتقادهم بذلك، وقوعها بخليج يحميهم من هول البحر، ويحمي الميناء من الرياح العاصفة الشمالية الغربية، وعلى أنقاض ميناء سطورا العتيق، أنجز ميناء سطورة، ومنه ميناء الترفيه الجديد، كما يوجد بسطورة ثلاث خزانات رومانية كبيرة، أقامها الرومان لتجميع مياه الأمطار، وتبرز تلك الخزانات، الأهمية التي كان يحتلها ميناء سطورة التجاري آنذاك على مستوى البحر الأبيض المتوسط. وتكشف أن المنطقة خلال التواجد الروماني، لم تكن تعاني من أزمة مياه. بالنظرا إلى ما تزخر به سطورة من مؤهلات سياحية، من بحر وخلجان واخضرار وآثار رومانية، يمكنها أن تساهم بشكل كبير في ترقية السياحة بسكيكدة، وعلى مدار السنة، ويبقى ذلك مرهونا بتكاثف الجهود والاهتمام بكل تلك المؤهلات، من إعادة الاعتبار للمعنى الحقيقي للسياحة.