أكد الدكتور مبروك كاهي، أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، أن الزيارة المرتقبة للرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، الذي لم يمر عليه نصف العام على انتخابه لعهدة ثانية، تكتسي أهمية كبيرة كونها ستعطي دفعا وتصورا جديدا للعلاقات الثنائية، في ظل الظروف الحساسة التي تميز العالم عامة ومنطقة شمال إفريقيا والساحل الإفريقي على وجه خاص. وقال الأستاذ كاهي، في اتصال مع "المساء"، أن الزيارة المرتقبة، نهاية هذا الأسبوع، تأتي بعد الزيارات الناجحة لرئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، إلى دول الجوار ودول الشرق الأوسط وإلى تركيا وإيطاليا، فضلا عن استقبال الجزائر للعديد من الوفود الاجنبية الدبلوماسية، وحتى ممثلي قوى دولية، ممثلة في وزيرا خارجية الولاياتالمتحدةالأمريكية، انطوني بلينكن وفيدرالية روسيا، سيرغي لافروف. وأضاف كاهي، أن الزيارة المرتقبة تأتي برغبة من الرئيس الفرنسي نفسه وليس بدعوة من رئاسة الجمهورية، حيث عبّر عن هذه الرغبة في أكثر من محفل دولي، لعل آخرها في سياق تهنئته الرئيس تبون بمناسبة احتفالية ستينية استقلال الجزائر، إلى جانب إيفاده لمبعوثه الشخصي المكلف بمعالجة قضايا الذاكرة مع الجزائر. وأشار الدكتور كاهي، إلى أن هذه الزيارة تأتي في سياق المبادرة التي أطلقها الرئيس الفرنسي والقاضية بضرورة إعادة النظر في العلاقات مع المستعمرات السابقة، حيث تكون مبنية على أسس جديدة غير الأسس السابقة. ملف الذاكرة يتصدر أجندة الزيارة وعن أبرز الملفات التي ينتظر تناولها خلال هذه الزيارة، رجح أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، أن تشمل ملف الذاكرة الذي أولاه رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، أهمية خاصة، مشيرا إلى أنه لا يتضمن ثورة التحرير، فحسب بل أيضا البدايات الأولى للاحتلال الفرنسي سنة 1830، حيث ستتم المطالبة باسترجاع الارشيف الوطني الجزائري إلى غاية 1962. وأوضح أنه ستتم أيضا المطالبة باسترجاع ما تبقى من رفات شهداء المقاومات الشعبية، بعد تحديدها والتعرف عليها من خلال لجنة علمية مشتركة، فضلا عن معالجة ملف مفقودي حرب التحرير والضحايا واعتراف فرنسا بجرائمها الاستعمارية، وتسليم خريطة دفن النفايات النووية في الصحراء الجزائرية، والمساعدة على تطهير المنطقة من مخلفات الكوارث النووية البيئية والصحية، إلى جانب معالجة الذاكرة الوطنية، "والتي لا يجب أن تكون على أساس الانتقاء كما فعلت الدولة الفرنسية مؤخرا، بل بالمعالجة الشاملة التي أساسها الحقيقة والاعتراف بالذنب". وأشار إلى أن الملف الثاني الذي سيطرح على الطاولة يخص التعاون الأمني ومحاربة الإرهاب في منطقة الساحل الإفريقي، وتقريب الحوار بين الدولة الفرنسية والسلطة الانتقالية في مالي، بعد التشنج الذي طبع علاقات الدولتين منذ عام تقريبا، علما أن هذه الزيارة ستكون في أعقاب مغادرة آخر جندي فرنسي للأراضي المالية، إضافة إلى إيجاد حل مشترك للأزمة الليبية. معالجة ملفات الهجرة غير الشرعية ومنح التأشيرات وأضاف كاهي، أن هذه الزيارة ستشمل أيضا توقيع اتفاقيات متعلقة بمعالجة ملفات الهجرة غير الشرعية، ومنح التأشيرات بين البلدين، كما سيتم إدراج الشراكة الاقتصادية بين البلدين وإعادة بعث اللجنة المشتركة، في ظل أزمة الطاقة التي يعرفها العالم، كما سيكون التعاون على مستوى العدالة موجودا بتسليم المطلوبين للعدالة من كلا البلدين. أما بخصوص تقييم واقع العلاقات الجزائرية - الفرنسية، أشار المحلل السياسي إلى أنها شهدت في الفترة الأخيرة فتورا وتشنجا، خاصة بعد التصريحات الأخيرة للرئيس الفرنسي ضمن حملته الانتخابية للرئاسيات والمسيئة للأمة الجزائرية وتاريخها المجيد، ليدرك قصر الإليزيه، مؤخرا، أن القيادة السياسية في الجزائر تغيرت وأن منطق الكولونيالية يجب أن يتغير، وأن التعاون المشترك مع الرئاسة، وإن كان حتميا، يجب أن يكون في إطار المصلحة المشتركة والاحترام المتبادل. ووصف المحلل السياسي واقع العلاقات الجزائرية الفرنسية بالواقع الحذر الذي يبحث عن الموثوقية، مضيفا أن زيارة الرئيس ماكرون تندرج في هذا الإطار، من خلال وضع تصور مستقبلي للعلاقات الثنائية، خاصة في ظل الإرهاصات السريعة والمتسارعة التي يعرفها العالم، بعد العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، وتوافد قوى جديدة منافسة للدولة الفرنسية، على غرار الصين، روسيا، تركياوالولاياتالمتحدةالأمريكية، مضيفا أن الإليزيه أدرك، في نهاية المطاف، أن الفراغ سيتم شغله من قبل قوى جديدة منافسة وهو ما يبرر سرعة الزيارة ورغبة ماكرون في زيارة الجزائر. وحول ما إذا كانت فرنسا قد خسرت مكانتها التجارية مقابل تنوع شركاء الجزائر كإيطاليا وتركيا، قال الدكتور كاهي إنه لا يمكن اعتبار ذلك خسارة، كون فرنسا مازالت متواجدة كشريك تجاري واقتصادي، وإنما يمكن تسميته بتراجع الدور الاقتصادي الفرنسي، خاصة مع مطلع الألفية الجديدة، بعد أن كان يحتل الصدارة طوال الأربعين سنة التي أعقبت استقلال الجزائر. وأرجع المحلل التراجع الاقتصادي الفرنسي في الجزائر أمام القوى المنافسة، للمنافسة الشديدة خصوصا الدولة الصينية التي أثبتت قدرتها على استحقاق المشاريع وإنجازها في المواعيد المحددة مع ضمان الجودة ونقل التكنولوجيا، فضلا عن انفتاح النخب الجزائرية الحاكمة على العالم، وتبني سياسة تنويع الشركاء، وعدم رهن الاقتصاد بشريك واحد، خصوصا بعد تبني قانون الاستثمار وقاعدة رابح رابح 49/51%. وأضاف كاهي، أن السلطات الجزائرية بقيادة رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، لم تغلق باب الاستثمار أمام الشركات الفرنسية، بل أبقت الباب مفتوحا، حيث عبّر الرئيس تبون عن ذلك في إحدى تصريحاته مع الصحافة لما وجه له سؤال حول تراجع الدور الاقتصادي الفرنسي أمام المنافسة الصينية والتركية، قائلا بالحرف الواحد "من أراد الاستثمار، فليأتي". وأوضح أن ما يفهم من تصريحه هو أن التعاون يجب أن يكون في إطار الشفافية والنزاهة، وليس المحسوبية والمحاباة التي تضر بالاقتصاد الوطني وتخدم اقتصاديات أخرى، في ظل ممارسات غير قانونية لم تعد مقبولة في التوجه الجديد للقيادة الجزائرية الحالية.