دعا مدير المركز الوطني للكتاب الدكتور جمال يحياوي، خلال الندوة التي نشطها في إطار الصالون العربي للكتاب بعنوان "النشر في الوطن العربي، واقع وآفاق"، إلى تحقيق الأمن الثقافي في الدول العربية. ولن يتأتى ذلك إلا من خلال الاهتمام البالغ بالكتاب، ومن خلاله الناشر. أشار يحياوي في ندوته، إلى خطورة عدم تحقيق الدول العربية الأمن الثقافي في ظل وجود الثورة الرقمية، التي تسلط الضوء، أيضا، على الكتب التي تحمل أفكارا هدامة، مضيفا أن تحقيق الأمن الثقافي ضرورة لا مناص منها، وإلا فإننا سنعيش مرحلة خطيرة قد لا نخرج منها بسلامة. واعتبر أن الكتاب قطاع حساس، وأن النشر ليس بهواية، بل مهنة أصيلة، لها قواعدها. كما إنها تتأثر بالمحيط السياسي والاقتصادي الذي تترعرع فيه، وكذا بالترسانة القانونية التي تتغير بشكل متواصل. وتابع المحاضر: "في الدول الغربية، يعمل الناشر في محيط ثابت عكس الناشر العربي، الذي يجد نفسه أمام متغيرات جديدة، قد تعيق عمله. كما إنه يتأثر كثيرا بالعديد من العناصر التي تدخل في صناعة الكتاب، والمتمثلة في المؤلف والطابع والموزع، مضيفا أن الحديث عن الناشر يجب أن يتم وفق إطار زماني ومكاني محدد، وضمن منظومة متكاملة (اقتصادية، وسياسية، وقانونية). وأشار إلى وجود هوة كبيرة بين واقع النشر في العالم العربي ما قبل الربيع العربي، كما قال، وما بعده، وكذا ما قبل الجائحة وما بعدها، معتبرا أن مقولة "القاهرة تكتب، وبيروت تطبع، وبغداد تقرأ" لم تعد صحيحة؛ لأن الثورة الرقمية أحدثت تغييرات عميقة حتى في النشر، الذي أصبحت الريادة فيه لدول الخليج، التي تستثمر أموالها، وتعقد اتفاقيات دولية في هذا المجال. وفي هذا السياق، أشار يحياوي إلى جملة من الصعوبات التي تواجه الناشر العربي، من بينها عدم تفعيل العديد من الدول العربية قوانين تخص الكتاب الرقمي، وكذا الضرائب العديدة المفروضة على الكتاب، خاصة مع غلاء سعر الورق. وفي هذا تساءل: "لو ألغيت الضريبة المفروضة على الورق، هل يمكن ضمان استخدام هذا الورق لصنع الكتاب فقط، أم أنه سيوجه، أيضا، لصنع منتوجات أخرى مثل بطاقات تهانٍ؟". وتحدّث عن الثورة التي مست مجال الطباعة، وغيرت مفاهيم النشر، وأجبرت الناشر على مواكبتها. أما مشكلة التوزيع فاعتبرها يحياوي حجر عثرة في العالم العربي، خاصة في الجزائر، حيث إن الناشر يجد نفسه رهينة الموزع في ظل غياب القوانين الخاصة بشبكة التوزيع، ليطالب الدولة بالاهتمام بهذا الموضوع، الذي لا يقدر على إدارته القطاع الخاص. وتطرق يحياوي في ندوته هذه، لمنظومة التكوين، التي تؤثر كثيرا على عمل الناشر؛ باعتبار أن الكثير من "الناشرين" اقتحموا النشر لأسباب تجارية، وللاستفادة من دعم الدولة، في حين أن النشر مهنة لها قواعدها، مضيفا أن تكوين المكتبيّين والمصممين مهم أيضا، وحتى تكوين الموزعين يساهم في إنجاح صناعة الكتاب. كما أشار يحياوي إلى دور الإعلام المهم في الترويج للكتب، وإلى تشديد بعض الدول العربية الرقابةَ على نشر الكتب، وهو ما يعيق، أيضا، مهام الناشر، ليختتم ندوته بالتأكيد على وجود الناشر العربي في مفترق طرق، حيث يتأثر بالمستجدات السياسية والاقتصادية والقانونية والتكنولوجية، كما إنه ملزم بمواكبة مستخرجات الثورة الرقمية.