يرجح عدد كبير من الفاعلين في حقل النشر وصناعة الكتاب عندنا، أنّ صناعة الكتاب في الجزائر لازالت لم ترق للمستوى المطلوب بعد، فرغم طباعة آلاف العناوين منذ الاستقلال إلى اليوم إلا أنّ هذه العناوين لم تخدم الذاكرة الوطنية، بدليل أنّ السنوات الأخيرة التي تم فيها طباعة عشرات العناوين لم تقدم للمكتبة الوطنية إلا 3 بالمائة من الأعمال التاريخية التي كان من المفترض أن تحظى بحصة الأسد، ما دفع رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة سنة 2006 إلى إطلاق مشروع "الكتاب التاريخي" في خطوة لرد الاعتبار لهذه الذاكرة، إلا أن هذا المشروع لم يكن في مستوى تطلعات الرئيس الذي أراد أنّ يبعث تاريخ الثورة التحريرية إلى الأجيال القادمة. وسواء تحقق هذا المشروع الحلم أشهرا قليلة قبل أن نحتفل بالذكرى الخمسين لعيدي الاستقلال والشباب أم لا، فإن أهل "الكار" ارتأوا من خلال هذا الملف في "الملحق الثقافي" لهذا الأسبوع، أن يقولوا كلمتهم عن واقع نشر الكتاب في الجزائر بعد خمسين سنة من الاستقلال.. عاشور فني:"المعاينة تدل على مدى بعدنا عن الصناعة الحقيقة للكتاب" في البداية أصبحت الكتابة ونشر الكتاب صناعة متكاملة تقتضي أن تشرف عليها مؤسسات ثقافية متخصصة، تتكفل باستراتيجية صناعية ثقافية تسويقية شاملة، تهدف عبرها إلى صناعة محتوى معرفي وعلمي وثقافي متميز، في ظل التنافس الكبير المرتكز على الأسواق العالمية، غير أن المعاينة بسيطة في واقعنا، والتي تبين أننا مازلنا بعيدين جدا عن الوضع الذي تتواجد فيه أركان الصناعة الناجعة والقوية للكتاب أو المطبوع. ففي اعتقادي المنتوج الثقافي عموما لايزال ضعيفا يرنح في مرحلة الحرف التقليدية، والمؤسسات المشرفة عليها تعاني من القيود والبيروقراطية والمالية وكذا البشرية، وبالتالي فالاستراتيجيات غائبة بل تكاد تنعدم، وما زاد الطين بلة هو تدخل المؤسسات العمومية والهيئات السياسية بطريقة أو بأخرى تشوه من خلالها قواعد اللعبة، رغم وفرة الموارد المالية وتوفر المؤلفين والمبدعين، بالإضافة إلى تنافس الناشرين غير المحترفين. في هذه الأجواء وفي ظل هذه الظروف يتبين على الجميع (مؤلفين، ناشرين، هيئات مشرفة) النظر إلى نصف القرن الماضي بعين نفس القرن القادم من اجل إدراك ما يتعين القيام به. عبد الوهاب بن منصور:"واقع النشر كارثي ويستدعي إعادة النظر" واقع نشر الكتاب في الجزائر، حاليا، يعيش وضعا كارثيا نتيجة تقهقر التوزيع وانخفاض النشر بنسبة كبيرة مقارنة بالسنوات التي تلت حقبة الاستقلال، بغض النظر عن المجهودات التي تقوم بها الدولة على هذا الصعيد في جميع المناسبات الثقافية التي عرفتها بلادنا، لاسيما تظاهرة تلمسان عاصمة الثقافة الإسلامية، أين تم إنتاج مئات المطبوعات خلال هذه التظاهرة، وكذا تظاهرة الجزائر عاصمة الثقافة العربية التي قارب الإصدار فيها ألف كتاب متنوع وغيرها، إلا أنها تبقى متواضعة وغير كافية، عكس ما كانت عليه سنوات الستينيات التي عرف فيها النشر حركية نوعية ومميزة رغم الأفكار والسياسة الإيديولوجية التي حدَت من انتشاره، وبالتالي فإن هذا التأثير تعدى إلى الخارج، حيث قلَل من تصدير الكتاب الجزائري إلى الدول الأجنبية باستثناء القلة القليلة من الكتاب الذين حاولوا فعل ذلك، وهو ما انعكس سلبا على تغييبه عن الساحة العالمية وبقائه حبيس أدراج المكتبات الوطنية، بالإضافة إلى نقص بيعه والترويج له بواسطة مختلف الوسائل. لذا أدعو في هذا الإطار الدولة والناشرين إلى إعادة النظر في سياسة نشر الكتاب والتفكير في إيجاد ميكانيزمات لتوزيعه عبر كامل التراب الوطني بغية التغلب على هذه الإشكالية. عادل صياد:"صنع الكتاب لا يختلف عن العشوائيات السكنية" لا أريد أن أكون متشائما في تقييمي لصناعة الكتاب ونشره في الجزائر بعد نصف قرن من زمن الاستقلال، لأنّه لا يوجد أصلا رهان على الكتاب كمصدر للوعي والمعرفة ونشر الثقافة، فلا يختلف صنعه ونشره عن العشوائيات السكنية المحيطة بجمال المدن وبهائها، ولا توجد فعليا تقاليد لهذه الصناعة، وقنوات محترمة واحترافية لتسويقها.. مثلما لا توجد منظومة للقراءة والترويج. وبغضّ النظر عن بعض دور النشر المحترمة والمعروفة والمعرّضة باستمرار للإبتزاز والإفلاس من قبل أشباه الوراقين والناشرين وبعض عصابات القطاع، أقول بتفاؤل إنّ اثنين بالمائة من الناشرين في الجزائر، يملكون إستراتيجية واضحة في مجال صناعة الكتاب ونشره والترويج له، مقابل سطوة المضاربين والمحتكرين والموسميين الذين لا يختلفون في جوهرهم عن التجار غير الشرعيين الذين صادروا الفضاءات العامة وأضرّوا بأخلاق النشر، وشوّهوا الكتاب كقيمة رمزية، لم يعد معها النقاش بعيدا عن لغط "ندرة البطاطا". بعد خمسين عاما من الاستقلال، يؤسفني ويحبطني جدا أن تحظى كتب الطبخ وتفسير أضغاث الأحلام بضمانات الوصول إلى مرضاها، ومثلها كتب تفسير التفسير والمفسّر، فيقبل عليها المرضى كما يقبلون على "زيت المائدة" في أيام الندرة بمناسبة هذا الصالون للكتاب أو ذاك، لاسيّما صالونات السلع الآسيوية المغشوشة، والمطابقة للقواعد الصارمة للغشّ. أمّا احتكار وزارة الثقافة لهذه السوق، فحديث ذو شجون وشحوم، ليس هنا مجال التنديد به. زهور ونيسي:"النشر يحتاج إلى وقفة قراءة جديدة" أراه لم يصل إلى المستوى المطلوب بعد، رغم وجود عديد دور النشر بالجزائر، حيث لازلنا لم نلمس الطريق إلى سياسة واضحة وناجحة لنشر الكتاب. هناك شروط كبيرة يجب توفرها على مستوى الوزارة أو مؤسسات ثقافية أخرى، وبالتالي فأبسط الأشياء المادية المتوفرة في صناعة الكتاب بمختلف مراحلها مثل الإشهار، عامل الترويج، الغلاف، معارض.. هي سياسة جادة ومركزة لا يصنعها الإداريون فقط دون المثقفين، بل على الأقل أن يكون هناك تكوين للجنة قراءة مشكَلَة من تيارات مختلفة من المثقفين، شريطة معرفة هذه اللجنة وأصحابها كما يتم نشرها في الصحف، تهتم بكل ما يصدر في الجزائر، ثم تأتي الخطوة الثانية بإعادة النظر في جوانب شتى، على غرار جانب المعنى، الجانب التقني، والتجاري المتعلق بالطبع والتوزيع. لذا في اعتقادي وانطلاقا من هذه الظروف فإن النشر في الجزائر يحتاج إلى دراسة كبيرة ووقفة قراءة جديدة للكتاب. عبد القادر مكاريا:"النشر ليس بمعزل عن الوضع الاجتماعي والسياسي العام" أعتقد أن سياسة النشر في الجزائر لم تتطور بشكل كبير خلال الخمسين سنة الماضية، رغم كل الخطوات التي تبعت هذه السياسة من نشر وطبع وتوزيع، وما قامت به الدولة من خطوة عملاقة ممثلة في مختلف التظاهرات الثقافية التي احتضنتها الجزائر، وبالتحديد بعد سنة 2007 الجزائر عاصمة الثقافة العربية، نتيجة الارتباط الوثيق بينها وبين الوضع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي الذي تعيشه الجزائر من فترة لأخرى، حيث أدى هذا العامل بالدرجة الأولى إلى التأثير بشكل مخيف على الكتاب المطبوع باللغة العربية الذي يشهد تراجعا في الساحة الأدبية الجزائرية، باستثناء بعض الكتب الدينية وكتب الطفل التي لاتزال تحافظ على الصدارة من حيث الإنتاج والتوزيع والمقروئية وكذا الطبع، بالإضافة إلى عائق آخر هو المعاملة التي تطال الكتاب على أنه مجرد سلعة مثل باقي السلع الأخرى، فأصبحت بما في ذلك الإدارات القائمة على هذا الشأن ترى أنه سلعة تتعرض إلى العرض والطلب، وفي الحقيقة الأمر يختلف لأنَ له وضع خاص يتعلق بالمقروئية، القراء، الكتاب ودور النشر. لذا لا أعتقد أن الدولة وحدها من تتحمل المسؤولية كاملة في تردي سياسة نشر الكتاب منذ 50 سنة إلى غاية اليوم، بل يشترك الكل في هذا الوضع المؤلم ومن أجل إيجاد سبيل ومخرج منه لابد من تظافر الجهود ورفع التحدي بين الأطراف المكونة للعملية. لحبيب السايح:"دعم الكتاب حاليا ليس كما في القرن الماضي" أبقى عند رأيي أن الإمكانات المادية والمالية التي تتوافر عليها الجزائر لم يُسخر منها إلا النذر القليل لنشر الكتاب وتوزيعه، بعد أن فككت سابقا المؤسسة الوطنية للكتاب، وبعد أن تم كذلك تفكيك بعض المطابع الأخرى التابعة لمؤسسات الدولة، وفي هذا الإطار أصبح من الصعب جدا أن يلقى الكتاب ذلك الدعم الذي كان يلقاه في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي بوجود تلك المؤسسات والهيئات، لذلك لعل المسيرين في القطاع لا يعتبرون أن الكتاب مثله مثل الخبز والحليب، يحتاج إلى الدعم نفسه من طرف الدولة، وبالتالي فإن الدولة ملزمة ومطالبة أن تعيد النظر في سياسة دعم الكتاب ونشره وتوزيعه في الجزائر. ومن خلال هذه السياسة التي لاتزال غير كافية، فإني أرى شخصيا أن دور النشر الجزائرية التي تهتم بالكتاب الأدبي والعلمي والتاريخي والفني، هي من دون بقية دور النشر الأخرى في حاجة إلى دعم من صناديق الدولة باعتماد إجراءات، تمس بالدرجة الأولى عنصر التخفيض على الضرائب المفروضة على الناشرين. أحمد ماضي: "لم تعرف صناعة الكتاب في الجزائر تطورا إلا بعد سنة 2000" أعتقد أن حركية الكتاب بعد الاستقلال مباشرة كانت قوية خاصة سنوات ال70 وال80 وذلك راجع لتدعيم الدولة، مع العلم أن تلك الفترة كانت المؤسسة الوحيدة المتكفلة بصناعة ونشر الكتاب هي المؤسسة الوطنية للكتاب بوجود 300 إلى 400 مكتبة تابعة للمؤسسة، ولم يكن للخواص دور كبير في هذا المجال، والذين لم يكن يتجاوز عددهم 5 دور نشر من بينهم النهضة، الشهاب، دحلب والحكمة والتي كان نشاطها محدودا جدا، ومع إفلاس المؤسسة الوطنية للكتاب منحت هذه المكتبات لعمال المؤسسة بدينار رمزي ونجدها اليوم قد تحولت إلى محلات تجارية لبيع الملابس وما شابه، وإن دل ذلك على شيء فإنما يدل على واقع الكتاب في الجزائر. ثم جاءت العشرية السوداء التي قبرت فيها دور النشر بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى، لكن هذا المجال عاد وفتح الباب على نشاط الجيل الثاني من دور النشر الخواص بوجود دار القصبة، الأمة وغيرها من الدور التي منحت حركية نوعية في الساحة الثقافية، كما أن العناية الخاصة التي أولاها الرئيس بوتفليقة للكتاب خاصة سنة 2000 أعادت الاعتبار لصناعة الكتاب في الجزائر، خاصة مع سنة الجزائر في فرنسا 2003 التي عرفت الانطلاقة الحقيقية للكتاب في الجزائر، بوجود حوالي 18 إلى 20 دار نشر، وحوالي 28 عضوا في النقابة الوطنية للناشرين، ثم توالت المناسبات وارتفع عدد دور النشر إلى حوالي 70 دارا. وأشير في هذا الصدد إلى أن حركة النشر وصناعة الكتاب منذ سنة 2000 إلى اليوم كانت أفضل بكثير من السنوات التي سبقتها إن كان على مستوى النوعية والكمية، حيث توصلت دور النشر إلى نشر من 300 إلى 400 عنوان سنويا دون ذكر إصدارات المناسبات، ويمكن الحديث عن تحسن النوعية بنسبة 50 ٪ بشكل عام مع إعطاء 40٪ للمحتوى وأكثر من 70٪ للطباعة، والسبب في ذلك هو المنافسة التي أنعشت الحقل، ولو نواصل بنفس الوتيرة سنصل إلى نسبة 80٪ دون أدنى شك. لكن رغم ذلك تبقى بعض النقائص تعرقل عملية تطور صناعة الكتاب في الجزائر وذلك لغياب الإحصائيات والدراسات، وكذا التنسيق بين الناشرين ووزارة الثقافة، بالإضافة إلى ضرورة توفير الشروط اللازمة بتضافر جهور المؤلفين، الناشرين للرقي بصناعة الكتاب في الجزائر. حسان بن نعمان: "هناك تطور على مستوى بعض المؤسسات الفردية" الكتاب في الجزائر مر بالعديد من المراحل، وإن أردنا قراءة واقع الكتاب في الجزائر نقول وبكل صراحة أن المقروئية سنوات السبعينات كانت أفضل بكثير من اليوم، أما فيما يخص تطور صناعة الكتاب في الجزائر فهذا يسعي للمقارنة بما توصل إليه الغير في هذا المجال، والحقيقية أنه رغم تطور التقنيات المستعملة في هذا المجال تبقى صناعة الكتاب في الجزائر بعيدة كل البعد عن المواصفات العالمية المطلوب توفرها في الكتاب. وأعتقد أن الاهتمام بالكتاب في الجزائر لم يرق إلى الصناعة لأنه بقي مرتبطا بالهواية، ومن يهتمون بالكتاب في بلدنا هم من الهواة، وأنا أرى أن الكتاب لم يتطور لا من حيث الكمية ولا النوعية، على الرغم من الإيجابيات التي منحتها التكنولوجيات الحديثة وساهمت نوعا ما في تحسين الجانب الفني للكتاب، لكن هذا يبقى مرتبطا بتجارب فردية ولا يمكن تعميمها على أغلبية دور النشر الجزائرية. والأكيد أن ما تحتاجه صناعة الكتاب في الجزائر هو توفر الإرادة الحقيقية للعمل في هذا المجال وليس توفر التكنولوجيا، لأن ما هو مفقود هو غياب سياسة واضحة وخطة عمل منهجية وحقيقية لترقية الكتاب، إلى جانب ضرورة التركيز على التكوين في مجالات الطباعة، النشر، التوزيع وأعمال ما بعد البيع. محند سماعيل: "صناعة الكتاب في الجزائر 15 سنة وليس 50 سنة" الحقيقة أن دار الحبر حديثة النشأة لكن ما عرفته صناعة ونشر الكتاب في بلدنا لم يتغير بشكل ملفت للانتباه، لأن الكتاب في سنوات ما بعد الاستقلال كان يحسب على عاتق الدولة، فهي كانت المسؤولة عن نشر وتسويق الكتب، ودور النشر وقتها كانت تعد على الأصابع منها القصبة والشهاب وغيرها، ولم يتجاوز عددها 10 دور نشر، وهذا يدفعني إلى القول بأن صناعة الكتاب ونشره حديثة في الجزائر، وأغلبية الناشرين المتواجدين في الساحة تمرسوا في هذا المجال عن طريق الوراثة وبالنسبة إليهم هو تقليد عائلي لا غير. من جهة أخرى يجب التمييز بين الطبع والنشر، لأنهما مهنتان مختلفتان تماما استقطبتا أشخاصا من هنا وهناك لا علاقة لهم بالميدان، وذلك راجع إلى غياب التكوين المتخصص في كلا المهنتين، وعدم توفر ناشرين مؤهلين أثر سلبا على مجال طبع ونشر الكتاب في الجزائر. لكننا لا ننفي وجود بعض التطور في السنوات الأخيرة، لكنني شخصيا لست راضيا عن العمل المقدم من طرف الناشرين، وأعتقد أننا لا نزال بعيدين عما يقدمه غيرنا في الدول العربية والأجنبية خاصة منهم الجيران التوانسة والمغاربة دون الحديث عن لبنان ومصر التي تنتج كتبا بمواصفات عالمية. وبالنسبة إليّ، فإن عمر صناعة الكتاب في الجزائر ليس 50 سنة بل لا يتعدى 15 سنة، والأسباب عديدة، على رأسها الدعم الذي منحته الدولة لبعض دور النشر والذي فتح المجال أمام الانتهازيين الذين لا يعملون إلا في المناسبات، لذلك فالإحصائيات التي تقول بأن هناك 500 دار نشر خاطئة، لأن من يعمل منها حقيقة يعد على الأصابع، وعليه فبرنامج الدولة استقطب دخلاء يفضلون العمل تحت لواء وزارة الثقافة لا غير، لذلك أعتقد أن الدعم الحقيقي الذي يجب أن تقدمه الدولة للناشرين يجب أن ينصب على التكوين في جميع مجالات الكتاب، بالإضافة إلى غياب السلسلة المكونة من الطبع، النشر، التوزيع، الدعاية وأعمال ما بعد البيع التي تمكن وصول كتب ذات نوعية للقارئ.