أعدت الجزائر ونظمت، فأبدعت ونجحت في إقامة الألعاب المتوسطية، التي تعد الحدث الأبرز في السنة المنقضية 2022، نظير ما حققته من إنجازات، لاسيما أن الدولة الجزائرية راهنت على إنجاح هذا الحدث الرياضي المهم، والمعول عليه في نقل صورة جميلة عن الجزائر دولة وشعبا، وترك أثر طيب وسط الوفود الأجنبية والسياح، وإبراز الإمكانات الاقتصادية والسياحية للبلاد، وتمهيد الطريق للانخراط في مشاريع مستقبلية، دون الاكتراث للمحاولات المتكررة في سبيل التقليل من العزائم وإحباط المعنويات والتشكيك في القدرات، وتشويه سمعة البلاد لدى الهيئات الرياضية الدولية. هذا الإنجاز الكبير، تبعه قرار رئاسي، يلح على ضرورة مرافقة والتكفل بالرياضيين، تحسبا للمواعيد المقبلة، في مقدمتها أولمبياد باريس 2024. في المقابل، شكل غياب المنتخب الوطني لكرة القدم عن مونديال قطر 2022، صدمة في الوسط الرياضي، خصوصا أن الجماهير كانت تترقب مشاركة "محاربي الصحراء" المتوجين ببطولة إفريقيا وكأس العرب، إلى العرس المونديالي. دورة ناجحة بكل المقاييس تعد الطبعة 19 لألعاب البحر الأبيض المتوسط، التي احتضنتها وهران من 25 جوان إلى 5 جويلية الماضيين، الحدث الأبرز على الساحة الرياضية الجزائرية خلال سنة 2022، والذي حققت فيه النخبة الوطنية أكبر حصيلة في تاريخ الألعاب، بحصد مجموع 53 ميدالية، منها 20 ذهبية، 17 فضية و16 برونزية. فعلى الصعيد الرياضي، عجت قاعات وميادين وهران بخيرة الرياضيين المتواجدين في الحوض المتوسطي، تنافسوا طيلة أسبوعين من الزمن، على تحقيق نتائج ترقى إلى طموحات بلدانها، مثلما كان الشأن بالنسبة للبعثة الإيطالية، التي تربعت على الترتيب العام للألعاب بمجموع 159 ميدالية (48 ذهبية، 50 فضية، 61 برونزية)، متقدمة تركيا ب108 ميدالية (45 ذهبية، 26 فضية، 37 برونزية)، وفرنسا بمجموع 81 ميدالية (21 ذهبية، 24 فضية، 36 برونزية). وبحصاد قوامه 53 ميدالية (20 ذهبية، 17 فضية، 16 برونزية)، أنهت الجزائر الدورة في الصف الرابع، محققة أحسن حصيلة في تاريخ مشاركتها في هذا الحدث الرياضي، ماحية بذلك خيبة دورة 2002 بتونس، والتي اكتفت خلالها برصيد 32 ميدالية (10 ذهبيات، 10 فضيات و12 برونزية). وعليه، ستبقى المشاركة 15 للجزائر في الطبعة 19 للألعاب المتوسطية "الأحسن على الإطلاق وعالقة في أذهان الرياضيين الجزائريين"، سواء منهم الذكور ب38 ميدالية (13 ذهبية، 14 فضية، 11 برونزية) أو الإناث ب15 ميدالية (7 ذهبيات، 3 فضيات، 5 برونزيات). رهان ناجح أيضا في جوانب أخرى لعل ما ساهم أيضا، بشكل كبير، في إنجاح طبعة وهران التي جمعت خيرة رياضيي الحوض المتوسطي، التنظيم الذي كان بمثابة تحدٍ كبير للجزائر، ومنحها درجة "مبهر" إلى حد بعيد، بشهادة الحاضرين، بفضل الإمكانيات البشرية والمادية الهائلة التي سخرتها الدولة، من أجل ضمان نجاح منافسة غابت الجزائر عن تنظيمها منذ عام 1975، تاريخ احتضانها الطبعة السابعة. فبعد تأجيلها بسنة واحدة، بسبب تداعيات فيروس (كورونا) "كوفيد-19"، عرفت ألعاب وهران التي جند لها 4 آلاف متطوع من مختلف الفئات العمرية، مشاركة 5 آلاف فرد بين رياضي ومرافق، مثلوا 26 دولة وتنافسوا في 24 اختصاص. ومن الأمور التي عكست بحق نجاح الدورة، التغطية الإعلامية الكبيرة والمميزة لجميع فعالياتها، حيث عرفت اعتماد 2000 صحفي، منهم 1596 ممثل للصحافة الوطنية بمختلف أشكالها (مكتوبة ومرئية وإلكترونية) و472 ممثل عن الصحافة الأجنبية. عموما، ومهما تباينت التقييمات الخاصة بالنتائج، فإن المؤكد أن الطبعة 19 من الدورة المتوسطية، كانت ناجحة على جميع المستويات، وكانت بحق فرصة لكل المشاركين فيها للتعرف عن قرب على القدرات التنظيمية للجزائر، بشهادة الداني والقاصي، وأهم من هذا وذاك، كشفت عن لحمة جزائرية خالصة منقطعة النظير، بعد تبني سكان وهران للحدث بطريقة عفوية، جعلتهم يشعرون بإلزامية المشاركة في إنجاح هذه التظاهرة الكبرى. وبفضل هذا النجاح الذي رافقه بروز أبطال جدد، يحق للجزائر اليوم، الطموح في تحقيق نتائج أحسن في المواعيد التنافسية المقبلة، أبرزها الألعاب الأولمبية بباريس 2024. على المستوى التنظيمي، سمح الموعد للجزائر بترسيخ خبراتها في الميدان، وهي تستعد لتأكيد ذلك في بطولة الأمم الأفريقية للاعبين المحليين لكرة القدم، التي ستنظمها في جانفي، حيث سيكون من الضروري عدم إهمال أي تفصيل، لأن نجاح الدورة تمكن الجزائر من تدعيم ملفاتها وأحقيتها في استضافة أحداث هامة مستقبلية، بما في ذلك كأس إفريقيا للأمم 2025. ضرورة مرافقة والتكفل بالرياضيين بعد النتائج المحققة بامتياز في الاستحقاق المتوسطي، أكد رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، على ضرورة التكفل بالرياضيين أصحاب القدرات والمؤهلات، ومرافقتهم تحسبا للألعاب الأولمبية المقبلة بباريس 2024. أوضح الرئيس تبون، أنه طلب من وزير الشباب والرياضة، إبلاغ الاتحاديات الرياضية بضرورة التكفل بكل الرياضيين الذين شاركوا في الألعاب المتوسطية ولهم قدرات، مع مرافقتهم في تحضيراتهم سواء داخل الوطن أو خارجه، وبالشكل اللازم، بتكفل من الدولة "حتى نشكل نخبة وطنية نتباهى بها عالميا". وبعد نجاحها في تنظيم ألعاب البحر الأبيض المتوسط، التي احتضنتها مدينة وهران، أكد رئيس الجمهورية أن "الجزائر باتت جاهزة لاحتضان منافسات إقليمية وحتى عالمية"، نظرا لتوفر المرافق ومراكز الإيواء، مشيرا إلى ضرورة تحسين أداء الفدراليات ومستوى الرياضيين الذي يتأتى بالمشاركة في تربصات وتكثيف التحضيرات". وشدد الرئيس تبون على ضرورة بناء مرافق رياضية أخرى، بالأخص في مدن شرق البلاد وجنوبها. كل الآمال معلقة على المنتخب المحلي.. ماذا بعد خيبات 2022؟ شهد عام 2022، فشلا ذريعا للمنتخب الوطني بمختلف فئاته، وهو ما أثار غضب وقلق الجماهير الجزائرية، التي كانت ترى أن تتويج "الخضر" بلقب كأس أمم أفريقيا 2019 في مصر، ما هو إلا فاتحة خير لما هو قادم من إنجازات. وبدأ الإخفاق مع المنتخب الأول بقيادة جمال بلماضي، بعد الخروج من الدور الأول لكأس أمم أفريقيا في جانفي الماضي. فرغم أن رفقاء رياض محرز دخلوا المنافسة وهم حاملو اللقب، إلا أنهم قدموا مردودا كارثيا في مجموعتهم، أعقبه خروج دراماتيكي، من سباق التأهل لبطولة كأس العالم 2022 أمام المنتخب الكامروني. تجسد الفشل كذلك، في المنتخب الأولمبي مع المدرب نور الدين ولد علي، إذ لم تنجح فئة أقل من 23 عاما في التأهل لكأس أمم أفريقيا، والمؤهلة كذلك لأولمبياد باريس 2024، وخرجت في الدور التمهيدي أمام منتخب الكونغو الديمقراطية، الذي فاز ذهابا في كينشاسا (4 – 1)، ورغم المشاكل العويصة التي واجهت منتخب الفهود، قبل رحلة الجزائر للعب مباراة الإياب، إلا أن الخضر لم يستطيعوا استغلال ذلك وقلْب الطاولة لصالحهم. لم يسلم كذلك منتخب أقل من 20 سنة، من الفشل خلال العام الحالي، إذ قبل أيام قليلة بصمت هذه التشكيلة التي يدربها محمد لاسات، على مردود كارثي في بطولة شمال أفريقيا، التي جرت في مصر، وتعتبر مؤهلة لكأس أفريقيا لنفس الفئة، وكان ذلك بتعادل أمام ليبيا وخسارة ضد المغرب وتعادل آخر أمام تونس، وهو إخفاق آخر يضاف لكثير من الإخفاقات التي حققتها هذه الفئة في منافسات أخرى. قبل ذلك، كان منتخب الجزائر لأقل من 18 عاما، قد خيب آمال الجماهير في بطولة ألعاب البحر الأبيض المتوسط، التي احتضنتها مدينة وهران في جوان الماضي، حيث لم ينجح شباب "الخضر" في التأهل للدور الثاني على الأقل، رغم البداية القوية بفوز على المنتخب الإسباني، لكن لاعبي المدرب مراد سلاطني، لم يفلحوا في تحقيق ذلك أمام المنتخبين المغربي والفرنسي. من جانبه، لم يستطع منتخب الجزائر للسيدات كذلك، التأهل لكأس أمم أفريقيا، التي لعبت هذا العام بالمغرب، بخسارة لاعبات الخضر لتأشيرة التأهل أمام نظيراتهن من جنوب أفريقيا، بخسارة ذهابا في جوهانسبورغ، وتعادل داخل الديار لم يكن كافيا لاقتطاع ورقة المرور للعرس القاري. وكان الاستثناء الوحيد في 2022 بالنسبة للمنتخبات الجزائرية، متمثلا في منتخب أقل من 17 عاما، حيث نجح لاعبو زرقي رمان في الفوز ببطولة كأس العرب التي جرت في الجزائر قبل شهرين، وكان اللقب الأول لهذه الفئة، ما يحفظ على الأقل ماء وجه منتخبات الخضر لهذا العام. يبقى المنتخب الجزائري المحلي كذلك، شمعة أمل لما هو قادم، عطفا على النتائج المميزة التي يحققها محاربو المدرب مجيد بوقرة، بانتصارات متتالية في اللقاءات الودية، قبل استضافة الجزائر لبطولة كأس أمم أفريقيا "شان"، مطلع العام المقبل، وكل الآمال معلقة على "الماجيك" لقيادة "الخضر"، والتتويج بهذا اللقب الأول من نوعه، مثلما كان الحال في كأس العرب 2021 في قطر. * فروجة. ن مع تسليم عدة ملاعب.. الجزائر ترمي بثقلها لاحتضان "كان" 2025 يعد إيداع الجزائر في ختام سنة 2022، ملف الترشح لاحتضان كأس أمم أفريقيا 2025، على مستوى الاتحاد الأفريقي لكرة القدم، حدثا بارزا سبقه تحضير جيد، مثلما أكد عليه وزير الشباب والرياضة، عبد الرزاق سبقاق، قائلا "لدينا ملف قوي"، من المنتظر أن تدافع عنه الهيئات المكلفة بذلك، لنيل فرصة احتضان هذا الحدث الأفريقي، خصوصا أمام المنافسة القوية، من بلدان أخرى. استعدت الجزائر من كل الجوانب، خاصة فيما يتعلق بالإسراع في إنهاء أشغال الملاعب الجديدة، التي من المنتظر أن يسلم بعضها، قبل إسدال الستار على سنة 2022، منها ملعب براقي، الذي سيحمل اسم الزعيم جنوب الأفريقي الراحل نيلسون مانديلا، وينتظر التدشين قريبا، وكذا ملعب الدويرة، الذي ينتظر إنهاء الأشغال به، وملاعب وهران، عنابة، و"تشاكر"، التي ستخضع لآخر الرتوشات قبل الموعد القاري، مع وضع ملعبي تيزي وزو الجديد و«5 جويلية" في الاحتياط، في انتظار الكشف عن البرنامج التنظيمي الخاص بالموعد القاري، الذي سيستوحى من تنظيم الجزائر لألعاب البحر الأبيض المتوسط، أو كأس إفريقيا للمحليين، شهر جانفي المقبل. * ط. ب