❊ عضو فريق الإنقاذ بالهلال الأحمر: "تمكنا من إنقاذ حياة طفلة صغيرة والحمد لله على نعمة الجزائر" ❊ العقيد بوشريفي: "شرف لنا مساندة إخواننا السوريين" ❊ عائلات سورية تودع فرق الإنقاذ وتغرقها بالهدايا عادت، أمس، فرق الإنقاذ الجزائرية التي شرفت الراية الوطنية على الأراضي السورية، بعد أن ساهمت في انتشال 34 متوفى وإنقاذ شخص من الموت، بعد أسبوع من العمل المتواصل إثر الزلزال المدمر الذي ضرب منطقتي بستان القصر وحي الصالحين بمحافظة حلب في شمال سوريا. كانت الساعة تشير إلى الواحدة والنصف زوالا، عندما حطت طائرة القوات الجوية الجزائرية على أرضية مطار بوفاريك العسكري، وعلى متنها أبطال الجزائر الذين لم يتردّدوا في تلبية نداء الأشقاء السوريين، بعد تعرض بلادهم لزلزال مدمّر خلّف خسائر كبيرة في الأرواح والممتلكات. بخطى متثاقلة وعلامات التعب الشديد البادية على وجوههم، نزل أفراد فرق الإنقاذ من الطائرة، من أفراد الجيش الشعبي الوطني والحماية المدنية والهلال الأحمر، ورغم قلة النوم الذي أقسموا على تطليقه من أجل إنقاذ الأرواح، إلا أن البسمة لم تفارق محياهم، بعد عودتهم سالمين إلى أرض الوطن، واستكمالهم بنجاح مهمتهم الإنسانية التي كلفهم بها القاضي الأول للبلاد السيد عبد المجيد تبون، الذي لم يتردد في الوقوف إلى جانب دولة سوريا الشقيقة وشعبها ومدّ يد العون والمساعدة لها، للتخفيف من آثار هذه المأساة الأليمة، لتكون النتيجة مشرّفة باعتراف كبار الدول والهيئات العالمية. ورغم هول الكارثة إلا أنّ أبطال الجزائر واصلوا العمل، بكل احترافية ومسؤولية، وهذا ما جعل محافظ مدينة حلب يقوم بزيارتهم وشكرهم على المجهودات الكبيرة التي قاموا بها، خاصة وأنّ فريق الحماية المدنية الجزائرية اعتمد على تقنيات ووسائل بحث بمعايير عالمية التي تشترطها المجموعة الاستشارية الدولية للبحث والإنقاذ، وحائز على شارة دولية من منظمة الأممالمتحدة. الحمد لله على نعمة الجزائر قال عضو فصيلة البحث والإنقاذ بالهلال الأحمر الجزائري، السيد أحمد عيادي، خلال حديثه إلى "المساء"، إنه نال شرف الوقوف إلى جانب الأشقاء في سوريا، ومساندتهم في محنتهم، رغم الظروف الصعبة التي تمر بها بلاد الشام، إلا أنه سعد كثيرا بتواجده ضمن فريق الإنقاذ الذي أوفده الرئيس الأسبوع الماضي وتمكنه من إنقاذ طفلة صغيرة لم يتجاوز سنها سنتين. وأضاف وقد اغرورقت عيناه عندما استعاد ذكرى تلك الصبية ووجهها المبتسم بعد أن وصل إلى مكان تواجدها تحت الأنقاض، "إننا عندما وصلنا سوريا، وقفنا على حجم الدمار الذي لحق بها جراء الكارثة الطبيعية، فلا ماء ولا كهرباء، والخراب في كل مكان، والموت يحيط بنا، وكل هزة ارتدادية قد تكون قاتلة لمن هم تحت الأنقاض" ولنا أيضا. يصمت أحمد عيادي لبرهة، ربما لحظة مرور صور تلك المأساة التي ستبقى دون شك في مخيلته، "لقد غادرت الجزائر وودعت عائلتي الوداع الأخير، وفي خلدي، أنني لن ألقاهم مرة أخرى لعلمي بما ينتظرني من مخاطر مثل هذه المهمات، ولكن الواجب غلب عواطفي، وطبيعة مهمتي الإنسانية كانت أقوى من كل الاعتبارات الأخرى، وهو شعور يمر به كل رجل إنقاذ قطع العهد على نفسه بأن لا يبخل أبدا في تقديم النجدة لكل من يستغيث به. ثم صمت ثانية وبنظرات شاردة، استرسل السيد عيادي يقول "كنا نسمع كلمة "عمو أنقذني"، "أخي ساعدني"، ولكن أكثر ما شدني يبقى دون شك نداء تلك الصبية التي وجدت نفسها مطوقة بين أنقاض بناية في منطقة المشارقة التي يوجد أسفلها نهر، ما صعب مهمة إنقاذها، ولكن توسلاتها بصوت خافت وهي تنادي لعل هناك من يسمعها لم يترك لي أي خيار سوى المخاطرة. ففي كل مرة كانت تكرر استغاثتها كلما ارتسمت بين عيني، صورة ابنتي التي كانت دافعا لي لأبدأ مهمتي وقطعت عهدا على نفسي أن أنقذها مهما كلفني ذلك. ورغم أن الجو كان باردا "سيبيري"، حيث نزلت درجات الحرارة تحت عتبة 8 درجات تحت الصفر إلا أنني حملت مجرفتي وتوكلت على رب العالمين، وبدأت أشق طريقي بين الأنقاض إلى أن تمكنت بعد أربع ساعات من تحديد مكان الصبية وأخرجتها بحمد الله سالمة غانمة. وأنا أتابع تصريحه وهو مسترسل في نقل حيثيات العملية وبأدق التفاصيل، أدركت أن الحادثة تركت بصمتها في قلبه ومخيلته وأن صورة تلك الطفلة تبقى راسخة بين عينيه، كيف لا وقد أنقذ نفسا من موت محقّق. وهو ما عبر عنه في ختام تصريحه عندما أكد بقوله: "مهما كانت الكلمات التي استعملها فلن أقدر على وصف ذلك الشعور والفرحة العارمة تغمرني عندما رأيتها تعانق أمها ودموع الفرحة على وجوه كل من انتظرونا وقد اجتمعت العائلة من جديد". وعرفانا من هذه البراءة على هذا الجميل وهو واجب بالنسبة للسيد عيادي، جاءت الطفلة وعائلتها لوداعنا ولم يكتفوا بذلك بل أغرقونا بالهدايا عرفانا منهم لإنقاذنا حياتهم. وبقدر حجم السعادة التي شعر بها وهو يخرج تلك الصبية الحلبية إلا أن تجربة السيد عيادي بسوريا تركته يحتفظ أيضا بذكرى حزينة لم يتمكن التخلص منها، وكيف له ذلك والأمر يتعلق بصورة سيدة سورية قضت نحبها وهي تحمل أطفالها بين يديها ضمن مشهد حزين ومؤثر ولكن إرادة الله فوق كل شيء. ولم يفوت الفرصة ليصرح ل "المساء" بقوله "إنني عندما غادرت الجزائر وعدت إليها شكرت الله على نعمة العيش فيها". "أنقذنا عديد الأرواح بتوفيق من الله" أما الرائد عبد النور سعادو، نائب قائد فرقة البحث والإنقاذ لفوج هيفي الجزائر، فأكد من جهته أنها ليست مهمتهم الأولى في الكوارث، مشيرا إلى أن الحماية المدنية الجزائرية حائزة على الشارة الدولية في 2017، من الأممالمتحدة، ما أهلها لتسجل حضورها بقوة في سوريا الشقيقة. وقال في حديثه ل"المساء" رغم ملاحم التعب البادية على محياه، إنه قبل رحيله ودّع عائلته وأطفاله الخمسة، ملبيا نداء الواجب ليواصل الرسالة النبيلة المحفوفة بالأخطار، إلا أن فوج الحماية باحترافيته ومهنتيه الكبيرة من حيث احترام معايير السلامة، عاد سالما بكل أفراده وأدى مهامه على أكمل وجه. وأكد الرائد سعادو، أن العمل في سوريا كان يتم بتنسيق محكم بين كل أفراد الفوج المكوّن من 86 فردا، إذ بمجرد أن وطأت أقدامهم المناطق المنكوبة، باشر عناصر الفريق عملهم، رغم الظروف الصعبة، "إلا أن إنقاذ الأرواح كان هدفنا، فكنا نبكي تارة ونفرح تارة أخرى، فمع كل جثة نتألم لأن المصاب الجلل صعب، فقد كانت الافواج تعمل من دون توقف من خلال فرق مناوبة كل ست ساعات، والحمد لله تمكنت فرقنا من إحداث الفارق والإشادة كانت دولية. رئيس بعثة الحماية المدنية: "شرف لنا مساندة إخواننا السوريين" أما رئيس البعثة الجزائرية، المقدم ناصر بوشريفي، فأكد أن أفراد الجيش والحماية المدنية وكذا الهلال الأحمر، كانوا أول من لبّوا نداء الاستغاثة الذي أطلقه الرئيس السوري بشار الأسد، إذ لم يكتف الرئيس عبد المجيد تبون، بعبارات المواساة والتضامن مع الشعب الشقيق، بل سارع لأن يكون أفراد الحماية المدنية الجزائرية، بمكان الكارثة لتخفيف الأضرار، وإنقاذ أكبر قدر من الأرواح من هلاك محتوم. وقال المقدم، إن الرئيس تبون أمر بإرسال فريق من الحماية المدنية لمساعدة الأشقاء في سوريا، وفرقة أخرى إلى تركيا، وبالفعل توجّه فريق مكوّن من 86 عونا بمختلف الرتب، وصل مدينة حلب الأسبوع الماضي، وبمجرد وصولنا اجتمعنا مع السلطات المحلية، من أجل رسم خريطة طريق للانطلاق في العمل، لنتوجه بعد ذلك مباشرة إلى المناطق المنكوبة، حيث كانت فرقة الحماية المدنية الجزائرية، تتكون من الفرق المعنية بالإنقاذ والبحث وعلى رأسها الفرقة "السينو تقنية" المعززة بالكلاب المدربة، وأطباء وأخصائيين نفسانيين وأعوان شبه طبيين، وفرقة مختصة في المواد الكيماوية. وأضاف أنه في أول تدخل لفريق "السينو تقنية" التابع للحماية المدنية بقصر البستان بحلب، تم انتشال جثة امرأة من تحت الأنقاض وإنقاذ رجل تم إخراجه حيا يرزق. وذكر المقدم أن فريق الحماية المدنية وجد كل التسهيلات من الأشقاء في سوريا، حيث قدموا لفريق الإنقاذ، كل المعلومات حول المنطقة المتضررة، كما طلبنا السلطات المحلية في سوريا، أن لا تتحمل أي أعباء، مؤكدا أن الفريق الجزائري يتمتع باستقلاليته في الأكل والشرب والمبيت وحتى الغاز والكهرباء، وكان له مؤونة كافية. بدوره، نوّه الملازم الأول يوسف عبدات، المكلف بالإعلام على مستوى الوفد، بروح المسؤولية التي تحلى بها كل عنصر من عناصر الحماية المدنية خلال هذه المهمة النبيلة. أما النقيب نسيم برناوي، المكلف بالإعلام على مستوى المديرية العامة للحماية المدنية، فأكد أن فريق البحث والإنقاذ أدى مهمته على أكمل وجه طوال المدة التي قضاها بمدينة حلب المنكوبة، وأثبت جدارته في مثل هذه الظروف وكان في مستوى السمعة والتجربة الكبيرة التي اكتسبها في مجال التدخل أثناء الكوارث الطبيعية. الحماية المدنية.. الفريق الذي وصل حلب قبل أولِ هزة ارتدادية وخلال حديث "المساء" إلى بعض أعضاء فريق الحماية المدنية، الذين كانوا متواجدين بالقاعة الشرفية لمطار بوفاريك العسكري، جدّدوا التزامهم بالوقوف إلى جانب الأشقاء السوريين متى استدعت الحاجة إلى ذلك، مؤكدين أن ما قامت به الجزائر هو شرف يضاف إلى تاريخها الحافل بالمواقف التاريخية، إذ لن تتوانى أبدا في تقديم الدعم لكل من يحتاجها. وأضافوا أنهم رغم الصعوبات لم يقصّروا أبدا في أداء صلاتهم، لأن الموت كانت تحيط بهم في كل دقيقة، وكل ثانية قد تكون قاتلة لشخص تحت الأنقاض، ينتظر يد المساعدة.