لاتزال بعض العائلات الأوراسية متمسكة بتقاليد تحضير أطباق رمضان والمحافظة عليها، حيث لا يقتصر الشهر على إعداد الأطباق المميزة التي ورثت على مر الأزمان، من جيل إلى جيل، بل يعد شهر الصيام فرصة لاجتماع أفراد العائلات على طاولات الإفطار، إلى جانب تبادل الزيارات بين الأهل للسمر. تتميز المرأة الشاوية في إعداد الكثير من الأطباق التقليدية خلال الشهر الفضيل، على غرار تحضير الشوربة بنوعيها "المرمز" و"الفريك" ، أي من مادتي القمح أو الشعير، وهي عادة من عادات سكان المنطقة الموروثة أبا عن جد، حيث تطهى في أوان نحاسية أو مصنوعة من الطين، على نيران الحطب، وما يزيدها لذة؛ جودة التوابل التي تضيفها أنامل المرأة الشاوية، حسب الاختيار، وتحضر بالفلفل الحار. استحضرت السيدة نادية زردومي، المختصة في إعداد الأطباق التقليدية، في حديث خصت به "المساء"، نماذج لعادات رمضان في تحضير مائدة الإفطار، بإعداد ''الرفيس التونسي''، و«الزيراوي" و"خبز الدار" الذي يلازم صحن "شوربة فريك". وقد تفننت نادية في تحضير أشهى الأطباق التقليدية، التي يرتبط اسمها بمختلف المناسبات، على غرار المولد النبوي الشريف والسنة الهجرية والسنة الأمازيغية وشهر رمضان، وهي المعروفة عبر مختلف ولايات الوطن، غير أن طريقة تحضيرها تختلف نوعا ما من ولاية إلى أخرى، من حيث المكونات والطعم، منها التي تفننت في إعداد أطباق "الشرشم"، "الشخشوخة"، "الزيراوي"، "العيش" و"البراج" وكذا كسرة الشعير "الحرشاية". أضافت نادية زوردومي، أن هناك أنواع عديدة من "الشخشوخة"، أهمها "شخشوخة لمسمن"، وتعدها بعض العائلات خلال الشهر الفضيل، خاصة في فصل البرد، وهي كسرة تحضر بالماء والملح وتهرس مباشرة بعد طهيها في طاجين مصنوع من مادة الطين، على خلاف "لمسمن" الذي يحضر فوق" طاجين" من حديد، ثم تهرس الكسرة في مهراس نحاسي أو آخر مصنوع من مادة الخشب، وتقطع إلى أجزاء صغيرة، ثم تقدم بمرق "الخليع". ولا تخلو هذه الأطباق من مادة الدهان الحار الذي يزيد من ذوقها المميز. ركزت محدثتنا على أهم العادات التي تتميز بها المنطقة، وما زالت تمارس إلى يومنا هذا، تحضيرا لشهر رمضان المعظم، وهي عادة تنظيف البيوت بصفة كلية، مع طلائها وترميمها، وهي العادة التي لا تقتصر فقط على منطقة الأوراس. إلى جانب تغيير أواني الطبخ، والتركيز على الأواني الفخارية، ومنها القدر المصنوع من الفخار، الذي يستعمل في تحضير طبق الشوربة، لأنه يعطيها نكهة خاصة. كما تتميز باتنة، حسب ذات المتحدثة، بإقامة عادة "التويزة" الخاصة بالنساء لفتل الكسكسي، والذي تأخذ منه وجبة السحور، سواء في شكل طبق "المسفوف" أو الكسكسى المسقى باللبن أو الحليب، وهي عادة توراثها أهل المنطقة عن الأجداد، والمتمعن لها يجدها اقتصادية وصحية بدرجة كبيرة. كما تقوم المرأة الشاوية، حسب المتحدثة، باختيار التوابل والأعشاب المعطرة لاستعمالها طوال الشهر الفضيل، بالاعتماد على بعض المواد الغذائية المدخرة منذ فصل الشتاء، لصناعة عدة أطباق، من بين هذه المواد؛ الزبيب، المكسرات، المشمش المجفف، الفلفل المطحون أو ما يسمي ب"البوفجوخ" والهريسة. حرصت السيدة زردومي، على أن تولى عادات المنطقة في الشهر الفضيل، بالاهتمام اللازم، خاصة بهذا النوع من التراث، وتكثيف العمل والجهود والتنسيق مع الإعلام، للحفاظ على هذه العادات المميزة لتراثنا الأصيل، والآخذة في الاندثار، بسبب تغير النمط المعيشي وحلول العائلة الصغيرة مكان الكبيرة، مؤكدة في السياق، على الفائدة الصحية والاقتصادية للأطباق التقليدية.