يحتل التراث حيّزا ثقيلا وكبيرا في برنامج التظاهرة الإفريقية التي تستقبلها الجزائر في الفترة الممتدة من 5 إلى 20 جويلية القادم، إذ ستجسده المعارض الضخمة التي تتربع على مساحة لا تقل عن 12 ألف متر مربع وستقدم فيها روح إفريقيا وتحفها وكنوزها النادرة التي تعكس هويتها الضاربة في الماضي السحيق. لأجل هذا الحدث الضخم تقام التحضيرات حاليا بالتنسيق مع الخبراء الأفارقة لتكون الجزائر وبدون أي منافس قبلة الثقافة الإفريقية لثاني مرة بعد الأولى التي جرت قبل أربعين عاما. سطّر برنامج مكثف وثري على شرف الوجوه التي تصنع الحدث في الفضاء الثقافي الإفريقي والعالمي. وتجعل هذا التجمع الإفريقي بحق عرسا للقارة السمراء، المهرجان فرصة لإبراز التنوع والثراء الثقافي لشعوب القارة وابداعاتها في كل مجالات الثقافة والفنون وبالتالي المساهمة بكل ماهو ابداع في هذه التظاهرة التي هي لحن يشترك أبناء القارة في عزفه.
من قيد العبودية إلى التحرير قبل أربعين سنة احتضنت الجزائر المهرجان الثقافي الأول وكان ذلك في السنوات الأولى لاستقلالها بينما كانت أغلب شقيقاتها من البلدان الافريقية لا تزال تئن تحت وطأة الاستعمار، مع ذلك كانت هذه السمراء واقفة تتقدم نحو قدرها في نيل سيادتها، وهكذا تحول مهرجان الجزائر في 1969 إلى ملتقى لكبريات الحركت السياسية التقدمية وللتيارات الفنية التحررية في إفريقيا التي فرضت نماذج جمالية وفنا متحركا متحررا من الوثنية ومن تلك التشكيلات الساكنة للمتاحف الأثنوغرافية في الغرب. تحل سنة 2009 لتبرز فيها إفريقيا على الساحة الجيوسياسية الدولية وعلى الصعيد الفني العالمي، وتبرز أكثر نظرية الهويات المتداخلة لافريقيا، وليسمع بنفس الروح غناء مريم ماكيبا على الرغم من رحيلها عن هذا العالم. إنها إفريقيا التي تبني نفسها من الشمال الى الجنوب، قارة أصبح فيها تراثا عالميا يلهم التيارات الطلائعية للفن التشكيلي والمسرح والموسيقى والأدب والرقص والفن المعماري والموضة. توجد أولى آثار البشرية في إفريقيا، فكل ربع من ربوعها يزخر بصور جمالية وفنون لا يزال التساءل قائما عن سرها، وثقافاتها لا تزال همزة وصل بين الماضي والحاضر، كما أنها لا تزال بمثابة محرك للثقافات الثورية والتحررية التي أبهرت الانسانية في القرن العشرين. تم الاعتراف بخصوصية الفن الإفريقي وشموليته مؤخرا بعدما كان مجرد مادة للدراسات العرقية والذي كان أيضا حبيس صورة غربية وأوربية منغلقة تعتبر أفريقيا مجرد مجتمعات حبيسة تقاليد وخرافات بالية.
معارض مفتوحة على الجمال والهوية تتضمن المعارض التي ستقام في هذا المهرجان، التراث الإفريقي المادي منه وغير المادي وكلها تهدف إلى تقديم الشخصية الإفريقية دون تشويه أومزايدة وسيكون العنوان الرئيسي لهذه المعارض "دورة الحياة" بعناوين فرعية هي معارض "الميلاد"، "الحياة" و"الموت"، وتتم عملية نقل محتويات هذه المعارض في غاية الأمان بالتنسيق مع الحكومات الإفريقية وبحضور خبراء الدول العارضة. وليستفيد الجمهور الجزائري بأكبر قدر ممكن سيتم تجسيد هذه المعارض في دليل خاص كتاريخ لهذه المناسبة، كما سيتم مد المعارض إلى غاية 20 أوت 2009 كقرار استثنائي. المعارض الضخمة التي سيحتضنها قصر المعارض وستخصص لها ولأول مرة مساحة 12 ألف متر مربع وستكون محتويات المعارض ذات جانبين، الأول خاص ب "الفنون القديمة"، والثاني عن "التحف" والمقدرة ب 18 تحفة، وهي لا تقتصر بالضرورة على بلد واحد بل قد تشترك أكثر من دولة في تحفة واحدة كما هو الحال مع السينغال وغامبيا. كل هذه المعارض تكون جماعية بعيدا عن الشكل النمطي الذي يعرض على كل دولة عرضا خاصا بها بل إن معظم المشاركين يساهمون في معرض واحد بموضوع واحد مختار. للإشارة يتضمن برنامج المعارض الخاصة بالتراث غير المادي العادات والتقاليد والتعبير الشفهي، واللغة، الفنون الاستعراضية، المماراسات الإجتماعية، والاحتفالات الشعبية، المهارات، الحرف التقليدية، الموسيقى، الحركات الجسدية، الرقص، العروض العلمية والتقنية وكذا الشعائر الدينية. كما ستستخدم تقنيات العرض خاصة بالفيديو لابراز التحف.
رموز وقيم لم يطلها التغيير ضمن برنامج هذه المعارض الخاصة بالتراث غير المادي نجد "أهليل" وهو نوع شعري وغنائي من ال?رارة بغرداية والذي تشارك به الجزائر ويمارس هذا النوع في المناسبات والاحتفالات الجماعية. وتشارك البنين ونيجيريا والطوغو مثلا بتراث خاص يعود إلى قرن من الزمن تمجد فيه "الأم الأصل" "ليانلا" وهو دور تأديه النساء، كما تقام له رقصات بأقنعة مزخرفة وغناء بلهجة "يوروبا" العاكسة لتراث شعب "يوروبا نا?و". وتشارك مصر بالسيرة الهلالية وهي شعر شعبي شفوي يحكي قصة قبيلة بدوية هي بنو هلال وسيرة هجرتها في القرن ال 10 من الجزيرة إلى إفريقيا الشمالية ولا تزال هذه السير تغنى مرفوقة بآلة الربابة. تظهر مدغشقر مثلا من خلال حرفة صناعة الخشب أو"زافيمانيري" وهي فئة برعت في صناعة الخشب لتصبح صناعتها أساس نهضتها في الحياة وحتى في مظاهر الموت والفناء. مالاوي ستحضر ب "فيمبوزا" أو"رقصة الشفاء" والتي تظهر في تظاهرة "ن?وما" وهي طقوس لجلب الشفاء وأغلبية ممارسيها من النساء العليلات (خاصة النفسية)، وتقوم النساء من الأمهات بصنع دائرة تضع داخلها المرأة المريضة وتقوم بالغناء لطرد الأرواح الشريرة. شوهكذا الحال مع باقي المشاركين الذين يقدم كل واحد منهم تراث منطقته.