أكّد الأمين العام للجمعية العربية لعلم الاجتماع الأستاذ الفلسطيني محمد نعيم فرحات أنّ الجزائر تقوم في الأزمنة الراهنة بإعادة إنتاج دورها وحضورها السياسي الوازن في محيطها القريب والبعيد، وتفصح عن خيارات منسجمة مع منطلقاتها الثقافية المستقرة، وتعطى تعبيراتها الملائمة عن التكاتف والتعاون والتضامن والمصالح المشتركة القائمة على أساس الاحترام. وأضاف الأستاذ نعيم في محاضرته الموسومة ب"كيف قاومت الثقافة وصاغت مقولاتها، قراءة في التجربة الجزائرية المعاصرة"، خلال الجلسة الافتتاحية للملتقى الدولي "المقاومة الثقافية في الجزائر خلال الثورة التحريرية، نضال من أجل التحرّر"، أنّ قدرة الجزائر أن تظل عند خيارات سياسية مبنية على أساس ثقافي متين مختلف ومتفوّق، تجعل منها سندا استراتيجيا في ذاتها وفي عالمها والتزاماتها وخياراتها وهو ما يتيح أن يكون لموقفها وصوتها، مدى وصدى مسموع، سواء في محيطها الحميم أو البعيد. واستطرد "تواصل هذا الموقف عند الجزائر في كلّ المراحل اللاحقة بعد الرئيسين بن بلة وهواري بومدين، وصولا لحقبة زعامة الرئيس عبد المجيد تبون التي تأتي في لحظة بالغة الحرج والتعقيد لفلسطين والعرب والإقليم والعالم تعرب فيه الجزائر عن موقف وعن التزام بالغ الوضوح بشأن فلسطين." وواصل قائلا إنّ التجربة الجزائرية المعاصرة التي عبّرت عن شعب له تشكيلة العضوي الممتد والمتين في مقاومة الاستعمار الفرنسي التي امتدت لمائة وثلاثين عاما، ولاحقا في حقبة الاستقلال، هي واحدة من أهم التجارب الإنسانية الحديثة والمعاصرة في التحرّر والانعتاق تشير لقوة الثقافة ودورها في إنتاج المقاومة والتأسيس لكلّ أشكال المقاومات الأخرى، وأضاف أنّ موقف الجزائر من فلسطين وقضيتها، يشكّل معيارا حاسما لخياراتها الثقافية والرمزية والأخلاقية يتقاطع فيه البعد الداخلي مع البعد الخارجي على نحو جذري وخاص، كان من أعلى تعبيراتها عن جوهر وعيها وعن خياراتها، إذ جرى استدخال فلسطين قبل الثورة التحريرية وعند قيامها وبعد الاستقلال، باعتبارها من صميم، وفي صلب التراب الوطني الجزائري وقداسته ورفعا كقيمة سامية في أعماق وجدان الجزائر وأعالي وعيها. من جهته، قدّم الدكتور عبد الحميد بورايو من الجزائر مداخلة بعنوان "دور رواة القصص الشعبي المحترفين (المداحون) في التحريض على الثورة ومقاومة الثقافة الاستعمارية"، حيث أوضح الدكتور ما قاله الأستاذ عبد المجيد كاوة عن العلاقة المتينة بين الفعاليّة الثقافيّة المتجسّدة في نشاط المدّاحين إبّان فترة الاحتلال الفرنسيّ للجزائر في مختلف المناسبات "لقد هزّ الاحتلال الاستعماريّ المجتمع الجزائريّ واستقطب في البداية الوحي الشعريّ. تعلّق الأمر بمرثيات تستثير الحنين للجنّة المفقودة، لتتّجه فيما بعد نحو رفع المعنويّات. كان ذلك من عمل الشعراء الشعبيّين بالخصوص. لقد قام بالمهمّة شعراء شعبيّون، بالعربيّة وبالبربريّة، كانوا هم الناطقون باسم الشعب البسيط. تمثّلت مصادر الوحي لديهم في موروث الأسلاف" وأضاف "كان الغرض إحياء الاعتزاز بالنفس والثأر للشرف المهان إلى حدّ كبير إثر الاحتلال. في الاحتفالات الليليّة وفي الحفلات العائليّة، في شهر رمضان، كان الشعراء ينشدون مقطوعات ملحميّة، الغزوات. في هذه التأليفات، تمّ تجسيد الحضارة الغربيّة في الغول، الوحش. في شعر المراثي، يشكو الشاعر من مشاعر الغبن بفعل اغتصاب مدينة الجزائر، مثلما هو الحال في قصيدة احتلال مدينة الجزائر من قبل الفرنسيين للشيخ عبدالقادر. في منطقة القبائل، يرغب سي محند أومحند أن "يُذْرِفَ دُمُوعًا تَحَجَّرَتْ فِي مَآقِيهِ بسبب قَرْنِ الْهَوَانِ هذا". للتذكير، يندرج ملتقى "المقاومة الثقافية في الجزائر خلال الثورة التحريرية، نضال من أجل التحرّر"، ضمن البرنامج الثقافي المرافق لتخليد ستينية استرجاع السيادة الوطنية، وعشية الاحتفال باليوم الوطني للفنان المصادف للثامن جوان، وعرف انطلاقه حضور أعضاء من الحكومة على غرار الاتصال، المجاهدين وذوي الحقوق، التكوين المهني وكذا مستشاري رئيس الجمهورية المكلفين بالذاكرة والشؤون الاقتصادية ومسؤولي مختلف الهيئات الوطنية. ويرمي الملتقى إلى إبراز عدالة الثورة الجزائرية وبعدها الإنساني والوقوف على مساهمات الثقافة والفنون في خدمة القضية الوطنية، فضلا عن إبراز الشخصيات الفكرية والثقافية والفنية الوطنية والعالمية التي ساندت الثورة، وجمع وتوثيق الرصيد الفكري والثقافي والفني المكافح وكذا التأسيس لفعل ثقافي مقاوم ومتواصل للتحديات العالمية الجديدة وتكوين رصيد معرفي حول دور الثقافة والفنون في الثورة التحريرية، انطلق من فكرة أن "الثورة الجزائرية اعتمدت الوسائل المختلفة للدفاع عن عدالة قضيتها، وحقّ الشعب الجزائري في استرجاع سيادته الكاملة، فلم تقتصر الثورة على الجانب العسكري والدبلوماسي فقط، بل تعدّتها إلى توظيف الآداب والفنون، والفكر والرياضة، للتعريف بحقيقة الكفاح المشروع للشعب الجزائري أمام العالم". وسيعكف المجتمعون ليومين، بالمركز الدولي للمؤتمرات على التمعن في 3 محاور أساسية، هي "الثقافة الشعبية"، "الفنون" إلى جانب "الفكر"، كما برمج المنظمون نشاطا ثقافيا مرافقا، سيعرف عرض فيلم "أسوار القلعة السبع" لأحمد راشدي، ومعرضين، واحد للكتاب والثاني للفنون التشكيلية، وكذا عرض مسرحية "الجاثوم" لعبد القادر عزوز بالمسرح الوطني الجزائري "محيي الدين باشطارزي"، وتنظيم حفل موسيقي بقصر الثقافة "مفدي زكريا"، بالإضافة إلى جولة سياحية إلى متحفي المجاهد، والفنون الجميلة.