يشغل حلمي الشعراوي منصب مدير مركز البحوث العربية والأفريقية بالقاهرة منذ 1986، عمل كخبير في العلاقات العربية الأفريقية بالمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (تونس)، كما كان الرئيس الأسبق للجمعية الأفريقية للعلوم السياسية، له العديد من المؤلفات من بينها "أفريقيا: قضايا التحرر والتنمية"، "العرب والأفريقيون وجها لوجه"، "أفريقيا... في نهاية قرن"، "حقوق الإنسان فى الوطن العربى وأفريقيا"، "ثقافة التحرر الوطني"، "الشرق - أوسطية، مشروع أمريكى صهيونى"، "تراث مخطوطات اللغات الإفريقية بالحرف العربى"، "الحركات الاجتماعية في الوطن العربي وأفريقيا" و"اللغات الأفريقية وتعليم الجماهير".. "المساء" التقت الأستاذ على هامش الملتقى الدولي للانثروبولوجيا الإفريقية حيث شارك كمحاضر وأجرت معه هذا الحوار. - تزورون الجزائر في إطار فعاليات الملتقى الأول حول "الانثروبولوجيا الافريقية" ماذا تقولون بهذه المناسبة؟ * تنظيم ملتقى من هذا النوع مهم جدا لأنه يسمح بلقاء المثقفين الأفارقة مع بعضهم البعض الشيء الذي من شأنه التمهيد للقاءات جدية وفاعلة، وهذا اللقاء الأول من نوعه الذي تحتضنه الجزائر كشف عن العديد من الحقائق أهمها أن العديد من الانثروبولوجيين الأفارقة احترفوا السياسة وانشؤوا أحزابا وكافحوا من أجل الحرية وهذا يعني أن التقاء الشعوب الإفريقية ممكن وضروري لمواجهة العولمة وآثارها التي ترفض كل خصوصية. - لكن هل تعتقدون أن ملتقيات كهذه قادرة فعلا على إحداث التغيير المرجو أوعلى الأقل خلق أرضية تعاون حقيقي بعد هذه القطيعة الطويلة بين دول القارة الواحدة ؟ * أهمية ملتقى كهذا تكمن في محاولة إيصال الرسالة القادمة من ال60 مختصا مشاركا للرأي العام الجزائري وذلك عن طريق الإعلام طبعا وكذا عن طريق إدارة الملتقى من خلال إشراكها للمثقفين الجزائريين وهذا مهم للغاية. زيادة على أن الملتقى يبحث موضوعا على قدر كبير من الأهمية خاصة في الشمال الإفريقي والجزائر وهو الانثروبولوجيا التي كانت استعمارية وامبريالية لحد كبير في تفكيك المجتمع وتقسيمه ووضع أساس فكري وثقافي لهذا التقسيم والتفتيت وفقدان الهوية. الانثروبولوجيا علم يغوص في المجتمع لتأكيد طبيعة وهوية المجتمعات على غرار طبيعة التدين والثقافة والصراع الاجتماعي... وإذا أكدنا هذا فهذه خدمة كبيرة جدا، خاصة وأن كلمة انثروبولوجيا ليست جماهيرية غالبا وتبدو غريبة عند الكثيرين، في حين أنها الأقرب للفرد لأنها علم الإنسان تسعى لدراسة الإنسان داخل محيطه لذلك لابد أن نعرف الناس بهذا العلم. - تديرون مركز البحوث العربية والإفريقية بالقاهرة، هل يمكن أن نتعرف أكثر عن نشاطات هذا المركز العلمي؟ * المركز يعمل منذ 20 عاما، وهو نموذج للقاء مجموعة من المثقفين التقدميين عموما، يقدم قراءة جديدة للتقدم الاقتصادي والاجتماعي والسياسي في مصر خصوصا والمنطقة العربية وعلاقة ذلك بإفريقيا عموما. وقد اعتمدنا أسلوب إنشاء شبكة بحثية تشرف على تنظيم ندوات ومؤتمرات لتعميق النقاش وإقامة علاقة مع المراكز المهتمة بنفس الاتجاه، وكنا نهتم بأن يكون ذلك مع الشباب ومراعاة المرأة، ومع ذلك قدمنا أيضا دراسات حول الحركات الإسلامية وطبيعة النشاط الإسلامي في مصر. وأقمنا علاقات طيبة ونعمل على النشاط مع هيئات مختلفة ليس في القاهرة فقط بل مع مختلف الدول، حيث زرنا الجزائر ثلاث مرات وعملنا مع هيئات ثقافية جزائرية وافريقية حول النخب والحركات الاجتماعية والعلاقات العربية الإفريقية وكانت ثرية جدا، هذا مهم جدا لأن من شأنه إقامة جسور تواصل بين المثقفين العرب فيما بينهم من جهة ومع أفريقيا من جهة أخرى. ونسعى حاليا إلى توسيع علاقاتنا لتمتد إلى الهنود والصينيين وأمريكا اللاتينية، لأن أحد أهم المشاكل التي ظلت تعاني منها الثقافة العربية لسنوات طويلة هو انقطاعها عن الثقافات الأخرى غير الأوربية، حيث بقينا بعيدين عما يحدث في بلدان كبيرة كالهند، الصين، وفينزويلا ...وهذا ناتج عن التوجه المتدهور للبورجوازيات العربية التي ربطتنا كثيرا بالغرب، دون أن تعيي أهمية العلاقة التي ساندت حركات التحرر العربية، يعني أن دعم الجزائر ومصر كان بالأساس من الصين، الهند، إفريقيا وأمريكا اللاتينية لذلك لابد أن نعيد العلاقة مع هذه الدول. - لكن هل لهذا المركز تأثير على الواقع ؟ * نحن كمركز ثقافي علمي لا نشارك في النشاط السياسي رغم أن توجهنا سياسي، وقد سعينا إلى إبقاء حيوية الأفكار التي نتصور أنها ضرورية للمجتمع من خلال إعادة تقيم المرحلة الناصرية والتجارب اليسارية أمام المجتمع، والتأثير يأتي من هذا ومن إقامة علاقة دائمة مع المنظمات والجمعيات المماثلة وهذا مفيد، لكننا لا ننزل إلى الشارع ونقول يحيا هذا ويسقط ذلك لأننا نقوم بدراسات وأبحاث. - القارة السوداء كانت تتوهج في السبعينات بحركات التحرر والآمال الكبيرة في مستقبل أفضل، لكن كل تلك الآمال اندثرت لتكشف عن واقع تنهشه الصراعات الإثنية، الفقر والمرض، إلى ماذا يعود ذلك في رأيكم؟ * في ذلك الزمان اقترن دور الدولة بقدر من الحركة الشعبية الناتجة من حركات التحرر، يعني كانت هناك روح التحرر الوطني من ناحية ودور الدولة لدعم الحياة الاقتصادية والاجتماعية من ناحية أخرى فكانت الروح عالية والمطالب عالية. لكن الهجوم الرأسمالي من جهة والطبقات التابعة لهذا التطور أدوا إلى إتباع سياسات جديدة أضعفت دور الدولة، كما أضعفت روح التحرر الوطنية، وبدأ الشعور بالانكماش. وعندما أصبحت الدولة ضعيفة تخضع لتبعية أكبر، حيث تطبيق سياسة التكيف الهيكلي، وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي... شعرت الشعوب بالعزلة وراحت تختار الأفكار الانعزالية والمحافظة على غرار الأصولية - ومع احترامنا للأصولية الذهنية في ذاتها-. لكن الأصولية التي كانت ملجأ للهروب من كل حركة التغير والتقدم لم ترتبط بلحظات الصعود وإلا لكانت صعدت بهذه الشعوب، لكن ما نلاحظه أنه منذ 20 عاما الحركة الأصولية قوية جدا في كل مكان، لكن لم يكن هناك بالمقابل أي تحرر من الرأسمالية وبرامج صندوق النقد الدولي... ، بل بالعكس العديد من الحركات الإسلامية القوية لا تقول حتى رأيها في هذه السياسات الرأسمالية نفسها ولا تغير المنهج الرأسمالي ولا تشكل خطرا عليه، بمعنى أن الأصولية التي هرب إليها الناس لم تدع للتحرر من الرأسمالي والتجاري...في الوقت الذي كنا نأمل أن تكون قوة تحرر اجتماعي حقيقية. لذلك لابد من عودة الدولة الوطنية وقوة المشروع الوطني العام وقوة القطاع العام مع إشراك الناس في ذلك، لكن المشكل أن الدولة الوطنية نفسها والمشروع العام عزل الناس عن المشاركة، هناك بعض الدول الإفريقية تحاول استعادة دور الدولة. إلى جانب حرية التجارة، لكن الرأسمالية تبقى مسيطرة بشكل كبير في إفريقيا لاسيما في جنوبها. لذلك فإن الأمر يحتاج إلى تنسيق وهذا ما تسعى إلى تحقيقه منظمة "النيباد" التي تشرف على الجانب الاقتصادي والاجتماعي، والجزائر ومصر عضوان مهمان فيها نأمل أن تستطيع هذه الأخير أن تحقق التغير. - في هذا السياق، هل تعتقدون أن دولا مثل الجزائر ومصر اللتين لعبتا دورا مهما في وقت من الأوقات قادرتان اليوم على تحقيق التغيير؟ * أكيد، لأن هناك تنظيمات إقليمية يمكن أن تكون قوية في هذه الدول، فالاتحاد المغاربي مثلا لابد أن يكون قويا أصلا حتى يستطيع أن ينسق مع التجمع الاقتصادي لغرب إفريقيا ومع الجامعة العربية، مصر أيضا في اللجنة التي تمتد من شرق وجنوب إفريقيا وفي الجامعة العربية والساحل والصحراء، والجزائر ومصر معا في "النيباد" ... الجزائر ومصر موجودتان معا في "النيباد" و الاتحاد الإفريقي والجامعة العربية.. ممكن أن نقوى، ما المانع أن تكون هناك قوة عسكرية تنقذ الموقف في الصومال ...المشكل أن نظمنا منشغلة بنفسها أكثر من اللزوم للأسف ونأمل أننا كمثقفين وحركات مدنية وقوة اجتماعية في أن ندفع نظمنا للمشاركة في حل المشاكل لأن هذا لمصلحتنا جميعا.