يتوقّف المهرجان الثقافي الافريقي الثاني بالجزائر من خلال الندوات والملتقيات الفكرية المسطرة في برنامجه عند تاريخ القارة الأسود الذي ظلّ محفوظا في ذاكرة مختلف الأجيال الافريقية عبر قرون من الزمن ميزتها العبودية والاستغلال والتهجير والتفقير وكان لزاما دفع ثمن باهض لدحر الاستعمار وطرده وهكذا استحقت افريقيا هذه المكانة التي جعلتها مدرسة للثوار ولقيم التحرر. بدأ التاريخ الاستعماري المظلم بإفريقيا منذ أن احتل كريستوف كولومب جزيرة هايتي سنة 1943 ليدشن تاريخا طويلا من الإبادة والعبودية والعنصرية، مشى فيها الغزاة على جماجم الأفارقة بحثا عن الذهب، وسيق من بقي من الأفارقة على قيد الحياة عبيدا إلى اسبانيا ثم الى العالم الجديد في أكبر عملية رقّ شهدها التاريخ. نشأت تجارة جديدة ورابحة هي تجارة الرقيق لتأخذ العبودية شكلا مختلفا عما كان في عهد الإمبراطورية الرومانية والبيزنطية وغيرها إذ حلّ العمل القسري مكان العبودية. بعد الحقبة الاسبانية للاستعمار التي ترتبط بالنظام القديم المتمثل بالعنف لترسيخ الغزو وهدم الأطر التقليدية للسكان الأصليين بدمجهم في الأطر الإدارية توسعت خريطة الاستعمار أكثر فأكثر. افريقيا منجم الثروات ووجبة شهية للمستعمر سواء أكان فرنسيا او برتغاليا أو بلجيكيا، إذ بلغت طرق الاحتلال درجة من الوحشية جعلت منها نموذجا في تاريخ استعمار القرنين ال19 وال20 مؤكدة على عنصرية لا مثيل لها وهو ما أفرز مقاومة شرسة، وهكذا شهدت افريقيا نحو 23 ثورة كبرى في مواجهة التمييز العنصري الذي استمر حتى مطلع تسعينيات القرن ال 20 لتطوى صفحة نظام »الأبرتايد« في جنوب افريقيا إلى الأبد. اللطخة السوداء في تاريخ فرنسا الاستعمارية هي الجزائر، وهو ما تشير إليه نصوص جون بول سارتر وألبير كامو وآلاف الشهداء الذين يفضحون تاريخ الخزي والعار، فميراث قوانين »فيشي« في القمع هو الأكثر سطوعا في الذاكرة. في هذا التاريخ كانت تجري أسوأ مجازر ما بعد الحرب العالمية الثانية في مدغشقر، فيما كانت خرافة »الجزائر فرنسية« آيلة للسقوط. ميراث الاستعمار لا يتوقف عند حدود الإبادة وتحطيم التاريخ والهويات واللغة بل يتجاوز مفهوم الشرعية وحقوق الإنسان إلى مدح العنصرية والتفوق الحضاري وتبرير المذابح والتعسف. كانت هناك عدة أنواع من النظم الاستعمارية في القارة منها مستعمرات المواطنين البيض ( كينيا وزمبابوي) ومستعمرات الحكم غير المباشر ( نيجيريا وبتسوانا).
مستعمرات الحكم المباشر (السينغال) ولقد كان الهدف من وراء المستعمرات الاستيطانية هو ضمان استمرار سيادة البيض السياسية والاقتصادية في ظل هذه المستعمرات ثم تكريس علاقة السادة والعبيد بين البيض والسود، حيث صادر البيض مناطق واسعة من أفضل الأراضي الزراعية واعتبروها جزءا من الدولة الاستعمارية. وأسس الأوروبيون اقتصاد التصدير الذي قام على استخراج المواد الأولية وإرسالها إلى الدولة الأم وكل ذلك على حساب السكان الأصليين مما خلق حالة من التبعية. جوانب أخرى من هذا التاريخ سيناقشها الخبراء والمؤرخون الأفارقة في الملتقيات التي ستقام في الأيام المقبلة بالعاصمة.