أسدل الستار أوّل أمس رسميا على فعاليات الطبعة الثانية للمهرجان الثقافي الإفريقي وذلك بعد أسبوعين من النشاط المتواصل في مختلف مجالات الإبداع من مسرح، موسيقى، فن تشكيلي، سينما، معارض وأدب، احتضنتها الجزائر بصدر رحب من الخامس إلى العشرين جويلية الجاري. وقّع حفل الاختتام الذي احتضنته قاعة "الأطلس بباب الوادي الثنائي سفيان أبو لقرع المشرف على الجانب الكوريغرافي للعمل وفريد عوامر الذي تولى الأمور الموسيقية، وحمل هذا الثنائي الجمهور على بساط من الأضواء والموسيقى والرقص ليعبّر على امتداد ما يقارب الساعتين من الزمن عن ماضي القارة السمراء وحاضرها ومستقبلها في عرض اختير له عنوان "ماما أفريكا" استنادا لأغنية الفنانة الجنوب إفريقية مريم ماكيبا. هذه الفنانة التي كرّمتها السهرة لتبقى روحها ترفرف في القاعة التي نشّطت فيها أروع وأجمل حفلاتها عام 1975، لتكون السهرة بمثابة رحلة عبر الزمن في الذاكرة استحضرها المخرج عبر مجموعة من المقاطع المصوّرة المأخوذة من أرشيف التلفزيون الجزائري وفيلم "المهرجان الثقافي الإفريقي 1969" لوليام كلاين، وكذا عروض الفيديو التي اكتشف من خلالها الجمهور العديد من الحقائق التاريخية الجديدة التي كان الكثير يجهلها، من ضمنها أنّ من اكتشف القارة الإفريقية ليس كريستوف كولومبس، وذلك استنادا إلى وثائق وحقائق مؤكّدة، ولوحة حول الجيوبوليتيك، تهدف إلى فهم مشاكل وآلام إفريقيا وإبراز تحكّم وهيمنة القوى الاقتصادية ومؤسّساتها العالمية على مصير الإنسان الإفريقي وتفقيره وتجويعه لتحقيق رفاهيتها، وكذا عن تاريخ إنشاء الأهرامات بمصر ...وغيرها. العرض الكوريغرافي قدّم أيضا 16 لوحة فنية راقصة ممزوجة بالألوان والأضواء والموسيقى وشكّلت فسيفساء حقيقية جمعت بين الموسيقى التقليدية القديمة التي اعتمدت على آلات موسيقية مستقاة من التراث الموسيقي الإفريقي العريق والموسيقى الكلاسيكية العالمية وموسيقى الجاز، البلوز والهيب هوب... شارك في تجسيدها على الخشبة مجموعة من الفنانين على غرار أمين دهان، محمد مازوني على آلة الساكسفون، مرقى جلول على الكمان، شيخ تيديان ساك، مختار شومان وأحمد فوفانة .. وذلك إلى جانب 17 راقصا شاركوا في تقديم 16 لوحة فنية عبّروا فيها عن مشاكل القارة الإفريقية الأكثر بروزا وفي مقدّمتها الجفاف عبر لوحة "الماء"، وكذا العبودية التي شكّلت أجمل اللوحات، والتاريخ والنضال، والمنفى أو الهجرة وسعي شباب القارة للهروب من الموطن الأم، كلّ ذلك وسط ديكور رسمته الوسائل التقنية السمعية البصرية. وقد استهلت تلك العروض - التي قدّمت تحت السقف المفتوح لقاعة "الأطلس" - بعرض مقتطفات من المهرجان الثقافي الإفريقي الذي احتضنته الجزائر في 1969 والذي صفّق له الحضور الذي تشكّل من مسؤولين في الدولة على غرار عز الدين ميهوبي كاتب الدولة لدى الوزير الأوّل مكلّف بالاتصال والوزير المنتدب المكلّف بالشؤون المغاربية والإفريقية عبد القادر مساهل ووزيرة الثقافة خليدة تومي إلى جانب المندوب الأممي السابق لخضر الإبراهيمي وجمع من ضيوف الجزائر الأفارقة. لتتواصل اللوحات التي أبهرت الجمع الذي توقّف عند الصوت الجميل لخريجة "ألحان وشباب" مريم لازالي التي حقّقت ثنائيا افتراضيا مع الفنانة الراحلة مريم ماكيبا، واستطاعت باقتدار أن تؤدّي أروع ما غنّت ماكيبا على غرار "أفريكا"، "ملائكة" و"باتا باتا" وتختتم السهرة بالأغنية الشهيرة "أنا حرة في الجزائر" التي تقول فيها الفنانة "انتهى وقت العبيد أنّا حرة في الجزائر". وأروع ما تميّز به الاستعراض الذي غابت عنه الأسماء الفنية اللامعة على خلاف حفل الافتتاح الذي شهد مشاركة كل من الفنانة وردة الجزائرية، يوسوندو، سيزارا ايفوريا إيزابيل أجاني ...هو ذلك التوحيد المتميز بين الآلات الموسيقية التقليدية على الخشبة على غرار القنبري والقرقابو والايمزاد ومختلف الآلات الإيقاعية الأخرى التي رافقت الحركات الرشيقة للراقصين. يذكر أنّ المهرجان الثقافي الإفريقي المختتمة فعالياته هو الثاني الذي تحتضنه الجزائر بعد تنظيمها الطبعة الأولى في 1969 وقد شهد مشاركة حوالي 8 آلاف فنان قدموا من 51 دولة افريقية وذلك تحت شعار "عودة إفريقيا"، وعرف تنظيم العديد من التظاهرات في مختلف المشارب الفنية والإبداعية. وأجمع المشاركون على نجاحه من كافة الجوانب ليمنحوا بذلك العلامة الكاملة للجزائر التي وفت بكل التزاماتها ووفرت كل الإمكانيات لتجري فعاليات المهرجان في أحسن الظروف.