ينبغي مراجعة أنماط الإنتاج الزراعي وتسيير سوق المواد الغذائية ألقى رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة أمس الجمعة بلاكويلا (إيطاليا) كلمة وهذا خلال الحيز المخصص ل"الأمن الغذائي العالمي" من قبل قمة مجموعة الثمانية والتي قرأها نيابة عنه الوزير الأول السيد أحمد أويحيى وفيما يلي نصها الكامل: السيد الرئيس أصحاب الفخامة والدولة والمعالي والسعادة حضرات السيدات والسادة بودي أن أعرب عن بالغ ارتياحي لانعقاد هذه الجلسة على مستوى القمة حول موضوع بالغة أهميته وشامل مداه ألا وهو موضوع "الأمن الغذائي العالمي" والحال أن مسألة الأمن الغذائي العالمي تكتسي أكثر فأكثر طابعا هيكليا بما يفسر العناية واليقظة التي توليها المجموعة الدولية لها. إن الأزمة المالية والاقتصادية الدولية جاءت لتذكر بأن هذه المسألة لصيقة في جوهرها بالإشكالية الشاملة للتنمية ولتحسين مؤشرات التنمية البشرية. وما يثير شديد الانشغال من هذا المنظور أنها حسب توقعات منظمة التغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة إيذان بتزايد محسوس لعدد الأشخاص المتضورين جوعا في العالم بحيث يتعدى حد المليار ضحية. ولا حاجة للتذكير بأن إفريقيا هي المستهدفة مرة أخرى من هذه الظاهرة التي ينبغي أن تستوقف الضمير العالمي.
السيد الرئيس إن واحدة من المفارقات المستعصية على التبرير وأكثر من ذلك على القبول يعبر عنها التساؤل بشأن عدم قدرة الإنسان الذي طوع الطبيعة وسخرها على ضمان تلبية الأرض المغذية فعلا لحاجاتنا وعلى جعل البشرية بمأمن من الجوع والمجاعة. إن المقام هذا ليس مقاما لإطالة الكلام حول أسباب مثل هذا الاختلال ذلك أنه قد حانت ساعة البحث عن حلول جذرية ودائمة له سعيا لضمان حق الإنسان الأساسي في الحياة وفي الكرامة. إن التهاب أسعار المواد الغذائية خلال الأزمة الغذائية العالمية مؤخرا لم تكن له تبعات وخيمة على فئات بأكملها من الساكنة الإفريقية فحسب بل أبرز كذلك شدة هشاشة إفريقيا أمام هذه الظاهرة التي أصحبت تكتسي طابعا دوريا. كما كشف تأثيرها المضر على اقتصاديات البلدان الإفريقية ومواردها التنموية. والجزائر إذ هي من كبار مستوردي الحبوب التي تشكل أساس تغذية سكانها تقدر حق قدرها كافة التبعات السلبية التي يمكن لهذه الأزمة أن تلحقها بالبلدان المحرومة من الموارد. وقد شهدنا أوضاع لااستقرار تسببت فيها الأزمة الغذائية في العديد من البلدان إلى حد أنها أصبحت مشكلة أمن وطني حقيقية. إن إفريقيا تولي بالغ الأهمية لمجال الفلاحة والأمن الغذائي. وهي تتوخى في الآن ذاته مضاعفة إنتاجها الزراعي والغذائي وتنويعه. كما تتوخى رفع الإنتاجية في هذا القطاع. لقد رسمت قارتنا لنفسها أهدافا واضحة وتم التعهد بالتزامات في هذا الاتجاه خاصة في إطار انجاز الأهداف الإنمائية للألفية من أجل تقليص عدد الأشخاص الذين لا يجدون كفايتهم من الغذاء بالنصف في 2015 والقضاء على الجوع وسوء التغذية. كما تعهدت البلدان الإفريقية باتخاذ كافة الإجراءات الضرورية لرفع الإنتاج الفلاحي وضمان الأمن الغذائي خاصة من خلال تطبيق البرنامج الواعد باعتراف شركائنا المتمثل في البرنامج المدمج من أجل تطوير الفلاحة في إفريقيا.
السيد الرئيس إن تجند المجموعة الدولية بشأن حالات المجاعة في افريقيا كان مشجعا على الدوام من حيث هو تعبير عن حس إنساني غير راض لوجودها. فالعديد من المنتديات تولت هذه الحالات بالنقاش والعديد من المبادرات تم اتخاذها بشأنها. وحشدت موارد هامة نسبيا لصالحها. كما تم الإعلان عن حشد موارد أخرى أكثر أهمية. وإنني لأود اغتنام هذه المناسبة لأشيد بمبادرة حكومة الولاياتالمتحدةالأمريكية المتعلقة بإنشاء آلية تمويل مخصصها 15 مليار دولار أمريكي موجهة لدعم البلدان الأكثر تضررا من تبعات الأزمة الاقتصادية العالمية. من الأحرى أن ترفق هذه المساهمات المحمودة لأكثر من سبب وتدعم بمساع لتعزيز قدرات المزارعين الأفارقة الإنتاجية وتحسين أدائهم في مجالي الإنتاجية والتنافسية. وفكرة الثورة الخضراء تفرض نفسها كسبيل لا بد من طرقه لزاما لخروج افريقيا نهائيا من دائرة الأزمات الغذائية. والحال أن المشكل الجوهري الذي يطرح نفسه هو نقص الاستثمار على المدى الطويل في الفلاحة وفي التنمية الريفية. من هذا المنظور يكتسي إسهام المجموعة الدولية بالموارد المالية والوسائل التقنية دعما لجهود البلدان الإفريقية الخاصة وفي إطار شراكة تعود بالنفع على الجميع طابع الضرورة والاستعجال. كما ينبغي إيلاء العناية لضرورة إعادة النظر في أنماط الإنتاج الزراعي في العالم وترقية قواعد الإنصاف والشفافية في تسيير سوق المواد الغذائية.
السيد الرئيس إننا أمام أزمة هيكلية ستؤدي حتما في حال استمرارها إلى مشكلة أمن دولي. وإننا أمام مقتضى استراتيجية متعددة الأوجه يتعين على بلداننا صياغتها وتجسيدها على المستويات الوطنية والجهوية والعالمية. إن اقتراح السيد المدير العام لمنظمة الزراعة والتغذية التابعة للأمم المتحدة بتنظيم قمة عالمية حول الأمن الغذائي نهاية السنة الجارية يستحق الدعم القوي والمساندة. فذلكم قد يكون أفضل دليل على عزمنا على رفع تحدي الأمن الغذائي في العالم بصفة دائمة وقد يشكل الخطوة الأولى في اتجاه تجسيد هذا الهدف.