ألقى رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة اليوم الجمعة بلاكويلا(إيطاليا) كلمة خلال قمة مجموعة الثمانية والذي خصص الى أثر الأزمة المالية و الاقتصادية على تنمية افريقيا و التغيرات المناخية و مؤثراتها على القارة الى جانب مسائل الأمن و السلم. هذا هو النص الكامل لكلمة الرئيس بوتفليقة والتي قرأها نيابة عنه الوزير الأول السيد أحمد اويحيى: "السيد الرئيس السيدة والسادة رؤساء الدول والحكومات السيد رئيس مفوضية الاتحاد الافريقي "بودي أن أخص بأولى عباراتي السيد الرئيس سيلفيو برلوسكوني لأشكره على ما وجهه لي ولنظرائي الأفارقة من دعوة كريمة للمشاركة في هذا اللقاء ولإعرب له عن عرفاننا على الاستقبال الحار الذي حظينا به منذ حلولنا بمدينة لاكويلا هذه التي تستعيد بكل حزم وبما هو مدعاة للإعجاب طاقتها وديناميتها بعد الزلزال الذي ضربها ويا للأسف شهر أفريل المنصرم. السيد الرئيس إننا ممتنون لكم على الاهتمام الذي ما فتئتم تولونه على الدوام للحوار بين مجموعة الثمانية وافريقيا والذي تشهد عليه الجهود التي بذلتموها لبعث الحيوية مجددا في أوصال الشراكة التي تجمعنا. منذ ثماني سنوات خلت أخذت الشراكة بين مجموعة الثمانية وافريقيا انطلاقتها بمدينة جنوة في وقت بدأت مجموعاتنا في التعرف على الإمكانيات الهائلة التي يتضمنها برنامج الشراكة الجديدة من أجل تنمية افريقيا (نيباد) والآفاق التي تفتحها عملية تجديد افريقيا هذه للشراكة بين مجموعة الثمانية والقارة الافريقية. ومن قمة جنوة إلى قمة هوكايدو - توياكو سنة 2008 صنعنا سويا دينامية تعاون وحوار متينة وحددنا خطط عمل حقيقية لدعم افريقيا في شتى مجالات التنمية الاقتصادية والاجتماعية لا سيما من أجل إنجاز الأهداف الإنمائية للألفية وفي مهمة إدماج القارة. وقد تم أخذ تعهدات وثيقة من الجانبين لتجسيد هذا المسعى التضامني. والأعمال التي توخت قمتا مجموعة الثمانية المنعقدتان بكاناناسكيس وغلين إيغليس القيام بها بهذا الشأن تشجع قارتنا على مضاعفة الجهد لرفع التحديات التي تواجهها. من جهة أخرى بذلت افريقيا المدركة لما يقع على كاهلها من مسؤولية التكفل بتنميتها جهودا غير مسبوقة لحشد المتوافر لديها من الوسائل ضمن إطار يطبعه الانسجام والفعالية وعلى أساس قواعد حكامة مجددة في الدوائر السياسية والاقتصادية والاجتماعية. وإن التقدم الذي تم تحقيقه يرسم تفعيل الآلية الافريقية للتقويم من قبل النظراء لهو مبعث ارتياح بالنسبة لنا وأمل في أن تجدد افريقيا العهد مع عملية تنموية حقة تضع حدا للنزعة إلى تهميشها ضمن منظومة العلاقات الاقتصادية الدولية. وإن نسب النمو الاقتصادي المعتبرة مثلها مثل تحسن مؤشرات التنمية البشرية التي حققتها ولو نسبيا القارة الافريقية منذ إطلاق برنامج النيباد هي كلها عوامل تعزز قناعتنا باختيارنا لهذه الدينامية المجددة. إننا مازلنا نؤمن بأن النهج الذي انتهجناه لا محيد عنه لتحقيق الأهداف التي حددتها افريقيا لنفسها. وهذا إنما يعني أن السياق العالمي السلبي الذي نكابده ينبغي أن يدعونا إلى أن نضاعف الجهد وإلى أن نجد مع شركائنا الوسائل الأكثر تكييفا لتخطي هذا الوضع وتجديد العهد مع الأسس المجددة في إطار شراكتنا بدل إعادة النظر في صلاحية ما سبق أن انتقيناه من خيارات. السيد الرئيس بودي أن أتطرق إلى تأثير الأزمة المالية والاقتصادية الدولية على القارة وذلك من حيث إن هذه الظاهرة تعكس في نظري بشدة هشاشة وضعف جانب إفريقيا أمام ما يطرأ عليها من طوارئ من الخارج. وإلا كيف لنا أن نفسر أن القارة الافريقية هي القارة الأشد تضررا كلما نابت العالم أزمة من الأزمات . إن العوامل الخارجية هذه تتسبب بصفة شبه آلية في تدهور قدرات افريقيا وتراجع أدائها. ومن حيث إنها مصدر لانشغال البلدان والشعوب الإفريقية المشروع فإن هذه الأكبال ينبغي أن تستوقف حتما شركاء افريقيا. السيد الرئيس إن الاجتماع هذا بتعزيزه لآليات الحوار بين افريقيا ومجموعة الثمانية يعود له بعد الفضل في صياغة جدول أعمال يتكفل بالإشكاليات الأساسية لتنمية القارة الإفريقية. وإن المشاورات التي سبقت لقاءنا وجمعت ممثلينا الشخصيين ورئاسة الاتحاد الافريقي تستحق الإشادة والتنويه خاصة أنها تندرج بأمانة ضمن الالتزام بتعزيز حوارنا المتخذ في قمتي هيليغندام وهوكايدو توياكو. ونحن نرى فيها تطورا واعدا بالتأكيد لإثراء إطار شراكتنا وتعميقه وزيادة فعالياته. بودي أن أؤكد كذلك على الطابع الحيوي للجهود المبذولة من قبل القارة الافريقية لصالح ترقية السلم والأمن والاستقرار في افريقيا الترقية التي حددتها شراكتنا عن حق أساسا لا تقوم من دونه قائمة لأية عملية تنموية. إن النجاحات المسجلة في هذا الإطار لا سيما من خلال تطوير منظومة شاملة للسلم والأمن ينبغي أن تحسب في سجل إنجازات إفريقيا وهي تأتي تتويجا لعزمها على التكفل بنفسها وعلى رفع ما يمكن أن يواجهها من تحديات. وهذا التقدم على أهميته بين أن دعم المجموعة الدولية يبقى ضروريا كي يبلغ الجهد الافريقي مداه ومبلغه. ويبرهن على هذا الأمر الأزمة الصومالية والنزاع الدائر بدارفور في السودان. وليس استصغارا لأهمية دعم شركائنا في إدارة هذين الوضعين أن نجدد التأكيد على ما يحدو افريقيا من تطلعات إلى تسويتهما النهائية والدائمة. من هذا المنظور يبقى بديهيا بأن التقدم الذي أحرزته افريقيا خاصة من خلال نشر البعثة الافريقية إلى الصومال بموقاديشو وبعثة الأممالمتحدة وافريقيا إلى دارفو بمنطقة دارفور ينبغي أن يعززه ويدعمه التزام أكثر حزما من قبل المجموعة الدولية. وفضلا عن الوسائل المادية والمالية التي يقتضيها تعزيز البعثتين هاتين فإنه من الأهمية بمكان أن نضم جهودنا للتأثير بفعالية على الفرقاء الذي يقفون حائلا في وجه السلم أو يرفضونه. كما أنه من المهم أن نتفادى ما تدخله عوامل جديدة من مثل القرار الأخير للمحكمة الجنائية الدولية من تعقيد إضافي على الوضع. إننا إذ نصب مساعينا مباشرة على أسباب اللااستقرار في هاتين المنطقتين كما في مناطق أخرى من القارة نكون قد أنجزنا عملا مفيدا وساهمنا في دحر المستجد من الأخطار التي تحيق بالسلم والأمن والاستقرار. ومن الواضح والجلي بهذا الشأن أن ظاهرة القرصنة في عرض السواحل الصومالية التي ينبغي شجبها ومحاربتها بقوة لا يمكن التعاطي معها بمنأى عن إشكالية تعزيز الدولة بالصومال ذاتها. إن ظواهر أخرى تمس بمعادلة السلم والأمن والاستقرار في إفريقيا تم إدراجها في جدول أعمالنا. ويتعلق الأمر فضلا عن الإرهاب الذي التزمنا جميعا مقارعته بأشكال أخرى للجريمة الدولية مثيرة للانشغال منها المتاجرة بالمخدرات وتبييض الأموال. وهذا في نظرنا مؤشر على تدارك للوعي وخطوة إضافية نريد أن نخطوها سويا لدحر هذه التهديدات التي تحيق بإفريقيا والتي لم تعد لنا حاجة للبرهنة على طابعها الشامل. أكثر من ذلك إنه من بالغ الأهمية بمكان أن يشمل الالتزام الذي سيتعين علينا أخذه أو تعزيزه ظاهرة هي علي نفس القدر من الخطورة وأعني بها تفرعات مختلف أشكال الإجرام وعلاقاتها البينية. ولا يمكنني بهذا الشأن إلا أن أوجه الانتباه إلى البوتقة التي تمثلها مصادر التمويل حيث تلتقي ويغذي بعضها بعضا شبكات الإرهاب وشبكات الإجرام الدولي الأخرى. ويشكل التمويل بالفدية أفظع مظاهر هذا التطور وأكثرها مدعاة للشجب والإدانة التي يتعين علينا مكافحتها بثبات ودون تنازل. السيد الرئيس تعرضت آنفا لمسألة تأثير الأزمة المالية والاقتصادية الدولية على افريقيا،إن هذه الأزمة وهي حديث الساعة جاءت لتذكر بمقتضى تقديم دعم تضامني لإفريقيا لمساعدتها على تخطي الصعوبات الناجمة عن هذه الظاهرة وتمكينها من رفع تحديات تنميتها واندماجها بشكل دائم. وتستحق التوقعات التي نشرها البنك العالمي مؤخرا والمتعلقة بآفاق التنمية في البلدان النامية ولا سيما في افريقيا أن نتوقف عندها مطولا لأكثر من سبب. ذلك أنها تعطي أولا إشارات مثيرة للانشغال حقا بالنسبة لقارتنا. فالتوقع القائل بأن نسبة النمو الاقتصادي في افريقيا ستكون أقل من 2% يكتسي عميق المغزى إن نحن قارناه بنسبة 7% الموصولة التي كان يتعين على الاقتصاديات الافريقية بلوغها للتطلع إلى تحقيق محتمل للأهداف الإنمائية للألفية ومنها هدف الوصول إلى الماء وإلى التطهير الذي من المزمع أن يتبنى لقاؤنا إعلانا مشتركا بشأنه. إن انخفاض نسبة التنمية سيتجسد بإفريقيا أكثر من باقي أصقاع العالم بتبعات اجتماعية لا تطاق حقا. ونفس المعاينة تنطبق على التوقعات القائلة بجفاف تدفق رؤوس الأموال الخاصة وتقليص تمويل التنمية وتراجع التجارة العالمية. إنني أعتقد أن تحليل الوضع السائد في افريقيا لا اختلاف فيه البتة. والسؤال الجوهري الذي ينبغي أن يطرح نفسه من ثمة يتمثل في إيجادنا سويا للوسائل التي تتيح لنا التعاطي بصفة استعجالية ودائمة مع هذا الوضع. إن التعهدات التي أخذتها بعد مجموعة الثمانية لصالح افريقيا تندرج في إطار الرد على هذا السؤال ولا مندوحة لي من أن أعرب بهذا الشأن عن عرفاننا لشركائنا الذي أبوا إلى أن يؤكدوا مجددا صلاحية وعودهم. والأولوية التي تقع علينا وجوبا تتمثل من ثمة في التأكد من تطبيق هذه الالتزامات ذاتها في أقرب وقت. إن القرارات التي اتخذتنها مجموعة العشرين خلال قمتها بلندن والتي تتوخى تقديم المزيد من التمويلات لصالح افريقيا وتعزيز تمويل البنك الافريقي للتنمية هي خطوات أخرى في الاتجاه الصحيح لا سيما إن هي أحدثت مفعولها سريعا خاصة في جانب صرف الأموال. مع ذلك فإن العلاجات هذه التي يمكن اعتبارها علاجات استعجالية ينبغي ألا تستبعد التجديد الذي لا غنى عنه للحكامة الاقتصادية والمالية الدولية بمشاركة افريقيا مشاركة مناسبة. وستشكل المفاوضات التجارية التي تمت مباشرتها في إطار دورة الدوحة امتحانا لمدى استعداد المجموعة الدولية للاعتراف بالدور هذا للقارة الإفريقية ولأخذ مصالحها حقا بعين الاعتبار. فلا يصلح لا لازدهار افريقيا واستقرارها ولا لتوازنات العالم أن يستمر بقاء وضع الإقصاء الحالي للقارة الإفريقية. إننا لا نشك في إننا نتقاسم جميعا الشعور هذا والقناعة هذه. وتضمين جدول أعمالنا النقطة المتعلقة بمسألة الأمن الغذائي الذي سيطرح نفسه حتما بفعل الأزمة المالية والاقتصادية الدولية من خلال تفاقم المجاعة بالنسبة لفئات بأكملها من الساكنة الافريقية ومن خلال اللااستقرار المتزايد في القارة هذا التطمين يشكل بالنسبة لنا مؤشرا مشجعا في هذا الاتجاه. إن المسألة هذه من حيث طبيعتها ومن حيث تداعياتها المتعددة على التنمية والأمن ينبغي أن تلقى كل العناية من قبل لقائنا بشأن طرق التعاطي مع الحالات الإنسانية المستعجلة وبشأن وسائل إرساء شراكة قادرة على تطوير القدرات الزراعية الافريقية. إن البرنامج المفصل لتطوير الزراعة في افريقيا المعروف أكثر تحت تسمية CAADP الذي تم تقديمه برسم النيباد والذي أثار بعد صدى إيجابيا لدى مجموعة الثمانية يمكنه أن يشكل الإطار الأفضل لهذه الشراكة. وطموحنا المشترك إلى إيجاد حلول جذرية لمشكلة انعدام الأمن الغذائي والمجاعة في العالم يمكنه كذلك أن يتجلى في المساندة المشتركة التي سيكون بمقدورنا تقديمها لاقتراح المدير العام لمنظمة التغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة بتنظيم قمة عالمية حول الأمن الغذائي نهاية العام. ويتمثل الموضوع الآخر ذو الأهمية البالغة والشاهد على شمولية مشاكل التنمية في تأثيرات التغيرات المناخية. فالمعاينة واضحة مرة أخرى سواء أتعلق الأمر بالنتائج الوخيمة على إفريقيا أم تعلق بانعدام مسؤولية القارة في هذه الظاهرة التي تجعل الأوضاع في المعمورة أوضاعا شديدة الهشاشة. إن افريقيا المتضامنة مع الكفاح العالمي ضد التغيرات المناخية تشارك في هذا المجهود ليس فحسب من خلال منظوماتها الإيكولوجية لكن كذلك من خلال أعمال طوعية للتقليص من انبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراري. إلا أنه لا مندوحة لنا من الاعتراف بأن الإمكانيات الضئيلة التي تتوفر عليها لا تتيح لها التوفيق بفعالية بين مقتضيات التنمية وضرورة التكيف مع التغيرات المناخية التي تشكل من جهة أخرى عوامل مشددة لمشاكل التصحر والجفاف وانحسار الغطاء الغابي وتدهور الأراضي والوصول إلى المياه التي ستطرح نفسها بحدة شديدة على معظم البلدان الافريقية. وهل من حاجة إلى الإشارة فضلا عن ذلك إلى المشاكل التي تتسبب فيها هذه الظواهر بالنسبة لإفريقيا من منظور تزايد عدد النازحين والأشخاص المهجرين مع كل مخاطر اللااستقرار التي يمكن لحالة كهذه أن تتسبب فيها. إننا نأمل شهورا قبل ندوة كوبنهاغن أن يشكل لقاؤنا هذا موعدا قمينا بإعطاء الأفضلية لعناصر الوفاق من أجل التكفل بحاجيات افريقيا المشروعة خاصة في مجال التكيف مع التغيرات المناخية. إن ما توليه افريقيا من عناية واهتمام لهذا المطلب يبينه رميها بثقلها كله في مسار المفاوضات المنتظر منه أن يفضي إلى منظومة مناخية عالمية جديدة لما بعد 2012 وإعدادها الجيد له مثلما يشهد على ذلك فحوى إعلان الجزائر للوزراء الأفارقة المكلفين بالبيئة في نوفمبر 2008 الذي تولته الندوة الوزارية المنعقدة بنيروبي في مايو 2009 بالإثراء. ختاما بودي أن أحيي مبادرة الرئاسة الإيطالية بتقديم اقتراح من أجل تعزيز الحكومة الإلكترونية في البلدان الإفريقية التي تواجه مشكل نقص الوسائل في مجال إدارة الانتخابات وتسييرها. إن المبادرة هذه فضلا عن تطويرها قدرات البلدان المعنية التي تريد ذلك من شأنها تعزيز الدينامية العامة التي تمت مباشرتها بالقارة في سبيل تحسين تسيير الانتخابات. إن الدينامية هذه ستشد بالضرورة أزر افريقيا والجهود التي تبذلها خاصة في إطار الآلية الإفريقية للتقويم من قبل النظراء وعلى مستوى مجموعة الحكماء من أجل تحويل الممارسة الديمقراطية إلى مطية قوية لتعميق الديمقراطية والحكم الراشد والاستقرار. أشكركم على كرم الإصغاء