تستقبل المدارس ابتداء من اليوم حشود التلاميذ، وطبعا فإن المناسبة في مجتمعنا لها تقاليد تم توارثها عبر الأزمان والأجيال، لعل أهمها استقبال المدارس لأبنائها وهم في كامل أناقتهم، بملابسهم الجديدة في يومهم الأول، غير أن هذه السنة أيضا توالت مناسبات ثلاث لكل واحدة شأنها ومقامهما وعادات معينة لإحيائها، فلا يخفى عن الجميع، أن شهر الصيام قد حل علينا قبل12 يوما، واليوم الدخول المدرسي وبعده بأسبوعين نحتفل بعيد الفطر، فكيف المخرج والتوفيق بين هذه المناسبات؟! يوحي الرواج غير المعتاد الذي تعرفه الأسواق هذه الأيام، بأن مناسبة ما يقترب موعد حلولها، فبعد استقبال الاسرة الجزائرية في الايام السابقة شهر رمضان الذي بات عند الكثيرين شهر الإنفاق وارتفاع الاسعار جراء المضاربات وارتفاع الطلب، ها هو الدخول المدرسي يعلن قدومه كمناسبة ثانية لا تقل شأنا من حيث المصاريف عن رمضان، ولا نبتعد كثيرا عن هذه "الحسابات"، فخاتمتها عيد الفطر، المناسبة الثالثة التي "تمسح" ما بقي في جيوب المواطنين... ومما يزيد الطين بلة، هو أن المناسبات الثلاث جاءت بعد نهاية العطلة الصيفية مباشرة، وهي المناسبة التي تستنزف من جهتها ميزانيات الاسر بسبب الاعراس والمناسبات، إلى درجة أن البعض علق يقول أن تداعيات كل ذلك سيؤثر على حياة المواطنين طيلة الشهور القادمة.
بين غذاء البطن.. وغذاء الروح عشية موعد الدخول المدرسي لسنة 2008 - 2009، يختار الكثيرون، خاصة ذوو الدخل المحدود بين الإنفاق على الطعام في شهر الصيام، والإنفاق على لوازم دراسة الأبناء ،بدءا من الحذاء الى آخر مستلزم دراسي يستوجب وجوده بالمحافظ، وفي السياق تعلق ربة أسرة التقتها "المساء" بداية الأسبوع الجاري بسوق مدينة الرويبة شرق العاصمة، وهي أم لثلاثة أطفال متمدرسين، أن تزامن شهر رمضان مع الدخول المدرسي وبعدهما عيد الفطر سيضغط كثيرا على ميزانية أسرتها التي يعيلها زوجها الموظف، لكنها تقول أنها ستولي كل مناسبة أوليتها، وحاليا تفكر في دراسة أبنائها لأنها الغذاء الحقيقي للروح، بينما مائدة الإفطار يمكن التنويع فيها حسب حنكة كل أم. وتضيف أن عيد الفطر يأتي أياما قلائل بعد العودة إلى لمدرسة، وهي المناسبة التي تعودت الاسرة الجزائرية على استقبالها بحلة أبنائها الجديدة، وهي نفس العادة التي دأبت معظم الاسر على السير وفقها مع بادية كل موسم دراسي، فأين المخرج هذه السنة وقد التقت مناسبتان معا في ظرف زمني وجيز؟ تجيبنا ذات المتحدثة بأن لباس المناسبتين سيكون واحدا، بحيث يرتدي ابناؤها اللباس الجديد في يومهم الدراسي الأول ثم يخبأ بالخزانة في انتظار هلال عيد الفطر مجددا، فالغلاء الفاحش الذي تشهده معظم الاسواق يحتم على كل أسرة محدودة الدخل، التفكير مليا والتسطير المحكم لتسيير النفقات حتى تمر "الأزمة" بسلام، من جهتها، اعترفت لنا أم لطفلتين متمدرستين أنها مضطرة ل"التحايل" على ابنتيها بشراء مئزر ومحفظة جديدة لكل منهما تراهما الأم أهم ما قد يرى على التلميذ عند دخوله في يومه الأول للمدرسة، يليهما "الصندل" أو الحذاء، فمن شأن المئزر الجديد أن يغطي اللباس الذي لا يشترط أن يكون جديدا كليا، وبما أن الطقس هذه الايام لطيف، فهو لا يتطلب لباسا كثيرا، يكفي ثوبا صيفيا خفيفا وفقط، أما اللباس الجديد فسيترك لعيد الفطر. من جهته، أكد لنا رب اسرة بذات السوق كان رفقة زوجته وأبنائه الاربعة، أن تزامن رمضان مع الدخول المدرسي وبعدهما عيد الفطر في ذات الشهر، أحدث ضغطا كبيرا على ميزانية الاسرة "مما جعلنا نلجأ الى الاسواق الشعبية لأن الاسعار فيها منخفضة مقارنة بالمحلات الكبرى، ونحن نحاول اقتناء المواد الضرورية ونغض الطرف عن كل المواد الاقل أهمية، لأننا بالمقابل مطالبون أيضا بتسديد فواتير الماء والكهرباء والإيجار". وعلى العموم، فإن السوق المحلي حاليا تمنح خيارا كبيرا يخدم حسب رأي محدثنا جميع المداخيل، إذ هناك الجيد جدا بأسعاره والاقل جودة والحسن، وكل حسب ثمنه وموجه حسب المداخيل، لذلك فإن التفكير الجيد والتخطيط المسبق يعينان كثيرا على مسك العصا من الوسط.
السوق متقلبة.. ومتجددة قد لا نختلف اذا قلنا من جهتنا أن السوق المحلية في السنوات القليلة الماضية، أضحت تلم بكل الجديد الذي قد يخطر على البال وما لا يخطر أيضا، بمعنى أن كل ما ترغب فيه تجده في السوق، كونها تتجدد بتجدد المواسم وتلاحق المناسبات، ولأنها تتجدد حسب الطلب، فإن أسعارها أكيد متقلبة، ففي زيارتنا الاستطلاعية لمحلات حسين داي وأسواق الرويبة، وصلنا الى نتيجة مفادها أن رفع الاسعار باقتراب المواسم خطوة "بديهية" لأن العمل كما يقال عنه موسمي، ونترك الحديث لأصحاب الشأن، إذ يقول كريم بائع احذية بسوق محطة حسين داي، أن جديد السلع لهذا الموسم يصل السوق الوطنية حوالي اسبوع قبل عيد الفطر، كون الحاويات من قارة آسيا لم تصل بعد، وما يتم عرضه حاليا، على الاقل على مستواه، ليس بالجديد المحض، رغم ذلك فإنه يسر لنا بقوله أنه لن يخضع السلعة ل"الصولد" كما هو معتاد عليه في مثل هذه الفترة من السنة، والتي تصادف انتهاء موسم الصيف واقتراب الخريف.. معللا ذلك بقوله أن التقاء الدخول المدرسي وعيد الفطر يعني ازياد الطلب، وعليه لا يمكن تفويت الفرصة للربح، وهذا هو منطق السوق. بالمقابل، يؤكد بائع إحذية بسوق الرويبة المغطى، أن السلعة الجديدة قد دخلت فعلا قبيل 3 أيام من زيارتنا، ويكاد يجزم أنه في ذات الفترة الزمنية تمكن من بيع 40 من سلعته مما يستوجب إعادة "تسليع" المحل، أي طلب بضاعة جديدة، كما يؤكد المتحدث أن اقبال الاسر على شراء الملابس والاحذية قد بدأ مع أواخر شهر أوت، ليشهد اقبالا كبيرا هذه الايام مع اقتراب العودة إلى الأقسام، وبلهجة المتأكد قال أنه سيلجأ الى شراء بضاعة ثالثة مع اقتراب عيد الفطر. أما عن نبض المستلك، فيشير البائع الى أن الميزانية تختلف بحسب اختلاف الاذواق، وعليه، فإن عديد الاسر اكتفت بشراء حذاء رياضي للذكور و"صندل" للإناث يلبس للمناسبتين (المدرسة والعيد)، فمن المرجح أن نستقبل عيد الفطر في طقس صيفي يتماشى معه "الصندل" أو الحذاء الرياضي على السواء. وعلى العكس من ذلك، قال بائع ملابس اطفال ولوزام مدرسية من حسين داي، أنه لم يتمكن بعد من أخذ قرار تجديد سلعة محله، إذ بالعادة أنه في مثل هذه الفترة من السنة يشرع في تصريف بضاعة الصيف ويتهيأ لاقتناء ملابس الخريف والشتاء.. ومع اقتراب العودة إلى المدرسة وعيد الفطر، فإن الحيرة ما تزال تطبع تفكير المتحدث، الذي قال أخيرا أنه سيكتفي باقتناء الجديد فيما يخص المآزر والمحافظ وبعض الملابس نصف الموسمية، أما ملابس الصيف فسيصرف ما تبقى عنده في المخزن في انتظار ما ستعلن عنه أحوال الايام اللاحقة. وبين مدو وجزر، ستمر الايام ويبلغ العرض والطلب أوجهما الى غاية آخر سويعات ليلة الشك لهلال عيد الفطر، ثم تهدأ العاصفة قليلا، ليتبين بعد ذلك أنها كانت "تسونامي" حقيقي قد أتى على أخضر مصاريف الأسر ويابس مدّخراتها.