عاد الحديث مجددا عن إمكانية الزيادة في أسعار الخبز بعد أن بلغت أسعار القمح اللين المخصص لصناعة الخبز عالميا 250 دولار للطن الواحد، وهو أعلى سعر يسجله هذا الغذاء الذي ما زالت الجزائر وستبقى لسنوات طويلة تلتهب بنيرانه، إذ تسجل للعام الثاني على التوالي المرتبة الأولى في استيراده برقم 3 مليون طن في السنة، إضافة إلى مليوني طن من القمح الصلب لتتواجد في المجموع في المركز الرابع عالميا في استيراد القمح بنوعية بعد دول تتميز بكثافة سكانية كبيرة وهي مصر والبرازيل واليابان. ولأن طعام الجزائري خبز في غالبيته بفعل غلاء اللحوم والفاكهة وحتى البطاطا، فإن أي إعلان عن زيادة في سعر الخبز يعني زعزعة في ميزانيات الأسر. ويدخل الخبز الآن سنته العاشرة دون زيادة تذكر، إذ تعود آخر زيادة إلى عام 1996 عندما دق رقم سبعة دنانير سعر الخبز. وما زال بعض الخبازين يصرّون على تجاوز سعر العشرة دنانير للخبزة الواحدة، معتمدين على ارتفاع سعر القمح اللين في فرنسا التي تمنحنا ثلثي القمح الذي نأكله سنويا بعد أن كان 126 دولار للطن الواحد وارتفع إلى 250 دولار للطن الواحد، وأرجعت فرنسا ومعظم الدول المنتجة سبب هذا الارتفاع إلى أسواق النفط المشتغلة! وكان بإمكان الجزائر أن تجد أسواقا (قمحية) أخرى مثل الجمهوريات السوفياتية، وتعتبر الجزائري حاليا الدولة الأولى في استيراد القمح المخصص لصناعة الخبز. وإذا قارنا الجزائر مع الدول المستوردة الكبرى فإن المقارنة لا تصب لصالحنا، إذ أن مصر والبرازيل واليابان كلها تنتج كمية كبرى من القمح، وتستورد نسبة لا تتجاوز 20٪ من استهلاكها، بينما تستورد الجزائر نصف ما تستهلك، وتؤكد أرقام (الفاو) المنظمة العالمية للتغذية أن الجزائر تستورد 5٪ من القمح ا لذي تستورده كل بلدان المعمورة والذي بلغ 124 مليون طن. وكل الدول التي تتواجد في مقدمة المستوردين هي ذاتها من أكبر المنتجين باستثناء الجزائر التي تستورد... وفقط! إذ تعتبر الهند ومصر وإيران دولا رائدة في الانتاج أي أنها قاب قوسين أو أدنى من الاكتفاء الذاتي، حيث تتواجد مصر في المركز ال 17 عالميا ضمن أكبر منتجي القمح ب 6.6 مليون طن ولا يزيد إنتاج الجزائر عن 2.5 مليون طن بالرغم من الفارق في المناخ والتضاريس ما بين الجزائر ومصر، كما تتواجد إيران في الرتبة ال 13 عالميا والهند في المركز الثالث ب 70 مليون طن سنويا، بينما تواصل الصين سيطرتها العالمية في إنتاج القمح بأزيد من 100 مليون طن سنويا متقدمة على أمريكا ب 62 مليون طن. وإذا كانت معظم الدول المتوسطية ضمن أكبر منتجي القمح في العالم، فإن الجزائر لا تتواجد حتى ضمن أكبر مئة دولة في العالم في إنتاج القمح، بالرغم من أن التساقط وشساعة المساحة هي ميزات زارعي القمح اللين، فيكفي القول إن سوريا تتواجد في المركز الثالث عالميا في إنتاج القمح الصلب ب 2 مليون طن وتنافس بالأرقام وبالجودة الولاياتالمتحدةالأمريكية التي أنتجت عام 2000 حوالي 2.7 مليون طن، ومع ذلك تحافظ أمريكا منذ ربع قرن على رتبتها كأكبر دولة تصدر (الفرينة ) إلى الخارج بحوالي 30 مليون طن سنويا، وتأتي بعدها كندا ثم استراليا والأرجنتين. إعتماد الجزائري على الخبز في وجباته اليومية هو نتاج عدم قدرته على تنويع وجباته ببقية الضروريات مثل اللحوم، فكلما تقدم البلد والمجتمع والفرد تضاءل تعاطيه للخبز، فالفرد الفرنسي الذي كان يستهلك 900غ من الخبز يوميا عام 1900م تناقص هذا الرقم عام 1950 إلى 325غ يوميا ليصل عام 2002 إلى 160 يوميا فقط، ويتواجد في فرنسا حاليا 36500 خباز تقليدي توارثوا مهنة صناعة الخبز عن جدودهم وتلقّوا تربصات خاصة جعلت الخبز الفرنسي تقليدا وتراثا سائرا في عدد من الدول مثل الجزائر التي عجزت عن الاستقلال »الخبزي« شكلا ومضمونا مع تراجع رهيب »لكسرة البيت« وتنامي رهيب أيضا للخبز الفوضوي الذي أصبح يباع في الشارع.. ويعتبر الخبز (الفرنسي) الشائع عندنا وفي تونس والمغرب واحدا من أشهر أنواع الخبز ووزنه 250غ. وبالرغم من أن الجزائري مستهلك متميز للخبز إلا أنه ما زال بعيدا عن استهلاك دول أوربا الشرقية التي يستهلك الفرد فيها 100 كلغ سنويا في بولونيا و93 كلغ في التشيك أي ضعف استهلاك الفرد الجزائري الذي يستهلك قرابة 60 كلغ سنويا، حسب منظمة (الفاو) التي تعطي في كل سنة جداول استهلاك الأفراد والدول، وتبقى أرقام الجزائر متذبذبة كدليل على تذبذب اقتصادي ومالي وحتى نفسي في حياة الجزائري الذي يتعاطى فيه إبن المدينة الخبز أكثر من إبن القرية، عكس ما يحدث في فرنسا إذ يستهلك الباريسي 36 كلغ من الخبز في العام الواحد في الوقت الذي يستهلك الفرنسي عموما 58 كلغ في العام.. والخبز كمادة غذائية هو جزء مكمل للوجبة ولا يمكنه أن يكون نصف وجبة لأنه يحتوي على نشويات تؤدي إلى إصابة متعاطيه بكثير من الأمراض مثل السكري والسمنة. ولأنه وجبة الجزائري الأهم فإن مجرد الحديث عن إمكانية الزيادة في سعره تحمي وطيس المخابز وتنذر بحزن الجيوب وارتفاع ميزانيات أرباب البيوت. ناصر