❊ الشورى تنتج علاقات تواصلية واجتماعية مستقرة وآمنة ❊ المشاكل النفسية سببها علائقيٌّ واجتماعي قبل أن تتطور إلى اضطرابات نفسية ❊ لا تكبتوا أبناءكم بالقول: "مازالك صغير".. اِستمعوا إليهم وجنّبوهم العقد النفسية أكدت المختصة في علم الاجتماع العائلي، المرشدة الأسرية ومستشارة تدريب احترافي في التنمية الذكائية والتواصلية مع الطفل، حياة بركوكي، أن الشورى أسلوب تربوي ممتع جدا في تثبيت روح الجماعة، وتعزيز الروابط الأسرية، وكبح الأنانية. وعنصر مهم جدا داخل الأسرة؛ فقد بث الخالق تعالى فيها قوة كل القيم؛ نظرا لما تُحدثه من أثر عظيم في استقرار الأسرة، وتوازن أفرادها، موضحة أن الشورى من مبادئ الدين الحنيف الأساسية؛ لما فيها من بركة، وخير كبير على الأهل. وقد نزلت سورة كاملة باسمها "سورة الشورى" ؛ لقوله تعالى: " وشاورهم في الأمر " (آل عمران :159)، وقوله تعالى: " وأمرهم شورى بينهم " (الشورى 38)؛ فلا نستغني عن منافعها داخل الأسرة، وداخل المجتمع ككل. أكدت المختصة أنّ للشورى أو التشاور داخل الأسرة، أثرا كبيرا، موضحة: "قبل أن تكون الأسرة وهي نواة المجتمع لا بد من تكوين زوجين سويَّين وسليمين، قادرين على قيادة شراع الأسرة إلى بر السلام؛ فهذا الزوج وهذه الزوجة جاء كل منهما من بيئة مختلفة، ومن عائلة مختلفة، ومن تنشئة أخرى بمعتقدات وتصورات وذهنيات وأخلاقيات وقيم وأفكار مختلفة، يتم اكتشافها وتبادلها خلال هذه العشرة الزوجية، والتي تصبح علاقة أسرية" . وأضافت: "كل هذه القيم المختلفة تتفكك، وتظهر نوعيتها من خلال التواصل المشترك، وإخراج الطرق الممكنة في المعالجة التربوية أو المسايرة أثناء التعاملات الأسرية اليومية" . ونبهت المختصة إلى أهمية تبنّي قيمة الشورى كممارسة وقيمة عليا في حل المشاكل، والبحث عن الحلول، والمشاركة الدائمة؛ حيث يكتشف الزوجان طباع كل واحد منهما، وأساليب التفكير، وفهمها، وفهم طرق التواصل بينهما؛ فلا يمكن أن يتأتى هذا دون وجود معبر تواصل. وأمتن معبر لهذا هو الشورى؛ لأن هناك أسرة ستُبنى، لا بد من تكاتف الجهدين معا للارتقاء بها. التشاور تعزيزٌ لقيمة الآخر أشارت المختصة إلى استحسان أن يكون الأب هو قائد الأسرة؛ يتميز بصفات المرونة، وخلق الاحترام بين الجميع، مع استعمال الأسلوب المحبَّب الذي فيه ترغيب، وجعلهم يُقبلون على روح الجماعة، وتبادل المواضيع المختلفة؛ فتعزيز قيمة الأم عند الأب أمام الأبناء وكذلك تقدير دور الأب واحترامه عند الأم، يزيد الأولاد وقارا لأمهم وأبيهم، ويمنحهم الاستمتاع، والتفاعل الإيجابي. وكذلك الأولاد يميلون إلى من يعزّز لديهم مواهبهم وقدراتهم، موضحة: "فمن المستحسن أن يعتمد الأبوان على منحهم أدوارا يمارسونها كلعبة في الحديث؛ حتى يستشعروا الجو التفاعلي". الحوار الأسري يجنّب الآفات الاجتماعية والأمراض النفسية أوضحت المختصة الاجتماعية أن الحوار الأسري باب واسع جدا وآمن قبل تشكّل العقد النفسية الناتجة عن البيئة السلبية والسامة داخل الأسرة. والتساؤل المطروح: "لو يعيش أفراد الأسرة بتفاهم وحوار وتواصل هل ستكون هناك مشاكل واضطرابات؟". وتجيب المختصة: "التشاور داخل الأسرة هو وقاية من حدوث الأزمات. و " الوقاية خير من العلاج " ؛ فعلى مستوى الأبناء والأبوين تصنع الشورى ترابطا متينا بين أفراد الأسرة؛ حيث تتشكل بينهم ثقافة تبادل الآراء، والتفاعل، والتواصل المستمر، والحوار؛ إذ يفصح الزوج لزوجته عن اهتماماته وانشغالاته، ولا يجد حرجا في مشاركتها مع الزوجة، بل يجد في ذلك تسهيلا، ودعم المودة والرحمة التي بينهما، وتثمين السلام والأمان داخل المنزل". وأردفت الأستاذة بركوكي في نفس السياق: "هذه العلاقة الناتجة عن الشورى داخل الأسرة، تسمح بخلق فضاء يخلو من النزاعات والشحناء والصراعات. وتحله البركة، والاتفاق، والتفاهم.. فالمشاركة في اختيار لون الغرفة مثلا، أو الأثاث، أو أكلة اليوم... تبدو للبعض أمورا بسيطة، ولكنها في عمقها إيحاءات إيجابية تقوي المحبة، وتوحّد القلوب، وتؤلّفها. وهي بنّاءة في تركيز أواصر الاتصال المستمر والمحبب، أو استشارة البنت في الزواج...هذا يثمّن تبادل التجارب والخبرات؛ للانتفاع بها، واتقاء المخاطر والأخطار". وأثناء كل هذه التبادلات التي تحدث عن طريق الشورى، ستتميز هذه الأسرة بعلاقات وطيدة بين الأبناء والأبوين. وتتطور وترتقي، ويصبح كل طرف فيها صديقا، وأخا، وقريبا للآخر داخل هذه الأسرة. ومن هنا وجود بيئة سليمة بين أفراد الأسرة (أولاد، أم، أب...) تعزّز السلامة النفسية، فتصبح الأنفس مرتاحة، وتسكن لبعضها البعض، شارحة: " إذا كان هذا السكن فهو يقي من نشوء إشكاليات نفسية، واضطرابات؛ كالقلق، والاكتئاب، والنفور؛ فإذا كان الزوجان مرتاحين في العلاقة، فهذا يجلب الراحة للأولاد، كما يجلب الراحة للأسرة. وإذا سكن كل فرد في الأسرة سكنت الأسرة.. وبالتالي فإن الشورى داخل الأسرة تخلق علاقات تواصلية واجتماعية مستقرة وآمنة. وهذه العلاقة تقود إلى سلامة نفسية وصحية"، مؤكدة أن "أغلب المشاكل النفسية سببها علائقي واجتماعي قبل أن تتطور إلى اضطرابات نفسية". السلوكات الأبوية تترسخ في البناء.. ونظرا لأن السلوكات الأبوية هي التي تترسخ في الأبناء وتصنع شخصية الطفل وتطوّر مهارات المراهقين خاصة.. فمثلا الطفل الانطوائي ليس لديه القدرة على التواصل الفعال؛ لكونه لم يحصل على التغذية التربوية الناجعة في صقل شخصيته داخل الأسرة؛ فقد نجده تعرض للاغتصاب، أو أُخذ حقه، أو تم ضربه، وغيرها من المشكلات المختلفة التي يتعرض لها؛ "وهذا سببه أنه كلما أراد إبداء رأيه تم إسكاته بقول: مازالك صغير، اسكت..."، حسب تأكيد المختصة. فالحوار الأسري، حسبها، هو تشجُّع على إبداء الرأي، والتصحيح، والتعديل، وحرية النقاش، والتحرر من العقد والكبت، وكتم المراد قوله؛ لأن الأسرة بالأساس، هي المركز الأول للتنشئة.. في حين أن الطفل قوي الشخصية وفصيح اللسان والمنطلق والقادر على التعبير وتحمّل المسؤولية، هو، بالأساس، من نشأ في أسرة علّمته منذ صغره، التحاور، وتعزيز قيمته، ومكانته، والأخذ بمشورته حتى لو بدا الأمر الذي يتحدث عنه، سخيفا. وقالت: "الطفل هنا يتعلم طرح انشغالاته، ويخطئ، ثم يعدّل ويصحح سلوكه داخل الأسرة؛ فلا بد من ترك الأبناء داخل الأسرة يستفيدون من أسلوب الشورى ومنافعها؛ حتى تكون لهم شخصيات متوازنة قيادية في مستقبلهم". وفي الختام أشارت المختصة الاجتماعية بركوكي، إلى أن الإنسان لم يُخلق ليعيش وحده في هذه الدنيا؛ فقد خلق الله لكل شيء زوجين؛ حتى تحيا الأنفس بتعاون وتكامل في رحلة حياة طيبة، فؤادها المودة والرحمة؛ "لذا فلنجعل رحلة بناء بيوتنا هي رحلة استمتاع لا امتناع، ونغيّر ما بأنفسنا حتى يغيّر الله ما بنا. ونسعَد في الدنيا والآخرة"، كما قالت. وختمت بقولها: "في الأخير أهدي قراء " المساء " هذا الدعاء الرائع للبيوت عن الرسول عليه الصلاة والسلام. وكانت امرأة تكثره وتقول: " والله كلما أكثرت منه حلَّت السكينة والأمان بين أولادي المراهقين، وبيني وبين زوجي؛ " اللهم ألِّف بين قلوبنا، وأصلح ذات بيننا، وارزقنا سبل السلام".