إلقاء الأوامر وفرض الرأي يفكك العائلة ويقضي على التواصل الإتصال هو الركيزة التي تحفظ توازن واستقرار الأسرة، ويستحيل قيام الحياة الإجتماعية دون القيام بعمليات الإتصال. وقد أظهرت الدراسات في هذا الشأن، أن الاتصال يبدأ من الحياة الجنينية ويتطور مع تطور الروابط الإجتماعية، حيث تعد الأسرة البيئة الأولى للتفاعل مع الأفراد. وبناء عليه، تكون الحياة الأسرية مرهونة بطبيعة الإتصال القائم فيها.. فإما تعايش سلمي وإما صراع وعنف ومن ورائه مشاكل لا تنتهي. ”التغنديف”..”الشاوية”، هي كلمات معروفة في المجتمع الجزائري، وتعني أن صاحبها ”المغندف” بالعامية هو من يلقي الأوامر التي يجب أن تنفذ جبرا، ولا يهم إن كان مخطئا أوصائبا، ومع الأسف فهذه اللغة الفوقية والسيادية تغزو أسرا جزائرية التي تنتج اليوم جيلا عنيفا لا يفهم إلا بالقوة. ويكفي أن ننظر للدراسات الحالية التي تدعو أرقامها إلى دق ناقوس الخطر، فالعنف بات متفشيا في المدارس والأحياء والمنازل، فالكل سيد والكل يلقي الأوامر، والكل لا يفهم ولا يفعل إلا ما يعجبه، وما يراه مناسبا من منظوره الخاص بعيدا عن المستوى التعليمي أو الخبرة الإجتماعية، أومراعاة شعور الكبير والصغير والجار والقريب. وكل هذه المشاكل والتصادمات التي تعيشها الأسرة الجزائرية اليوم والتي تؤدي بها في النهاية إلى التفكك، إما بالطلاق أو بارتكاب الجرائم، يمكن تفادي جزء كبير منها، فقط لو قام الأفراد المعنيون بالتحاور بينهم بهدوء وتوصلوا إلى الحلول الممكنة، في المجتمع الجزائري. ويرجع استعمال العنف داخل الأسرة إلى وجود أزمة اتصال تترجم تعذر تغليب لغة الحوار في الحياة اليومية، وهو ما دل على أن عجز الاطفال في مجتمعنا عن التعبير عن شعورهم على خلاف أطفال في المجتمعات الأخرى يأتي من العجز عن الإتصال داخل الأسرة. وهذا العجز يعبر عن استعمال العنف بدل الحوار وعدم القدرة على الإصغاء إلى الآخرين وأزمة الإعتماد على الأوامر بدل النقاش، باعتبار أن مصدر هذه الأزمة يكمن في كون الإتصال داخل الأسرة الجزائرية خط يعكسه احتكار الأب للإتصال. كما أن الإتصال داخل الأسرة الجزائرية بدأ يتقلص بتقلص حجم الأسرة بشكل ملفت للإنتباه والتي أصبحت ملغمة بمجرد دخول المرأة إلى سوق العمل، أين منحت الأولوية لعملها على حساب أسرتها وأولادها وزوجها، فضلا عن احتكار وسائل الإعلام والإتصال الحديثة التي تسمح بتلقي الرسالة دون المشاركة. التربية التقليدية تمنح السلطة للأب في إدارة الحوار أسر جزائرية كثيرة تمنح دائما السلطة للأب في إدارة الحوار داخل الأسرة في مختلف الحوارات مهما اختلفت المواضيع، حتى إن تعلق الأمر بالإبن في حد ذاته، فلا يمنحون له الوقت الكافي لتبرير موقف أو الدفاع عن نفسه. من جهة أخرى، فحتى وإن تعلق الأمر بالمشاكل التي ترتبط بأبنائهم بمختلف مستوياتهم العمرية كالمراهقين، فإنهم لا يولون لهم الإهتمام الكبير والرعاية الكافية والإستماع إلى انشغالاتهم التي ستصبح مع مرور الوقت مشاكل تضع الأولياء في مأزق كبيرة. في إطار الموضوع نفسه، أكدت دراسة ميدانية مختصة في علم النفس، على نقص الإتصال في الأسرة الجزائرية على أساس أن الحوار قليل والعلاقة مع الأبناء غير مبنية على التبادل. وأثبتت الدراسات والبحوث التي أجريت في مجال الجماعات، عن أهمية الإتصال وتنشيطه بين مختلف أفراد الجماعة، قادة كانوا أوتابعين. ومن المعلوم أن أي جماعة من الجماعات لا يمكن أن تقوم بجهد مشترك لتحقيق أهداف مشتركة ما لم يقم بين أفراد الجماعة اتصال فعال وتبادل مثمر للمعلومات والخبرات والآراء والإتجاهات وغيرها، وتطبيق ذلك على الأسرة. والأسرة التي تنشط فيها الإتصالات بين مختلف أفرادها والتي تتعدد فيها سبل الإتصال عادة ما تكون أسرة متماسكة وسعيدة، وعادة ما تذوب المشكلات داخل هذه الأسرة أو تجد الأسرة لهذه المشكلات الحلول المناسبة في الوقت المناسب، أن يجد كل فرد في الأسرة صغيراً كان أم كبيراً الفرصة للتعبير عن فكره ورأيه وأن يجد من بين أفراد الأسرة من يستمع إلى صعوباته ومشكلاته. وفي هذا كله، يجب أن يشجع الآباء الأبناء على التعبير عن آرائهم ومعتقداتهم، وأن يضع الآباء في الإعتبار اختلاف زمان الأبناء وظروفهم عن زمانهم هم والظروف التي نشأ فيها هؤلاء الآباء، باعتبارها أخضعت الفرد الذي لديه مشكل معين إلى الحوار وبالتالي إيجاد الحل المناسب في الوقت المناسب قبل أن يتراكم ويخرج عن السيطرة، والتي في كثير من الأحيان أدت إلى تشتيت الأسر وإصابة الأطفال بمختلف الأمراض النفسية. فشل الحوار يؤدي إلى الفشل في التنشئة الأسرية أظهرت دراسة ميدانية لمختصين في علم النفس حول الإتصال في الوسط الأسري، أن اضطراب أنماط الوظائف الإتصالية مسؤولة عن وجود المشكلات النفسية عند الطفل. وكشفت الدراسة أيضا أن بعض الأطفال الذين شملتهم الدراسة يعانون من الرسوب المدرسي، فرط الحركة، العدوانية والإضطرابات السيكوسوماتية. كما بينت الدراسة، التي اعتمدت على إجراء ثماني مقابلات مع كل أسرة لمعرفة كيفية الإتصال داخل الأسر، أن الإتصال في ثلاث أسر يتم عن طريق التشدد والتسلط، ما يسفر عن التمرد لمخالفة المعايير الموجودة. وفي ثلاث أسر أخرى يعجز الوالدان عن وضع ضوابط تضبط سلوك الطفل بسبب الإفراط في التسامح والحرية الزائدة، فيما يتميز الإتصال في أسرتين أخريين بالخلط والإرتباك والفشل. أما عن سبب قلة الحوار حسب معد الدراسة، فهي ترجع إلى غياب ثقافة الإتصال وتأثير التربية التقليدية التي تورث الخجل والتردد وعمل المرأة الذي يؤدي إلى تغيبها عن المنزل لمدة طويلة. وإلى جانب ذلك يحول انخفاض المستوى التعليمي دون إدراك بعض الأولياء لأهمية الحوار، وفي نفس الوقت تسلب وسائل الإعلام جزءا كبيرا من وقت بعض الأولياء وهناك أيضا عوامل أخرى تكرس قلة الإتصال في الوسط الأسري وتتمثل في الضغط المهني، المشاكل الإقتصادية والإجتماعية والصدمات المعيشية مثل الكوارث الطبيعية والأعمال الإرهابية، فهذه الأمور باجتماعها تؤدي إلى زيادة العصبية وعدم تحمل الحوار.