أدت أشغال الميترو الجارية منذ عدة شهور بوسط مدينة الحراش، الى غلق اجزاء كبيرة من المدينة، خاصة بمركزها المعروف لدى العام و الخاص بأسواقه التي تشد الزبائن من كل حدب و صوب، والتي جعلت منها قطبا اقتصاديا وتجاريا يعتد به ابناء هذه المدينة التي عادة ما تستيقظ باكرا و لا تضيق بزوارها الذين يتوافدون مع كل يوم جديد، لتتهيأ في اليوم الموالي لاستقبال زبائن ووافدين جدد... أشغال الميترو حولت مركز المدينة الى حلقة ضيقة و جعلت حركة السير و المرور لا تطاق ومن الصعب على سائقي السيارات و المركبات الدخول اليها اوالخروج منها بدون عناء. مسؤول في مؤسسة الميترو رفض الافصاح عن اسمه، قال على سكان مدينة الحراش، ان يتفهموا ما نقوم بإنجازه وانني واثق بأن وصول الميترو الى قلب هذه المدينة سيعود بالفائدة عليهم وعلى من يترددون على اسواقها الشهيرة التي ستزداد شهرة. أما تجار سوق جلمان للخضر والفواكه، فقد ضاق بهم الحال، لأن سياج ورشة الميترو قد حجبهم عن الزبائن الذين خصص لهم رواق لا يتعدى عرض رصيف، وذلك فضلا عن صعوبة ايصال السلع الى محلاتهم التي اصاب البعض منها الكساد، كما اوضح تاجر فاكهة، او كما قال آخر بأن خسائره تضاعفت لأنه مع الإغلاق الذي تشهده الجهة التي يوجد بها محله لم تعد تستقطب معه الزبائن لضيق الممر الذي ابقي عليه بعد تسييج منطقة الميترو. وبالمقابل، توجد الساحة المقابلة لمقر البلدية والتي نصب فيها تمثال الامير عبد القادر و التي كانت تشكل ملتقى الاحباب و هواة كرة القدم الذين يتشكلون من انصار اتحاد الحراش، في وضع غير مريح، حيث ضيقت عليها اشغال الميترو وفقد حديث الكرة نكهته واضطر الباحثون عن جديد "الكواسر" الى البحث عن ملجأ آخر، يتخذون منه فضاء لتداول الاخبار والتعاليق التي تسر الجميع، طالما ان "الصفراء" تعتلي ترتيب البطولة وراء "العميد". الساحة هجرها ايضا العشرات من الوافدين من المدن الداخلية الذين عادة ما يقصدونها في نهاية الاسبوع وايام العطل، للقاء والحديث عن جديد عالم الشغل او البحث عن عمل او عقد صفقات او الاستفسار عن الاهل والاصدقاء.. وهكذا اضطر هؤلاء بدورهم الى البحث عن مكان جامع يضمن لهم حرارة اللقاء ونكهة الحديث ويستقطب الاعداد الغفيرة. وعلى بضع امتار قليلة من سوق جلمان حيث توجد محطة النقل الحضري، يبدو المشهد حزينا، فالمحطة مهجورة والحافلات لا تتوقف كثيرا بها، وبداخل هذه المحطة تلاحظ مشاهد مؤسفة، بعد ان تحولت الى مرقد للمتشردين الذين يقصدونها للنوم في كل الاوقات والذين يتسبب البعض منهم في إزعاج المارة ومستعملي الحافلات. أما سكان حي" اش. ال. ام" الذين ابعدتهم الاشغال بمئات الامتار عن سوق جلمان ومقر البلدية او ساحة الاستقلال او مقهى الكحلة، بالنظر إلى جدار الفصل الحديدي الذي قطع طريقهم وارغمهم على سلك طرق التفافية، فهم وفي كل الحالات الخاسر الاكبر، وقد تترجم معاناتهم بعض الكتابات الجدرانية التي لجأ إليها البعض للتعبير عن معاناتهم اليومية ولفت انتباه العاملين في ميترو الجزائر، للإسراع في انجاز الاشغال. وهكذا رهنت اشغال الميترو حياة مدينة الحراش الى اجل غير مسمى، لكن وفي كل الحالات، فإن اسدال الستار على الاشغال سيعيد بعث الحياة من جديد و سيطوي الناس هذه الصفحة بسرعة، وسيجد المتقاعدون من ابناء المدينة، الارصفة التي كانت تجمعهم في كل اوقات النهار وسينشط سوق جلمان وتمتلئ ارصفته بالمتسوقين الذين كانوا يتهاتفون على ما يعرض من فواكه بأسعار فيها ما يغري وفيها ما يلهب الجيوب.