تحيي الجزائر اليوم، الذكرى ال48 لمظاهرات 17 أكتوبر 1961، عرفانا لنضال الجزائريين بالمهجر وترحما على أرواح الشهداء الذين سقطوا في هذه المظاهرات السلمية غدرا برصاص القوات الاستعمارية الفرنسية. ويتزامن إحياء ذكرى اليوم الوطني للهجرة هذا العام مع هجمة فرنسية على الذاكرة التاريخية للأمة الجزائرية في محاولة للسطو على هذه الذاكرة بعد محاولات التطاول على تاريخ الجزائر. لكن الوقوف كل سنة على احداث هذه الذكرى التي تعتبر احدى الصفحات البارزة للتاريخ الوطني الثوري يجعل الجزائريين أكثر وحدة ووعيا في مواجهة هذه المحاولات الاستعمارية الفرنسية الجديدة، ولعل استخلاص العبر من مظاهرات 17 أكتوبر 1961 سيظل متواصلا بين الجزائريين، جيلا عن جيل، ومن حقبة تاريخية لأخرى، مهما تغيرت الظروف والملابسات. لقد فشلت السلطات الفرنسية والاعلام الكولونيالي في التمييز بين الجزائريين في الجزائر والموجودين في المهجر عندما حاولت اعتبار الأوائل ارهابيين، والمجاهدين مجرد شغالين ليس لهم علاقة ولا رابطة بالثورة الجزائرية لكن الجزائريين أثبتوا من خلال مظاهرات 17 اكتوبر، أنهم شعب واحد، مؤمن بالاستقلال والحرية، ومستعد من أجل ذلك لنقل الثورة إلى عقر دار فرنسا، ضاربا بذلك مثالا في التضحية والشهادة من أجل استقلال وطنه. إن المحاولات الفرنسية، التشويش على الذاكرة التاريخية للأمة الجزائرية، تصطدم لامحالة أمام معاني هذه الأحداث التاريخية البارزة في النضال السياسي والكفاح المسلح للشعب الجزائري، ضد فرنسا الاستعمارية، فمظاهرات 17 أكتوبر مثلا، قد قطعت الطريق آنذاك أمام السلطات الاستعمارية في التفرقة بين المهاجرين والجزائريين بالداخل، وعرّفت الحركى في الداخل وفي الخارج بل حتى على المستوى الدولي عندما كشفت حقدهم وبطشهم للجزائريين. والاحتفاء بهذه الذكرى، كل سنة، هو رد على محاولات الحركى الذين تقف وراءهم السلطات الرسمية الفرنسية لطمس نضال وتضحيات كل الجزائريين الشرفاء الذين يعرفون هؤلاء الحركى عندما حاربوهم هنا في الداخل وكذا داخل فرنسا حينما نقلوا الثورة إلى أبواب باريس. إن استصدار فرنسا لقانون تمجيد الحركى وإنشاء مؤسسة فرنسية »لتزوير كتابة تاريخ الحركة الوطنية الجزائرية"، ليصطدم أمام الحركى أنفسهم، فهم مثلما هو شائع لدى جميع الشعوب وتقرّه الأعراف والقوانين، خونة وعملاء، يسلط عليهم جزاء القتل، أو النفي الأبدي عن أوطانهم الحقيقية عندما يكونون مقيمين خارجها. ومثلما كان الجزائريون قادرين على تنظيم أنفسهم لنقل الثورة إلى باريس، مؤكدين للعالم قوة عدالة قضيتهم الوطنية، هم منسجمون اليوم في موقفهم الموحد حيال حماية الذاكرة التاريخية للأمة الجزائرية، والتصدي للهجمة الفرنسية الهادفة الى التشويش على تاريخ الثورة باستعمال الحركى، مثلما استعملتهم من قبل حتى تتهرب من الاعتراف بجرائمها في الجزائر، ولا تقدم اعتذارا للشعب الجزائري الذي ارتكبت جريمة في حقه عمرها 132 سنة. إن إحياء الذكرى ال48 لمظاهرات 17 أكتوبر 1961 يعني للأجيال المتعاقبة وحدة الجزائريين أينما كانوا وحيثما وجدوا، مثلما يعني قوة تنظيمهم عندما يتعلق الأمر بقضيتهم الوطنية فقد أثبتوا للعالم كله قدرتهم على نقل الثورة إلى باريس في 24 ساعة، في وقت كانت فرنسا تعتقد أن أواصرهم بالوطن الأم قد تقطعت. لكن التحام الجزائريين وإيمانهم بوطنهم وعدالة ثورتهم جعل هذه الأخيرة أكثر تنظيما وانتشارا وكانت وحدة القرار السمة البارزة بها، وبنجاح مظاهرات 17 أكتوبر في تحقيق النتائج المسطرة من طرف جبهة التحرير الوطني والحكومة المؤقتة وقيادة الثورة لخير دليل على المعاني السامية التي يجب استلهامها من هذا الحدث التاريخي البارز في تاريخ الثورة علاوة على استخلاص العبر للتعاطي مع مستجدات الأحداث لاسيما في علاقات الجزائربفرنسا.