كثيراً ما يشاهد المرء غيره وقد تغيرت أحواله للأحسن فيغتاظ، كما قد تعتريه مشاعر الغضب عندما يعلم أن غيره قد حلت به نعمة أو أتاه خير، إنه الشعور بالحسد الذي تزداد خطورته حسب العارفين من أنه يضر بالطرفين معاً، الحاسد والمحسود، لكن ضرره في الغالب يكون مقصوراً على الحاسد. هل شُغل بال أحد منكم من قبل بالحسد؟ لا نقصد أن تحقد على أحد أو تحسده، ولكن قد تعرضت للحسد بعد بذل مجهود وتعب وحرقة دم لمدة طويلة للوصول إلى ما كنت تسعى إليه، بل وصرفت الكثير، فتجده بعد ذلك يضيع أمام عينك في ثوان بسبب عين حاسد! ولماذا التحاسد والتباغض والكره طالما أن الله تعالى اختص نفسه بتقسيم الأرزاق من فوق السماوات؟
العين و"التابعة" مصطلحات متداولة دخلت مصطلحات عديدة قاموس الجزائريين هدفها الشكوى والتذمر من الأحوال العامة أو تبرير الفشل وحتى بعض المصائب التي قد تعصف بالبعض من حين لآخر، من تلك المصطلحات نجد "التابعة"،"العين" و"الحْسد".. وهي في الحقيقة كلمات تعبر عن سخط الجزائريين على واقعهم الذي قد يحمل الكثير من الآلام، بعدها لا يجدون متنفسا آخر إلا القول "كاتبة" كناية عن أن الحاسدين كانوا وراء الفشل، وكأن إحساسهم السلبي أو أحكامهم السلبية المسبقة المبررة للفشل ليس له أي دخل في واقعهم ذاك.. هذه الذهنيات أصبحت هاجسا لدى الكثيرين ممن يعيش باعتقاد أن العين والحسد وراء إخفاقه في كل شيء.. لا وجود لحل سحري أمام هذا الواقع، فكل إنسان يميل بالفطرة إلى تحقيق النجاحات وأن يكون محط إعجاب، إلا أن الواقع يثبت حقا وقوع حالات فشل بسبب حسد الحاسدين وما أكثر العينات بمجتمعنا.. إحداهن أرجعت سبب فشلها في حياتها بحسب تعبيرها إلى "العين" و"الحسد" من طرف بنات عماتها، خاصة بعد فشلها مع خطيبها في إتمام مسيرتهما نحو عقد القران بأشهر قليلة، ما عرّضها لصدمة نفسية عزّزت لديها القناعة بالعين والحسد الذي يلازمها ويعكّر صفو إتمام كل مشاريعها وأهدافها. أما مجيد فيرى أننا كلنا معرضون للحسد، بل يقول إن "عين الجزايري واعرة" بدليل خسارته المتتالية في تجارته، مرجعا الأمر إلى حديث الجيران وأبناء عائلته عن نجاحه الاقتصادي وهو في مقتبل العمر! أما لمياء فقد توالت إخفاقاتها في نيل شهادة البكالوريا رغم نقاطها الجيدة خلال مشوارها الدراسي، قالت إن "تابعة" الزميلات الحاسدات وحتى أبناء عائلتها وبعض الجيران الذين كانوا يقولون لها دوما إنها سوف تنجح في البكالوريا كونها تلميذة ممتازة هي السبب، والنتيجة كانت عكس ذلك تماما، وتوالي إخفاقها في نيل الشهادة 3 مرات متتالية! وهو ما جعلها تتشاءم قبل التفكير في تكرار المحاولة مرة أخرى.
مرض اجتماعي لابد أن نعرف أن للحسد آثارا سلبية كبيرة جداً على المجتمع في تماسكه وترابطه، خاصة وأنه كشعور يشعل النيران في صدر الإنسان تجاه أخيه الإنسان، ولأن الكمال لله وحده فإن القليلين فقط ممن يفرحون لفرحة الآخرين من دون حسد، لذلك فإن المتتبعين يشيرون إلى أن الحسد يكاد يكون أمرا طبيعيا، لأنه عيب منتشر يشعر به كل الناس في لحظة من لحظات حياتهم. وهناك من الناس من يشعر بعقدة النقص تجاه مظهرهم الخارجي مقارنة بأقرانهم، ما يولد لديهم إحساس الكره تجاه الآخر، مثل إحداهن التي كانت تتملكها رغبة قوية في صفع الفتيات في مثل سنها اللواتي كن يتمايلن وهن يلبس سروال الجينز التي منعتها بدانتها من ارتدائه، ثم أقسمت على أن تجعل نفسها محط اهتمام الشباب باتباعها لحمية غذائية قاسية مكنتها بعد شهور من لبس الجينز دون الحاجة للبس سترة طويلة فوقه. وخطورة الحسد تكمن في أنه مرض يصيب القلوب، لذلك فهو ليس مشكلة ظاهرية، فأحيانا لا يشعر الحاسد بحسده ولا يعلم أنه مصاب بهذا الداء والمرض، ومن سلبياته أنه يؤدي إلى الشحناء والبغضاء وتتبع زلات الآخرين وسقطاتهم وإخفاء محاسنهم وهذا قد يهدم علاقات إنسانية كثيرة تصيب المجتمع بالانهيار في مرحلة ما.
إحساس لتطوير الذات
يذكر أخصائيون نفسانيون أنه بإمكاننا تحويل الحسد إلى دافع مشجع لتطوير الذات والانفتاح على الآخر، وقبل أن نستسلم للحسد ونترك أمواجه تجرفنا معه يجب أن نقول لأنفسنا إنه مهما بدت الفروق بيننا وبين الآخرين كبيرة، فإنها ليست إلا أشياء قليلة مقارنة بالأشياء الكثيرة التي نتقاسمها جميعا، مثل الولادة والمرض والألم والكفاح اليومي ضد ما يجعلنا نعاني، وفي النهاية الجميع يعيشون المعاناة نفسها، ونحن بلا شك نرتكب خطأ كبيرا باعتقادنا أن فلانا أسعد من فلان لمجرد أنه يملك شيئا ما. ويمكن إذا بذلنا مجهودا أن نتغلب على الشعور بالحسد والتغلب عليه وتجاوزه وجعله وسيلة تساعدنا على إدخال التجانس على علاقتنا بالآخرين، وبدل أن تكون لدينا فكرة الحسد سلبية نكون أفكارا أخرى إيجابية، مثل أن نفرح لفرح الآخرين بدل أن نتمنى زوال النعمة عنهم، وهذا من شأنه أن يوصلنا إلى السلام مع أنفسنا ومع الشخص الذي نحسده، وبالتالي فإن هذا يعود بالنفع على علاقتنا معا.