بدأت سلطات الاحتلال المغربية تشعر بضيق متزايد من تصرفاتها العدائية ضد الحقوقيين الصحراويين المعتقلين بداية الشهر الجاري في محاولة لافتعال مبررات للتغطية على خروقاتها المتواصلة ضد أدنى حقوق الإنسان في المدن المحتلة وقمع الأصوات الصحراوية المنادية بتقرير مصير الشعب الصحراوي. وفي تحرك المدافع عن النفس شرعت الرباط في محاولة يائسة في حملة واسعة لإقناع عواصم العالم والمنظمات الحقوقية الدولية بمشروعية قرار اعتقالها لسبعة من نشطاء حقوق الإنسان الصحراويين بدعوى أنهم تحدوا السلطة المركزية في الرباط ومسوا مساسا خطيرا بما يسميه المخزن بالسيادة الترابية للمغرب. وكان تقرير سري وجهته السلطات المغربية إلى سفراء الدول المعتمدة في الرباط حاول جمع مبررات "مشروعية" اعتقال سبعة حقوقيين صحراويين زاروا مخيمات اللاجئين الصحراويين في منطقة تندوف نهاية الشهر الماضي وبداية الشهر الحالي في إطار التواصل بين صحراويي الداخل والخارج. وحتى تعطي مصداقية لمبررات فقدت أدنى إقناع، أكدت الرباط أن مجموعة الحقوقيين السبعة تجرأت هذه المرة بعد أن توجهوا إلى مخيمات اللاجئين في سابقة هي الأولى من نوعها منذ اندلاع النزاع في الصحراء الغربية وفي تحرك وصفته الدعاية المغربية بأنه استفزازي وغير مقبول. وهذا النعت هو الذي جعل الرباط تحيل مجموعة الحقوقيين ولأول مرة على محكمة عسكرية وهو ما يعطي التأكيد على أن السلطات المغربية تريد توجيه تهمة الخيانة العظمى لهؤلاء وبالتالي تهيئة الرأي العام الدولي لتقبل أحكام قاسية ضدهم مع أنهم ما انفكوا يؤكدون أنهم صحراويين ولا يشعرون بأي ولاء للسلطة المغربية ولا لسيادة المغرب على إقليمهم الذي يناضلون من أجل انتزاع استقلاله. والمؤكد أن التصرف المغربي الذي كشف عن توتر وصدمة مغربية من تنامي درجة الوعي القومي الصحراوي منذ انتفاضة الاستقلال بالمدن المحتلة في 21 ماي 2005 جعل الرباط تستشعر خطر ثورة داخلية من عمق المدن المحتلة رغم أنها لا تفوت مناسبة إلا وأكدت أن سكانها يرفضون الخروج عن طاعة التاج المغربي. والواقع أن المبررات و"قرائن الإدانة" التي سوقتها المخابرات المغربية والتقفتها السلطات السياسية لتوجيهها إلى سفارات مختلف الدول في الرباط لا تجد مصداقية لها بعد أن زعمت أن هؤلاء تجاوزوا الخط الأحمر بذهابهم إلى مخيمات اللاجئين للقاء ذويهم الذين شردوا منذ أكثر من 34 عاما. وحتى تعطي لتهمها مبررات قرار اعتقالهم فقد أكد التقرير السري بأن هؤلاء لم يتم استجوابهم يوم زاروا الجزائر شهر جويلية الماضي في إطار فعاليات المهرجان الإفريقي الثاني ولكنها ما كان لتقبل بزيارتهم الثانية بعد أن تجرؤوا وزاروا مخيمات اللاجئين. والواقع أن تهم المغرب لهؤلاء لم تخرج عن عادة القوى الاستعمارية وتسلط سياسة أمر واقع تجاوزه الزمن، بل إنها تضرب السياسة التي تسوقها المغرب منذ عقود من أجل تمرير سياسة ضم الصحراء الغربية ومنها التأكيد على أن المتهمين مسوا بالسلامة الخارجية للدولة وألحقوا الضرر بوحدة المغرب. وهي التهم التي وجهتها السلطات المغربية رغم أن تصريحاتها ما انفكت تؤكد أن غالبية الشعب الصحراوي يريد البقاء تحت السيادة المغربية دون أن يمنعها ذلك ولم يحرجها في قمع مجموعة الحقوقيين الصحراويين لأنهم "يزعزعون ولاء المواطنين والمساس بسلامة الدولة المغربية". وقد فهم الحقوقيون الصحراويون الذين كسروا حاجز الخوف الذي فرضته أجهزة المخابرات المغربية ضدهم أن السلطات المغربية وأجهزتها الأمنية لن تسكت هذه المرة عن "الجرأة الزائدة" لشباب جاهر برفض سياسة الأمر الواقع المغربية التي كرستها طيلة عقود على السكان الأصليين بدليل التهم الثقيلة التي وجهت لهم ومنها الخيانة والمساس بأمن الدولة. وتأكد هؤلاء من صدق حدسهم عندما وجدوا سيارات المخابرات المغربية في انتظارهم أمام مدرج الطائرة التي أقلتهم في طريق عودتهم إلى مطار الدارالبيضاء حيث وضعوا رهن الحبس لعدة أيام متتالية في أقبية مظلمة بزنزانات أعادت إلى أذهانهم تلك الصور البشعة التي تناقلتها مختلف الشهادات عن معتقل تازمامارت والسجن الأسود وجلسات التعذيب بشتى وسائل الاستنطاق. ولم يكن من الغريب أيضا أن توجه العدالة العسكرية المغربية للصحراويين السبعة تهما بالاتجار بالمخدرات والسرقة والخروج عن القانون في محاولة لضرب سمعتهم أمام الصحراويين والقول أنهم لا علاقة لهم بحقوق الإنسان. وإذا سلمنا بمثل هذه التهم فلماذا لم تتوان السلطات المغربية على توجيه تهمة الخيانة العظمى لهم وهي تهمة عادة ما توجه لأكبر السياسيين أو القادة العسكريين وليس لمجرمي الحق العام الذين كان بالإمكان محاكمتهم دون أن يسمع بهم أي أحد. ورغم مثل هذه المزاعم فإن التقرير السري المغربي الذي أرسل إلى مختلف السفارات الأجنبية في المغرب أكد في حق هؤلاء الشيء وضده فهو من جهة نعتهم على أنهم مجرد مجرمين وتجار مخدرات ومغتصبين ولكنه في نفس الوقت لم يتستر عن مخاوف مغربية متزايدة من خطر انتقال عدوى المطالبة بالاستقلال التي يرفعها هؤلاء إلى عامة الشعب الصحراوي الذي قسم حسب نفس التقرير إلى مطالبين بالاستقلال وأغلبية صامتة وآخرين من مؤيدي الوحدة الترابية. بل إنه اعترف أن مطالب هؤلاء بدأت فعلا في التنامي المضطرد في ما تسميه اللغة الرسمية والإعلامية المغربية ب"المحافظات الجنوبية" وسط "نخب جديدة" في إشارة إلى الصحراويين المطالبين باستقلال بلدهم. والتساؤل الأكبر الذي يطرح هو لماذا تعاملت السلطات المغربية مع مجموعة الحقوقيين السبعة بهذه الصفة وهي التي أقرت عن اقتناع بضرورة تواصل العائلات الصحراوية في إطار المساعي الإنسانية للأمم المتحدة في إحدى أقدم مناطق التحرر في إفريقيا. ويتأكد من يوم لآخر أن السلطات المغربية أصبحت تتخبط في مستنقع كانت سببا في إحداثه قبل 35 عاما ولم تعد تعرف السبيل للخروج منه بعد أن أعماها شعار الوحدة الترابية للمملكة غير القابلة للمساومة واعتبرتها شيئا مقدسا بنفس قداسة الملك في مملكة تاهت في دوامة مشاكل اقتصادية متنامية ومطالب لغالبية شعبية متزايدة وملحة لم تستطع الاستجابة لها.