تحل علينا اليوم الذكرى ال55 لغرة نوفمبر المجيدة، لنخلدها مرة متجددة، ولنحتضنها هذه السنة بشعار "مصالحة، بناء وتواصل" المعبر عن إرادة الجزائريين في تدعيم مقومات التلاحم والعمل وتحقيق التواصل بين الأجيال، وبين منجزات ثورة التحرير العظيمة، ومعركة البناء والتشييد التي خاضها الشعب دون ملل غداة النصر والاستقلال. فاليوم تتوقف الجزائر عند إحدى أهم محطات تاريخها الحديث، والتي تظل تشكل المرجع والمعلم الخالد لكل التحولات التي تعرفها البلاد في مختلف مجالات الحياة، ذكرى تفجير ثورة مظفرة ضد محتل غاشم أراد سلب حرية الجزائريين وتجريدهم من حقهم في العيش على أرضهم في كنف السلم والكرامة والاستقرار. وقد كانت ثورة التحرير المجيدة التي اندلعت ليلة الفاتح نوفمبر 1954، نتاجا لمسار تاريخي مفعم بالتضحيات، التي خلفتها سلسلة المقاومات الشعبية التي دارت رحاها في مختلف المناطق الجزائرية من أطراف الصحراء والتلال إلى سهول المتيجة وجبال القبائل الشامخة. وقد أفرزت مرحلة المقاومات تلك حركة وطنية جزائرية نشطة عملت على تعبئة الجماهير وتنمية الوعي الوطني، الذي تمخضت عنه فكرة النضال من اجل الحرية والاستقلال، تحت لواء جبهة التحرير الوطني التي قادت الثورة المسلحة وفجرتها ليلة الاثنين من عام 1954، محددة لنفسها شعارا واحدا هو "النصر أو الاستشهاد". ولم تفلح كل الأساليب والمكائد التي استخدمها المستعمر الفرنسي الذي لجأ إلى إحراق القرى والمداشر وتخريب الديار والممتلكات وإقامة المحتشدات وتوسيع السجون والمناطق المحرمة وتشييد الأسلاك المكهربة والنفي والتفنن في التعذيب، في إطفاء لهيب الثورة وغضب الثوار، وذلك بفضل التنظيم المحكم الذي تم تخطيطه لها، ودعمها بعوامل الانتصار منذ انطلاقها، حيث تم تجنيد كل الإمكانيات المادية والمعنوية التي جنبتها الفشل والانهزام، وقادتها نحو نصر أكيد، أعاد للبلاد سيادتها واستقلالها بعد سبع سنوات ونصف السنة من الكفاح المسلح. ويعكس شعار "مصالحة، بناء وتواصل" الذي تم اختياره هذا العام لإحياء ذكرى الثورة المجيدة، الأهداف والأبعاد التي تم رسمها في بيان أول نوفمبر، الذي يعد أكبر وأبرز ميثاق حدد معالم النصر والانعتاق للجزائريين، وحدد لهم استراتيجية التطور والازدهار القائمة على روح التلاحم والتكافل والتضحية من اجل تحقيق مبادئ السلم والعلم والعمل، ومواصلة مسيرة الشهداء من خلال معركة البناء والتشييد. وبعد ميثاق نوفمبر جاء ميثاق السلم والمصالحة الوطنية ليعيد نشوة الانتصار للشعب الجزائري الذي رفع التحدي وأثبت مرة أخرى للعالم اجمع، تحليه بالوعي والحس الوطني واستئثار المصلحة العليا للوطن في مختلف مراحل تاريخه العظيم. وستبقى المكاسب والانجازات التي حققها هذا الشعب على مر سنوات تاريخه الحافل، حافزا دائما للمضي في تثمين وتعزيز مسيرة البناء والتنمية المتواصلة والاجتهاد من اجل اللحاق بركب الحضارة الإنسانية التي تتابع انجازاتها بسرعة مذهلة، ومغادرة منطقة التخلف ومظاهره النفسية والاجتماعية والتاريخية. ويتزامن إحياء ذكرى الثورة التحريرية هذا العام مع تبني الجزائر لدستورها الجديد المدعم بإجراءات تكفل الحفاظ على الذاكرة الوطنية والدفاع عنها، وكذا مع مجموعة من المشاريع التي وصلت إلى مرحلة متقدمة من الانجاز، والهادفة في مجملها إلى صون ذاكرة الشعب والأمة وتخليد تاريخها المجيد، ومن بين هذه المشاريع إصدار سلسلة "أمجاد الجزائر" الموجهة للأطفال والتي تتناول حياة رموز الثورة، علاوة على طبع أزيد من 180 عنوانا وتحميل المعلومات التاريخية على أقراص مضغوطة، ومواصلة عملية رقمنة الأرشيف التاريخي وترميم وصيانة وجمع الوثائق على مستوى المتحف الوطني والمتاحف الجهوية وملحقاتها عبر كامل التراب الوطني. في حين يتضمن برنامج الاحتفال بالذكرى ال55 للثورة التحريرية العديد من النشاطات الفكرية والثقافية والفنية منها إنجاز معالم تذكارية وترميم مقابر الشهداء والمعالم التاريخية مع الشروع في دراسة خاصة بإنجاز "بانوراما تاريخ الجزائر" وإعداد خارطة تاريخية وطنية إلكترونية، وبعث مشاريع انجاز أفلام وأشرطة وثائقية تتناول مختلف مراحل وأحداث الثورة الجزائرية وحياة شخصيات ثورية صنعت التاريخ المجيد للجزائر.