الطريق هي التي تساهم في الدفع بعجلة التنمية وتحقق الإقلاع الاقتصادي لأي دولة وتشجع أصحاب رؤوس الأموال على الاستثمار أكثر في الوطن. وحسب تجربة الدول المتقدمة فإن رجال الأعمال يرفضون استثمار أموالهم في دول لا تتماشى شبكات طرقهم والمواصفات العالمية، وتبقى شبكات الطرق -على حد تعبير المختصين- الضمان الوحيد للصحة الجيدة للاقتصاد الوطني وهو ما دفع بالحكومة إلى اعتماد مشروع القرن "الطريق السيار شرق غرب" الذي يتوقع له أن يكون قفزة نوعية في مجال النقل والتجارة الداخلية خاصة إذا علمنا أن 85 بالمائة منها تتم عبر الطرق البرية، كما أن اختصار الوقت والطريق ساهما بشكل كبير في ارتفاع حجم المبادلات التجارية بين الولاياتالغربية والشرقية والوسطي، وخلال الزيارة التفقدية التي قادتنا للاطلاع على تقدم المشروع من الجهة الغربية وقفنا على ارتياح السكان في انتظار الانتهاء من تجهيز كل المرافق الضرورية خاصة الإنارة العمومية ومحطات الوقود التي تبقى الإشكال الوحيد المطروح من طرف مستعملي الطريق التي اختصرت الوقت للتنقل من وسط العاصمة إلى ولاية وهران في أربع ساعات على أكثر تقدير في انتظار الانتهاء من إعداد الشطر الأخير الرابط بين منطقة يلل ووسط مدينة وهران. كثر الحديث في المدة الأخيرة عن محاسن ومساوئ الطريق السيار شرق غرب وسط المواطنين الذين لم يتوانوا في استعمال الطريق الجديدة التي اختصرت المسافات بين ولايات كانت في الأمس يحسب لها ألف حساب قبل حزم الأمتعة للسفر إليها على غرار ولاية وهران، في حين يتم حاليا السفر إليها والعودة في نفس اليوم بعد أن تم تعبيد شطر كبير من الطريق الوطني رقم 04 الرابط بين العاصمة ووهران، "المشروع الضخم للطريق السيار شرق غرب يعد مفخرة للجزائريين ويمثل دليلا قاطعا على الجهود المبذولة من طرف الدولة لإرساء قواعد تنمية حقيقية مستدامة ومنسجمة، هكذا علق وزير قطاع الأشغال العمومية السيد عمار غول في وصفه للمشروع الذي تسهر الوزارة على انجازه ومراقبته من خلال تجنيد طاقم من التقنيين والمفتشين الذين لا يتوقفون عن الزيارات الميدانية للوقوف على نوعية مواد البناء المستعملة ومدى ملاءمة المنشآت المنجزة مع دفاتر الشروط التي ضبطت وفق مقاييس عالمية. وقصد الوقوف على نوعية الطريق قامت "المساء" بجولة على طول الطريق السريع الذي يربط العاصمة بغرب الوطن الذي مكّن من فك العزلة عن العديد من المناطق رغم شكاوى بعض البلديات التي انخفضت فيها التجارة، حيث تشير التقارير الأخيرة إلى ارتفاع أسعار العقار عبر عدد من المناطق التي كانت منسية في السابق، في حين سجل تسابق من طرف اكبر العلامات التجارية بالجزائر لافتكاك اكبر قدر ممكن من العقارات التي يتوقع أن تفتح على شكل مساحات تجارية وإنتاجية خاصة بعد قرارا ت قانون المالية التكميلي لسنة 2009 والذي فك الخناق عن ميناء العاصمة من خلال توجيه العديد من البواخر إلى موانيء الغرب بوهران ومستغانم والشرق بعنابة وسكيكدة، مما خلق تكاملا اقتصاديا على حد تعبير بعض المختصين الذي يتنبئون بقفزة نوعية في التنمية المحلية بعدة ولايات تملك طاقات هامة لكنها لم تجد السبيل لإظهارها. كما أن الطريق السيار شرق غرب قرّب المواطن أكثر من معالم طبيعية خلابة وهو ما لمسناه عند عامة السائقين الذين أعربوا عن انبهارهم بجمال الطبيعة العذراء التي أماط عنها الطريق اللثام، فسواء صورة جبل الوحش الذي يطل مباشرة على الطريق أو منطقة البيبان أو بين أحضان جبال الحسينية، حيث تتساوى أعلى نقطة بهذا الطريق مع جبال زكار الشامخة وهنا يبدو الإنجاز تحفة طبيعية، رسمتها المناظر الطبيعية الخلابة، يجعلنا نشعر بالاعتزاز خاصة عند بلوغ الجزء الذي يربط البليدة بعين الدفلى في نقطتي الحسينية وخميس مليانة وهي النقطة المعروفة بمنحدر طويل على مسافة 23كلم، فهي الأصعب بالنسبة للوزن الثقيل سواء في الصعود أو النزول. وإذا أردنا أن نعدد محاسن الطريق السيار شرق غرب فيمكن أن نصفه بالبساط العريض الذي يستوعب ثلاثة أروقة وغالبا ما تصل إلى أربعة تسمح بسيولة سهلة لحركة المرور لمختلف أنواع العربات، فلا يمكن للسائق أن يجد عائقا في سيره، كما أن الإشارات المرورية واضحة كتلك التي تحدد السرعة ب 120 كيلومتر في الساعة، وأخرى تحدد الطرقات المتفرعة التي تساعد السائق على تحديد وجهته ولهذا الغرض تم استعمال نوع جديد من اللافتات كبيرة الحجم التي لا يمكن عدم رؤيتها حتى في ظلام الليل، وبالنسبة للأرضية فهي جد مواتية على حد تعبير عدد كبير من سائقي سيارات الأجرة الذين تمكنوا من مضاعفة ساعات عملهم، وفي هذا السياق يقول الحاج لخضر صاحب سيارة أجرة لما بين الولايات يضمن النقل بين الجزائر ومعسكر أنه بعد أن كانت رحلته إلى العاصمة منحصرة في الذهاب وغالبا ما يضطر للمبيت بالعاصمة للعودة مجددا صباح اليوم الموالي، فهو اليوم يضمن رحلة الذهاب والإياب في نفس اليوم بعد أن اختصرت الطريق العديد من النقاط السوداء التي كانت تمثل في السابق عائقا حقيقيا في حركة التنقل من الوسط إلى غرب الوطن، كما أن اختصار الطريق يقول المتحدث عادت بالربح على السائق حتى من ناحية كمية البنزين الذي تستهلكه السيارة في السفر، أما السائق عمر صاحب شاحنة لنقل البضائع فيقول انه تتبع كل مراحل فتح الطريق الجديدة التي تكلم عليها كثيرا مع أصدقائه ووصل بهم الأمر إلى المراهنة على عدم تمكن الشركات المنجزة من بلوغ هذا المستوى، ولم يخف المتحدث انه خسر الرهان لأنه لم يظن يوما انه سيقطع أكثر من 450 كيلومترا في اقل من خمس ساعات بعد أن كانت نفس المسافة في الماضي تأخذ اليوم بكامله خاصة عندما يكون محملا بالبضائع. وعلى قارعة الطريق؛ يمكن مشاهدة العديد من الفلاحين وحتى سكان البلديات والقرى المجاورة يتطلعون لمشروع القرن بالكثير من التفاؤل بعد أن فتح لهم آفاقا كثيرة لمستقبل تنموي واعد لمناطق كانت بالأمس معزولة ومنسية. وأكد شاب في مقتبل العمر فضل الجلوس على احدى العوارض الأمنية للاتصال عبر هاتفه بأصدقائه "الطريق الجديد هو حديث عامة السكان في المنطقة، وكان السبب الرئيسي لعودة العديد من سكان القرى والمداشر المجاورة لأراضيهم الفلاحية وأنا واحد منهم، حيث فضلت أن استصلح ارض الوالد على البقاء كبطال وسط المدينة، والحمد لله تمكنت فعلا من تحقيق حلمي وأتوقع أن أحقق كل أهدافي خاصة بعد أن فتحت لنا الطريق مجالات واسعة للتنمية المحلية"، شهادات حية جمعناها من الشباب الذي يفضل عشية كل يوم الجلوس على جنبات الطريق لمتابعة حركة تنقل السيارات والعربات من مختلف الأحجام، وغالبا ما تجدهم يمدون يد العون لكل من يطلبها خاصة سائقي الشاحنات وسيارات الأجرة الذين ألفوهم. الإنارة العمومية ومحطات البنزين وممرات علوية على رأس قائمة الطلبات تنقلنا ذهابا وإيابا على طول الطريق السيار الذي يربط العاصمة بالولاياتالغربية جعلنا نقف عند بعض النقائص التي لا تراها الوزارة الوصية كنقائص بل كإجراءات بعدية ، حيث أنه لغاية اللحظة ورغم فتح الطريق على مسافة تقارب 300 كيلومتر إلا أنه على طول الطريق الذي يقطع أكثر من أربع ولايات لا وجود لمحطة وقود واحدة وهو ما يجعل السائقين يجبرون على التزود بالبنزين قبل الخروج من العاصمة أو عند أول منعطف بمنطقة وادي الفضة بولاية الشلف، مما يجبر السائق على الخروج من الطريق السريع ليعود إليه بعد السير لأكثر من 50 كيلومترا، وهي النقطة التي اعتبرها العديد من المترددين على الطريق بالسلبية، حيث كان لزاما على مكاتب الدراسات إدراج عمليات انجاز محطات الوقود وإدراجها مع عمليات تسليم الطريق مما كان سيختصر وقت التسليم ليكون متماشيا والمقاييس العالمية، فلا يمكن لأي مستثمر أجنبي أو حتى محلي إرسال شاحنات مقطورة ونصف مقطورة معبئة بالكميات الضرورية من البنزين التي تكفي لطول الطريق، فغالبا ما يضطر السائقون إلى تزويد عرباتهم ببنزين إضافي عبر الادنان البلاستيكية حتى لا يضطرون للدخول في رحلة البحث عن الوقود، في حين يجد أصحاب السيارات حديثة الطراز صعوبة كبيرة في إيجاد البنزين بدون رصاص فهم مجبرون على ملء خزانات الوقود عن آخرها قبل الإقلاع، حيث تخل كل محطات الوقود من مادة البنزين من دون رصاص. أما المشهد الذي تكرر معنا طيلة الطريق فهو مغامرة المواطنين من كل الفئات بقطع الطريق السيار غبر مبالين بالخطر الذي يمكن أن يحدق بهم،، ولدى الاستفسار عن الأمر أرجع محدثونا الإشكال إلى عدم وجود ممرات علوية تربط جنبات الطريق التي قطعت القرى إلى نصفين، مما يدفع السكان إلى قطع اجتياز الطريق مباشرة، وتقول السيدة فتيحة التي تقطن على مشارف مدينة خميس مليانة "بعد أن تم انجاز الطريق صعب علي الأمر لبلوغ "البلاد" بالضفة الثانية وهو ما يجبرني على قطع الطريق بهذه الطريقة" من جهته، يقول احد الفلاحين بمنطقة بومدفع "اضطر يوميا لقطع الطريق لبلوغ مكان عملي بسبب بعد الممر العلوي عني" . وتبقى الإنارة العمومية الإشكال المطروح بقوة من طرف السائقين حيث يجد المواطنون صعوبة في التنقل بشكل عاد بسبب الظلام الدامس الذي يخيم على الطريق وهنا يضطر إلى استخدام مصابيح السيارات التي لا يمكنها توضيح الرؤية بالشكل المطلوب، خاصة وأن الانحرافات لا تزال موجودة على مستوى عدد من اشطر الطريق الذي تتم إعادة تهيئته من طرف الشركات المنجزة بسبب اكتشاف بعض النقائص، كما انه وبسبب نقص الإنارة العمومية تشهد حركة المرور اضطرابات مما يعرقل حركتها، وبما أن الطريق تقطع البراري فغالبا ما تسجل خلال الفترات الليلية حوادث مرور بسبب اصطدام السيارات بحيوانات برية على غرار الكلاب والخنازير، حيث تبقى جثثها مرمية بالطريق لساعات طويلة قبل تنقل فرق النظافة للبلديات المجاورة لرفعها، وهي العملية التي تتم بصعوبة كبيرة بسبب عدم توفر مساحات كافية للركن على جنبات الطريق، فما عدا الشريط الاضطراري لا يمكن لأي عربة الركن لأي سبب، وهي نقطة استاء لها العديد من السائقين خاصة العائلات التي لا يمكن لها التوقف في الحالات الاستعجالية خوفا من وقوع حوادث مرور أليمة نظرا لسرعة باقي العربات. التفكير في استغلال الطاقة الشمسية للإنارة و120 محطة وقود مبرمجة رد وزارة الأشغال العمومية على النقائص المسجلة على مستوى الطريق السيار شرق غرب جاء على لسان وزير القطاع السيد عمار غول الذي أكد أن عملية الإنارة العمومية ستكلف كثيرا بالنسبة لطريق يمتد على مسافة 1300 كيلومتر، وعليه يتم حاليا دارسة إمكانية استعمال الطاقة الشمسية لإضاءة بعض أجزاء الطريق على مستوى ولاية وهران، وهي الفكرة المقترحة من طرف مسؤول بالوكالة الوطنية للطرق السيارة لأنها تعتبر "حلا مستداما"، وقد دعا ممثل الحكومة مسؤولي الوكالة إلى دراسة الخيار مع متعاملين أجانب للإسراع في عمليات الانجاز، كما سيتم اللجوء إلى الكهرباء الريفية لإنارة أجزاء أخرى من الطريق، ولا ترى الوزارة الوصية أن تكون الإنارة إشكالا بالنسبة للطريق السريع من منطلق أن الطرق السريعة في العالم لا يتم إنارة إلا بعض الأجزاء منها. أما بخصوص محطات الوقود فقد تمت برمجة 120 محطة للطريق السريع وحده وقد رجع حق انجاز وتسيير أكثر من 15 محطة لمؤسسة نفطال، في حين سيتم الرجوع إلى الخواص بالنسبة لانجاز البقية والتي ستسهر عليهم مؤسسة نفطال في عمليات تسليم دفاتر الشروط ومراقبة الأشغال، وذلك عبر مناقصة يتوقع أن يعلن عنها قبل نهاية السنة الجارية لتنطلق الأشغال مع بداية السنة الجديدة، علما أن المقاييس العالمية تستوجب تحديد مسافة بين 50 إلى 70 كيلومترا بين محطات البنزين بالإضافة إلى انجاز أكثر من 20 محطة التي توفر مجموعة من الخدمات الخاصة بالمأوى والأكل الخفيف إلى جانب ورشات لصيانة السيارات في حالة حدوث الأعطاب، وهي المحطات التي ستكون في المرحلة الأخيرة من التسليم النهائي لمشروع القرن الطريق السيار شرق غرب. ونظرا لأهمية المشروع يتم التنسيق حاليا مع عدة هيئات نظامية على غرار الدرك الوطني والحماية المدنية لفتح مراكز ثابتة على مستوى الطريق لتقديم المساعدة والتدخل في الحالات الاستعجالية خاصة عند حدوث حوادث مرور، حيث لا يمكن انتظار قدوم دوريات من البلديات والولايات المجاورة، ويتوقع أن يصل عدد أعوان الدرك الوطني الذين سيتكفلون بالمراقبة على مستوى الطريق الجديد إلى ألف عون، موزعين على المراكز الثابتة والدوريات المتنقلة التي تسهر على تطبيق قانون المرور، في حين يتوقع توظيف أكثر من 5 آلاف شاب عبر محطات الخدمات ومراكز الراحة التي ستفتح على جنبات الطريق مستقبلا لتوفير كل ظروف الراحة لمستعملي الطريق. وحسب آخر المعطيات من وزارة الأشغال العمومية، فقد تقدمت أشغال فتح الطريق السيار شرق-غرب ب 85 بالمائة ويتوقع قبل نهاية السداسي الأول من السنة القادمة تسليم كل الطريق قبل الشروع في أشغال انجاز محطات الوقود والخدمات.