لا تزال عملية استعمال بطاقات الدفع الالكتروني متعثرة منذ انطلاقها في 2005، حيث تحصي شركة "ستيم" المنتجة لهذه البطاقات توزيع 6.6 ملايين بطاقة، منها 6 ملايين لشركة "بريد الجزائر" و600 ألف لزبائن 17 مؤسسة مصرفية، وقد لمسنا في استطلاعنا هذا أن المواطنين لا يزالون متخوفين ومترددين في استعمالها لأسباب تبقى لدى بعض المتعاملين مجهولة، فيما يرجعها آخرون إلى غياب ثقة الزبائن في هذه الآلة وتفضيل "الصكوك المكتوبة والملموسة" في استلام أو دفع الأموال، ليبقى بذلك مشروع "التجارة الالكترونية" الذي يعتمد على تعميم عمليات التسوق عبر الأنترنت باستخدام بطاقات الدفع رهين تغيير ثقافة التجارة عند الفرد الجزائري، خاصة وأن ذلك يدخل ضمن مخطط الإصلاحات الاقتصادية الشاملة لبلادنا تحضيرا للاندماج في الاقتصاد العالمي. تشير التقارير الأخيرة للمختصين في ميدان الاتصالات اللاسلكية أنه من أصل 10 مواطنين متحصلين على هذه البطاقات لا يستعملها إلا واحد فقط دورياً، مما جعل المؤسسة المصرفية تتريث في عملية تعميم استعمال بطاقات الدفع في انتظار تحضير المواطن لقبول المنتوج الجديد وهو الطريقة الإلكترونية التي تعوض الصكوك البنكية والبريدية وتقضي على ظاهرة الطوابير التي لا تنتهي بالمؤسسات المصرفية والبريدية، خاصة إذا علمنا أن البنك المركزي يعوّل كثيراً على هذه التقنية الحديثة لتحسين مجموعة من الخدمات عبر المؤسسات المصرفية، بالنظر إلى اتساع ظاهرة نقص الصكوك البنكية التي طالت العديد من البنوك بسبب تشديد الرقابة على عملية الطبع والتوزيع لتفادي تزوير الصكوك. ولم تعرف العملية ذلك الإقبال الذي كان متوقعاً حسب أحد الأعوان المكلفين بالملف بوكالة القرض الشعبي الوطني الذي ذكر لنا أن عدداً كبيراً من التجار رفضوا سحب بطاقاتهم بعد أن حددت قيمة الأموال المسموحة للسحب خلال السنوات الثلاث الأولى من الاستعمال ب7000 دج، معربين أن قيمة التعاملات المالية التي يقومون بها تتخطى بكثير هذه العتبة، مما دفع بالمؤسسة إلى عرض خدمة البطاقة الذهبية التي تسمح بالسحب والدفع الالكتروني إلا أنها هي الأخرى لقيت عزوفاً من الزبائن، وتعود خلفيات عزوف المواطنين خاصة فئة التجار إلى كونهم لا يسمح لهم بالاستفادة من خدمة صك" الإنقاذ"، على غرار العمال الأجراء أو المتقاعدين. وتشير مصادرنا بالمؤسسات المصرفية أن طلبات الحصول على بطاقات الدفع الالكتروني تبقى ضعيفة مقارنة بطلبات دفاتر الصكوك البنكية التي لا تنتهي، مرجعين عزوف الزبائن عن طلب بطاقات الدفع الآلي إلى ثقافة المواطن الجزائري الذي يفضل التعامل بالملموس (الصك المكتوب) ويبتعد عن التعامل الالكتروني "الافتراضي"، خاصة عندما يتعلق الأمر بالنقود. وتضيف مصادرنا أن طلبات البطاقات الالكترونية تنحصر اليوم في فئة معينة من الزبائن وهم رجال الأعمال والأساتذة الجامعيون الذين يفضلون التعامل مع أجهزة الدفع الآلي لربح الوقت وضمان توفر السيولة المالية في أي وقت، خاصة إذا علمنا أن ساعات عمل المؤسسات المصرفية محددة، بالنظر إلى تراكم العمل على مستواها، فقد تم تقليص موعد الغلق بنصف ساعة، بشكل لا يخدم العديد من الزبائن. وفي الجولة الاستطلاعية التي قادتنا إلى بعض المؤسسات المصرفية والمتاجر التي عُرِضت عليها أو توجد بها "نهائيات الدفع الالكتروني" لمسنا عزوفاً كبيراً لدى المواطنين عن استعمال هذه التقنية، مؤكدين أنهم يفضلون دفع أو سحب الأموال "بالصكوك المكتوبة" وذلك لأسباب متباينة، وقد لاحظنا طوابير طويلة أمام شبابيك الدفع الكلاسيكية، لكن بالمقابل تبقى آلات الدفع الجديدة فارغة تنتظر مستعمليها، وفي هذا السياق أكدت لنا سيدة بأحد مصارف العاصمة أنها لم تستعمل يوماً بطاقتها التي سحبتها منذ أكثر من سنتين بسبب جهلها طريقة استعمالها وخوفها من طلب المساعدة من أحد المارة الذي قد يتحايل عليها، في حين أشار شاب آخر أنه لم يتمكن يوماً ضمن كل محاولاته من سحب أمواله من "الآلة" التي ترفض في كل مرة طلبه لأسباب يجهلها هو الآخر، مرجعاً العيب في الآلة نفسها وليس في الزبون وهو الرأي الذي يشاطره فيه زبون آخر كان في الطابور متسائلاً عن الضمانات التي توفرها المؤسسة المصرفية له في حالة استعمال الآلة في تعاملاته المالية. وفي رحلة بحث مضنية عن تاجر يتوفر محله على "نهائي للدفع الإلكتروني" عثرنا في آخر المطاف ببهو رياض الفتح على أحد محلات بيع مستلزمات الديكور مزود بالتقنية الجديدة، لكن البائع ذكر لنا أن عدد الزبائن الذين يطلبون الدفع إلكترونياً قليلون جداً لأسباب يجهلها هو نفسه، كما أكد أحد المتحصلين على بطاقة الدفع الذهبية الذي وجدناه أحد محلات بيع الألبسة الراقية وسط العاصمة أنه لا يستعملها إلا خلال تنقله إلى الفنادق الفخمة، حيث يفضل دفع مستحقات المشروبات بها ليشعر بأنه فعلا يتعامل بالمقاييس العالمية، كون لا يمكن استعمال هذه البطاقة عبر كل المحلات التي يزورها لأن أصحابها يفضلون التعامل بما هو ملموس، إلى جانب ذلك تبقى شركة الخطوط الجوية الجزائرية التي شرعت منذ مدة في استعمال هذه التقنية بعد نجاحها عبر وكالاتها بالخارج، تنتظر إقبال الزبائن على شراء التذاكر عن طريق الأنترنت. وإذا تحدثنا عن فئة المتقاعدين فهم الأكثر عزوفا عن استعمال بطاقات السحب، خاصة عندما يتعلق الأمر بسحب أجرة التقاعد من المكاتب البريدية، وعند تقربنا منهم اعترف عدد كبير منهم بأنهم "لا يفقهون شيئا في لغة التكنولوجيات الحديثة فكيف يمكنهم استعمال بطاقات الدفع الآلى الحديثة"؟ علما أنهم غالبا ما يطلبون من عون الشباك مساعدتهم على ملء صكوكهم البريدية، وبالنسبة لفئة الإطارات فهم كذلك يعزفون عن التعامل مع الآلة لسحب أموالهم وفي ذات الإطار يقول محمد مهندس متقاعد أنه تحصل على بطاقته منذ مدة ولغاية اليوم لم يستعملها خوفا من خطأ تقني قد يحدث خلال عملية السحب، ودليله في ذلك قصة صديق له لم يتمكن من سحب أجرته كاملة بسبب خطأ تقني وقع في الآلة مباشرة بعد اقتطاع المبلغ من الرصيد دون أن يستلم أمواله. حملات تحسيسية ل"بريد الجزائر" لتشجيع استعمال بطاقات الدفع ولدى رفعنا انشغال المواطن للجهات الوصية، كشف لنا السيد نور الدين بوفنارة المكلف بالإعلام لدى مؤسسة "بريد الجزائر" أن تعامل الفرد الجزائري مع خدمة الدفع والسحب الالكتروني للأموال الذي يدخل ضمن مشروع "التجارة الالكترونية" يبقى ضعيفاً مقارنة بالمجهودات الكبيرة التي تبذلها المؤسسات المصرفية ومؤسسة "بريد الجزائر" لتسهيل الدخول إلى مجتمع المعلوماتية، ويستدل المسؤول عن ذلك بالأرقام التي تبين أنه من أصل 6 ملايين بطاقة سحب إلكترونية أنتجتها المؤسسة تم سحب 4,5 مليون بطاقة، منها 50 بالمائة لم تستغل إلى يومنا هذا من منطلق أنه يتم احتساب استعمالها ولو لمرة واحدة، مما يؤكد عزوف المواطن عن استعمال التكنولوجيات الحديثة في تعاملاته المالية. وأكد مصدرنا أنه رغم أزمة الصكوك البنكية والبريدية التي تشهدها كل المؤسسات المصرفية، إلا أن الوضعية لم تحرك مشروع الدفع الآلي للأموال وأن مؤسسته كانت السباقة لإطلاق "التجارة الالكترونية" من خلال خدمة "رسيمو" التي تسمح بدفع مستحقات الهاتف النقال عبر رسالة قصيرة يتم إرسالها للموزع الآلي بعد إدخال الرمز السري الشخصي للمشترك، إلا أن الاشتراك في الخدمة يبقى ضعيفاً. وقال السيد بوفنارة أن "بريد الجزائر" تنوي من خلال برامج من الحملات التحسيسية التي ستطلقها، تشجيع زبائنها على استخدام بطاقات الدفع، نظراً للتسهيلات التي يمكن أن توفرها، مطمئناً الموطنين المتخوفين من استعمال البطاقات، أن كل "حالات الخطأ" التي سجلت تم حلها في وقتها، مشيراً إلى أن القابض الرئيسي للمكتب البريدي مسؤول عن كل التعاملات التي تتم عبر جهاز الدفع الآلي وهو الوحيد الذي يمكن له تحديد نوعية هذه التعاملات، وحتى عندما ترفض الآلة دفع الأموال بعد تسجيل المعاملة فإنه يمكنه التأكد من الأمر بعد دقائق ليتحصل الزبائن بعد أقل من 24 ساعة على مستحقاتهم، مرجعاً أسباب الأعطاب المستمرة لهذه التجهيزات التي تعمل وفق "أنظمة معلوماتية مضبوطة وحساسة"، لذلك فبمجرد انقطاع التيار الكهربائي أو عطب بالألياف البصرية يؤدي إلى توقف الآلة أوتوماتيكيا، وهنا يتم إعلام القابض الرئيسي عبر رسالة قصيرة على جهاز هاتفه النقال من طرف مركز المراقبة الكائن بمنطقة بئر توتة الذي يراقب دورياً نشاط 700 آلة السحب الالكتروني تابعة للمؤسسة والموزعة عبر التراب الوطني. وكشف محدثنا عن الإجراءات التحفيزية التي قامت بها المؤسسة لتشجيع التعامل مع آلة السحب، حيث تم وضع آلات إضافية داخل مكاتب البريد لضمان الحماية، خاصة لفئة المتقاعدين الذين يتخوفون من حالات الاعتداء عليهم عند استعمال البطاقات بمداخل المكاتب البريدية بعد غلقها، متوقعاً وضع 200 آلة دفع جديدة خلال السنة الجارية، فضلاً عن تمديد صلاحية استعمال البطاقات لأكثر من 4 سنوات. "ستيم" تتجه نحو تفعيل "التجارة الالكترونية" وتعد بسرية التعاملات من جهتها كشفت شركة النقد الآلي والعلاقات التلقائية بين البنوك "ستيم" ل"المساء" على لسان السيد حاج علوان أنها وفّرت أكثر من 600 ألف بطاقة دفع الالكترونية لزبائن 17 مؤسسة مصرفية تعاقدت فيما بينها للدفع الآلي، حيث بلغت نسبة التعاملات بهذه البطاقات 8000 عملية يومياً تتم عبر 650 موزعاً آلياً للنقود، مشيراً إلى أن عزوف المواطنين والتجار خصوصاً عن التعامل بالتقنية الجديدة مرده بالدرجة الأولى إلى المؤسسات المصرفية التي يجب أن تجد تحفيزات لزبائنها لحثهم على استخدام الدفع والسحب الآلي لأموالهم الذي تراه المؤسسة أكثر أمنا وسهولة من التقنية القديمة للسحب. وأشار مصدرنا إلى أن أول نشاط لمؤسسته كان بإطلاق عملية الدفع الالكتروني لشراء المنتجات على شبكة الأنترنت من خلال استخدام بطاقات الدفع الالكترونية الذهبية، إذ بإمكان مستعملي هذه البطاقات دفع تكاليف شراء المقتنيات سواء عبر الانترنت أو لدى التجار الذين يمتلكون أجهزة لقراءة البطاقات الالكترونية وعددها اليوم يفوق 2120 موزعاً عبر التراب الوطني، أغلبها يوجد بمطاعم فخمة أو فنادق وصيدليات وحتى مساحات كبرى لبيع المنتجات الغذائية والملابس. وأضاف السيد حاج علوان أن شركة "ستيم" تتكفل اليوم بتطوير القطاع المصرفي والتجاري في الجزائر من خلال وضع أرضية معلوماتية للدفع الالكتروني موجهة للتجارة عبر الأنترنت تجمع كل المؤسسات المصرفية، كما يتم اليوم تجريب "لوحة القيادة التقنية" لمتابعة كل التعاملات التجارية التي تتم عبر بطاقات الدفع الآلي بالشراكة مع مؤسسة أجنبية وبنك جزائري عمومي، ويكون ذلك بمثابة أرضية عمل نموذجي قبل تعميم التقنية على كامل الشبكة التي أعدت سابقا للربط فيما بين البنوك، ومن جهتها تضمن شركة "ستيم" لزبائنها السرية التامة في التعاملات بين البنوك والتجار من خلال حفظ الأرقام السرية للبطاقات الالكترونية وضمان اقتطاع النسب المتفق عليها بين البائع والمشتري، وهو التأمين الذي سيكون مماثلاً لما يوفره أكبر المتعاملين الاقتصاديين في المجال المصرفي في العالم، كما أن هدف الشركة اليوم هو إيجاد أنظمة جديدة للدفع والتعاملات المصرفية بالسوق الجزائرية تتماشى وما هو معمول به في باقي الدول الكبرى. إلى جانب ذلك فإن "ستيم" التي أنشئت سنة 1995 نسقت في البداية جهودها مع ثماني مؤسسات مصرفية هي: البنك الوطني الخارجي، بنك التنمية المحلية، البنك الوطني الجزائري، القرض الشعبي الوطني، صندوق التوفير والاحتياط، الصندوق الوطني للتعاون الفلاحي، بنك البركة وبدر بنك، وتحقق ما كان مستحيلاً في الماضي، من خلال التبضع عبر شبكة الأنترنت، كون التغيرات الاقتصادية والتجارية المتواصلة أجبرت الجزائر على مسايرة التغيرات وأقلمة أنظمتها بما هو متعامل به في الخارج خاصة مع الاستثمارات الأجنبية المنتعشة بالسوق الوطنية والتي يطالب أصحابها تسهيل الإجراءات المصرفية لنقل الأموال وصرف العملة الصعبة.