لا يقل التكفل النفسي بالنسبة لمريض التهاب الكبد الفيروسي أهمية عن غيره من الأمراض الأخرى المستعصية، باعتباره يصنف ضمن الأمراض العشرة الأولى المسببة للوفاة في العالم، لذا حاولت السيدة سامية جلواح أخصائية نفسانية تخصص طب عيادي وعضوة بجمعية تضامن "إيدز" إظهار مدى أهمية التكفل النفسي بمريض التهاب الكبد الفيروسي من خلال استعراضها للمراحل التي يمر بها هذا المريض والطرق المتاحة للتخفيف من حدة الصدمة عليه. تطرقت الأخصائية النفسانية في معرض مداخلتها بمناسبة اليوم الوطني لالتهاب الكبد الفيروسي إلى شرح أهم المراحل التي يمر بها مريض التهاب الكبد الفيروسي بعد تلقيه خبر إصابته بالمرض، وأهمها عدم الاستيعاب والتصديق، حيث قالت السيدة جلواح "يحاول المريض دائما بعد إبلاغه نبأ إصابته تكذيب الخبر من خلال عدم تصديق نتائج التحاليل، ويلاحظ في المرحلة رد فعل هستيري ينعكس سلبا على ذاته من خلال شعوره بالذنب وتأنيب الضمير الناجم عن البحث في المسبب الرئيسي الذي جعله يكتسب المرض، ومن نتائج هذه المرحلة أيضا الدخول في مرحلة اكتئاب تظهر في تصرف المريض الذي يبدأ شيئا فشيئا في الانسحاب من الحياة الاجتماعية، والتخلي عن مسؤولياته، وقد يؤدي به الحال إلى الانتحار في ظل غياب التكفل النفسي العاجل، في هذه اللحظة بالذات لابد على الطبيب المعالج أن يتفطن للأمر ويخضع المريض لبعض المهدئات العصبية والنفسية بغية حمايته من نفسه". الآثار النفسية للمصاب بمرض التهاب الكبد الفيروسي شخصت الأخصائية النفسانية ثلاثة أنواع من الآثار التي تتعرض لها نفسية المصاب بمرض التهاب الكبد الفيروسي، الأول يتمثل في تغير نظرة المصاب إلى جسمه ويتولد لديه شعور بخيانة شاملة لجسمه، الذي أضحى مشوها نتيجة حمله للفيروس، بينما يتمثل الأثر الثاني في تحطم صورته بالوسط الاجتماعي وتتدهور علاقاته الاجتماعية بسبب هاجس المرض، أما الأثر الثالث فيتمحور حول تكوين أفكار سلبية في ذهنه يؤمن بها ويتجاوب معها، فتتشكل لديه سلوكيات غير متزنة تهز تكامله العقلي، كل هذه الجروح حسب الأخصائية النفسانية تكون لها نتائج تنعكس على نفسية المريض وتظهر في لجوئه إلى إهمال جسده من خلال الميل إلى الانعزال والاكتئاب، كما يصبح أيضا ميالا للعدوانية نتيجة تولد انطباع لديه بأنه أصبح منبعا للعدوى، ولعل من أخطر آثارالمرض هو تمرد المريض على"أناه" بحيث يرفض فكرة العلاج لاقتناعه بعدم جدواه، فيبحث عن سبل الموت البطيء أو الانتحار. كما لخصت أيضا ذات المتحدثة الآثار العقلية والعصبية لمريض الالتهاب الكبد الفيروسي في تعرض المريض لاضطرابات بالذاكرة وعدم قدرته على الانتباه والتركيز، واضطرابات في بنية الشخصية وعدم القدرة على اتخاذ القرارات، ناهيك عن تفسيره لبعض المواقف المحيطة به تفسيرا خاطئا. سبل التكفل بالمريض ترى الأخصائية النفسانية سامية جلواح أن السبيل الوحيد لحماية مريض التهاب الكبد الفيروسي من الوقوع عرضة للمشاكل النفسية الناجمة عن المرض هو وضع خطة تكفل نفسية واضحة تقوم على فكرة مفادها مساعدة المريض على أن يساعد نفسه في حل مشاكله والتخلص من انفعالاته، وعلى العموم حددت المتحدثة أهم الأساليب المعتمدة للوصول إلى تكفل نفسي جيد لمريض التهاب الكبد الفيروسي، والتي تقوم على استخدام العلاج الإسنادي والإرشادي في جميع المراحل التي يمر بها المريض، حيث تتمثل أهمية العلاج الإسنادي في حسن اختيار الطريقة التي يتم من خلالها إخبار المريض بمرضه ومحاولة إفهامه واقع مرضه بأسلوب يبعد عن التخويف، ويعتمد على ضرورة الاقتناع والتقبل، لتأتي مرحلة العلاج الإرشادي التي يخضع فيها المريض للعلاج، في هذه المرحلة بالذات يتم إقناع المريض بضرورة التعايش مع المرض من خلال احترامه لمواعيد الفحص الطبي بانتظام. الغاية من التكفل النفسي خلصت الأخصائية النفسانية سامية جلواح في نهاية دراستها إلى تحديد جملة من الأهداف المهمة التي تبرز الفائدة من التكفل النفسي بمريض التهاب الكبد الفيروسي الذي يعد من الأمراض الصامتة، والتي يصعب على المريض تقبلها بعد اكتشافها فالمريض يعيش مرحلة من الحزن بعد الإصابة حتى يتمكن من طي صفحة المعاناة المبدئية، لأنها مرحلة حتمية يمر بها كل المرضى وبالتالي لا يمكن إغفالها، لذا يجب العمل على إقناع المريض بضرورة التعايش مع المرض لأنه من المستحيل أن يتقبل المرض تقبلا تاما، ومن بين الأهداف أيضا تصحيح الأفكار السوداوية الخاطئة اتجاه المرض عن طريق مساعدة المريض على الاعتماد على نفسه والاعتناء بها، وعدم التفكير في الانتحار، إلى جانب الوصول إلى تمكين المريض من الامتثال للدواء والمتابعة الدورية للفحص الطبي، وكل هذا يمكن من الوصول إلى أسمى هدف وهو النجاح في تمكين المريض من تجاوز أزمته وحثه على مساعدة غيره من المصابين من خلال التوعية والنصيحة، وإن حدث ووصلنا إلى هذا الهدف - تقول - نكون قد حققنا الغاية من العلاج النفسي ألا وهي إقناع المريض بأن يكون فعالا وإيجابيا قدر الإمكان مهما كان وقع الصدمة عليه.