تحرص الدول العربية على حماية معالمها التاريخية، خاصة منها المواقع الأثرية العالمية، وبالتالي تسعى إلى تشخيص ورصد حالة تراثها الثقافي والطبيعي على المستوى الوطني، لتتجه إلى مراكز التراث العالمية من أجل التصنيف وجلب الدعم المادي والتقني للمحافظة على هذه الكنوز...على هامش الاجتماع الإقليمي الاختتامي للدورة الثانية للتقارير الدورية لمواقع التراث العالمي في الدول العربية الذي احتضنته الجزائر منذ أيام، التقت "المساء" مجموعة من الخبراء وممثلي الدول العربية الذين قدموا تجارب بلدانهم... نبيل منصر المهندس (مدير موقع زبيد باليمن) : 6 مواقع ستطرح للتصنيف العالمي " لاشك في أن اليمن هي مهد الإنسانية، وتراثها تراث إنساني عالمي، وبالتالي يحتاج إلى الدعم والصيانة التي تقدمها المؤسسات الدولية، ومن بين المواقع المصنفة عالميا في اليمن نجد مدينة صنعاء القديمة ومدينة حضرموت وموقع زبيد بجزيرة سوقطرة الذي يعيش حالة خطر ويحتاج إلى اهتمام أكثر، وبالرغم من وجود خبراء وتقنيين مختصين في اليمن إلى جانب تقديم الدولة ومركزالبحث العالمي الدعم، لكن تبقى الصيانة مكلفة. من جهة أخرى، لدينا اقتراحات لتصنيف 6 مواقع على المستوى العالمي. وأود الإشارة إلى أن علاقة اليمن مع الجزائر في هذا المجال، جد وثيقة ونتبادل على مستوى الخبرات وحماية المواقع العالمية، إضافة إلى التعاون الأكاديمي ونحاول استغلال ذلك لإبرام اتفاقيات مشتركة".
الدكتور زكي أصلان (منظمة الأيكروم المركز الدولي لدراسة وترميم وحفظ الممتلكات الثقافية): مواقع هامة تستحق التصنيف العالمي
" إن الوطن العربي معروف بتراثه الذي لا يقدر بثمن، وجل المواقع الأثرية موجودة بالمنطقة المتوسطية، ومن تلك المواقع ما صنف ومنها مواقع أخرى تنتظر التصنيف على القائمة الدولية. أرى أنه يجب التمثيل الجيد لنوعية هذه المواقع التي يراد إدراجها وأقصد بالنوعية، ذلك التنوع الغني في بعض المواقع المصنفة منها مثلا موقع (الطاسيلي) الذي يمثل تراثا تاريخيا وثقافيا وطبيعيا متكاملا. هناك أيضا مواقع مهمة لكنها لم تصنف بعد كتراث عالمي وتمثل فترات هامة من التاريخ، فمثلا الامارات لا تملك أي موقع مصنف عالميا لكن بها موقع الدور وهو عبارة عن معبد يعود إلى القرن الأول الميلادي (الحقبة الرومانية) وهو مهم جدا ويحتاج إلى الصيانة والإبراز، هناك أيضا المدن الميتة في سوريا وعددها 7 وتمثل فترات تاريخية مختلفة ويندمج فيها الجانب العمراني بالثقافي، إلى جانب مدينة جرش في الأردن التي لم تدرج بعد على القائمة وتعاني حاليا من المد العمراني الذي يهدد هويتها التاريخية. أما فيما يتعلق بمدينة القدس القديمة، مثلا، فإن الموضوع معقد، وساهمنا كمنظمة في تنظيم دورة لفائدة الفلسطينيين لتدريبهم والرفع من قدراتهم في مجال المحافظة على التراث (خاصة بالقدسالشرقية)، وقد أشرف على هذه العملية الاتحاد الأوربي واليونسكو. وأشير إلى أن الأيكروم أنشئ منذ 50 عاما وهو تابع لمنظمة اليونسكو ويترأسه حاليا السيد منير بوشناقي، وعلى العموم يسعى حاليا إلى دعم بعض المواقع التي تحتاج إلى التصنيف العالمي منها مدينة طرابلس في ليبيا، ومنطقة الخور بدبي وغيرها من المواقع الهامة".
هيفاء عبد الحليم (الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة) : تدعيم المواقع البيئية بالدراسات التقنية أولا
"أنشئ الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة سنة 1948بسويسرا، ويوجد المكتب الإقليمي للمنطقة العربية التابع للاتحاد بالعاصمة الأردنية عمان، ويتم العمل من خلال هذا المكتب على حماية المصادر البيئية والتنوع البيئي بأي مكان في العالم، ونحن نساعد الدول العربية لتحسين إدارتها لهذه المصادر البيئية، من خلال المحافظة على النظم البيئية قصد تحسين حياة المجتمع المحلي. من ضمن خبراء المكتب والاتحاد جزائريون أكفاء، وقد قمنا بجلب المرجعية العالمية لبعض المواقع البيئية قصد تحسين إدارتها، خاصة بالمحميات الطبيعية، أشير فقط إلى أننا نقدم دعما على مستوى الدراسات والخبرات ونتعاون مع جهات مختلفة لجلب الدعم المالي".
حسن محمد اللواتي (مدير عام الآثار والمتاحف بمسقط) : التجربة الجزائرية تهمنا
" إن سلطنة عمان من أولى الدول في المنطقة التي سجلت تراثها في التصنيف العالمي، أي منذ سنة 1987، من هذه المناطق قلعة بهلا (3 آلاف سنة)، وتضم هذه القلعة جامعا، حارات، أسواقا، بنايات وغيرها، أي أنها مدينة تاريخية حية لها مميزاتها الأثرية والدينية والثقافية، وهناك موقع مدافن بات (ألفا سنة قبل الميلاد) وهي مدافن متناثرة في مساحة شاسعة، وموقع أرض اللبان (علك) الذي كان يحرق في الدير والكنائس حيث يسوق إلى أوروبا عبر الموانئ. وهناك مواقع أخرى منها موقع (الأفلاج) الذي صنف في التراث العالمي سنة 2006، وهو عبارة عن نظام قديم للري (4 أفلاج) ويشبه إلى حد بعيد نظام السقي في الجنوب الجزائري. حاليا لدينا خطة قائمة جديدة لبعض المواقع الجديدة، لكننا آثرنا التريث قليلا، ولا نستعجل في طرحها حتى نتأكد من عناصرها وحاجياتها الوطنية، أي أنها استوفت الدعم والاهتمام الوطني. في عمان نحترم التجربة الجزائرية في هذا المجال، واقتنعت شخصيا أكثر بهذه التجربة عندما التقيت السيدة الوزيرة خليدة تومي ورؤية الجزائر الرائدة في مدى تأهيل وتنظيم وتنسيق التراث الوطني قبل الخروج إلى العالمية، ونحاول إدراك هذه التجربة التي تحمي التراث الوطني أولا. لدينا في عمان سياسة تكوين وبرامج لترميم مئات المواقع (قلاع، حصون...) ونتعاون حاليا مع تونس والمغرب ونعمل على أن يكون تعاوننا متينا مع الجزائر". صلاح الدين محمد أحمد (مدير الكشف الأثري بالهيئة العامة للآثار والمتاحف بالسودان) : آن أوان التكامل الثقافي مع الجزائر " في السودان موقع واحد مصنف عالميا، وهو جبل البركل بشمال البلاد، أي في الشلالة الرابعة لنهر النيل، وهناك موقع في طريقه إلى التصنيف السنة المقبلة، وهو موقع (مروي) الموجود بوسط السودان. لدينا آثار ممالك من القرن التاسع قبل الميلاد حتى القرن الرابع ميلادي، حينما كانت جربل عاصمة السودان، وتضم المواقع بقايا أهرامات وقصور ومعابد حجرية ومقابر ملونة محفورة في الصخر ومدافن الملوك، كلها موجودة ضمن جرد وطني شامل. بوزارة الثقافة السودانية قسم للتوثيق مهمته الجرد، وبه عديد الخبراء السودانيين، كما نستعين بخبراء أجانب في مجال التنقيب والصيانة، ولدينا 35 بعثة آثار أجنبية تعمل حاليا بالسودان باعتباره ملتقى عدة حضارات ببنى ثقافية مختلفة (زنجية، مصرية، متوسطية)، وهذا واضح اليوم من خلال تزاوج هذه الثقافات إلى يومنا. وللدولة قوانين لحماية تراثها وذلك منذ أول تشريع سنة 1905 ثم 1952 ثم 1999 وآخرها في دستور 2005. يلقى السودان حاليا دعما من مؤسسات دولية خاصة في المجال التقني والفني، لإنجاز ملفات وورشات عمل وتدريبات للمرممين والمنقبين عن الآثار، كما يشهد السودان حاليا تنمية واسعة ومتزايدة ببرامج طموحة منها سدود النيل، وهذه المشاريع تهدد المواقع التاريخية كبوني بالشلال الرابع (170 كم على ضفتي النيل)، مما يفرض عمليات إنقاذ ضرورية، ناهيك عن مشاريع الطرق، والبترول والزراعة وغيرها. ما يؤسفني حقا كسوداني، أنه لا توجد اتفاقية بيننا وبين الجزائر، وأرى أنه آن أوانها قد حان، خاصة وأن السودان أصبح فأل خير على الجزائر منذ مقابلة أم درمان، نسعى إلى استغلال الرياضة من أجل خدمة التراث والثقافة".