خلص الاجتماع الاستثنائي لوزراء الثقافة الذي احتضنته الجزائر يومين متتالين إلى جملة من التوصيات التي تصبّ في ضرورة تعزيز العمل العربي المشترك خاصة فيما يتعلّق بالتراث الثقافي العربي، حيث عكف المجتمعون على مناقشة عدد من القضايا العربية الراهنة وفي مقدّمتها محاولة إسرائيل طمس التراث الثقافي العربي ونسبه إليها وكذا تهويد القدس وأسوارها، حيث تعهّدوا بمواصلة جهودهم المشتركة من أجل الحفاظ على التراث العربي في القدس والتعاون مع العراق لاسترجاع آثاره المنهوبة· وزراء الثقافة العرب أكّدوا التزامهم بمواصلة العمل المشترك من أجل إسقاط موقع القدس من القائمة التمهيدية الإسرائيلية المقدّمة إلى "اليونسكو" لتسجيلها كموقع إسرائيلي في قائمة التراث العالمي، وكلّفوا كلاّ من الأردن، البحرين، تونس، مصر والمغرب وهي الدول العربية الخمس الأعضاء في لجنة التراث العالمي باليونسكو، بالعمل على "استصدار قرارات للوقف الفوري لكافة أعمال الحفريات التي تقوم بها السلطة الإسرائيلية المحتلة في الحرم القدسي الشريف" وأيضا كلّ الأعمال غير المشروعة المرافقة لها والتي أقرّ تقرير لجنة التراث العالمي أنّها "تهدّد القيمة الثقافية الاستثنائية للقدس بوصفها تراثا إنسانيا" · وفي سياق متّصل دعا الوزراء اليونسكو لتنفيذ الاتفاقيات الدولية ذات الصلة و"الإسهام في إعادة الآثار العراقية المسروقة وحماية المواقع الأثرية العراقية من أعمال الاعتداء في ظل الاحتلال، مع تقديم الدعم اللازم لموقع سامراء الأثري "الذي سجل ضمن قائمة التراث العالمي المهدد بالخطر هذه السنة، متعهّدين ب "التعاون مع العراق لاسترداد آثاره المسروقة" ودعوا الدول التي تضبط بأراضيها آثار عراقية إلى الإعلان عنها وإخطار العراق واليونسكو وحفظها لديها مع إعادتها إلى العراق حين يطلبها· المجتمعون بقصر الأمم بنادي الصنوبر شدّدوا على ضرورة تعزيز العمل العربي المشترك لصون التراث العربي في القدس المحتل بتقديم الدعم المالي للمؤسسات العاملة فيه لتوثيق وصون التراث المعماري للمدينة المقدسة والحفاظ على نسيجها الاجتماعي وهويتها الثقافية"، ووجّهوا في هذا السياق دعوة إلى اليونسكو لضمان حماية التراث الثقافي الفلسطيني من "التهديدات الإسرائيلية الرامية إلى طمس الهوية العربية في الأراضي الفلسطينية"، مع "تفعيل القرارات الخاصة بحماية التراث الثقافي في الجولان المحتل والتدخّل باتخاذ كافة التدابير لمنع قوات الاحتلال الإسرائيلي من القيام بأعمال الحفريات فيه"· وفيما يتعلّق بتظاهرة "القدس عاصمة الثقافة العربية لعام 2009، التزم مسؤولو الشؤون الثقافية بالوطن العربي بتنفيذ فعاليات ونشاطات الاحتفاء بالقدس، وكذا "ترسيخ عروبة القدس ودعم وجود أبنائها الفلسطينيين العرب فيها"، ووجّه وزراء الثقافة العرب رسالة شكر إلى رئيس الجمهورية السيد عبد العزيز بوتفليقة على رعايته للمؤتمر، مشيرين إلى أنّ هذا اللقاء "اختص بموضوع حماية التراث العربي في بلد يعتز بحفاظه على تراثه وبفضل هذا الحفاظ تمكّن من تحقيق استقلاله وهو يدرك أهمية التراث في تحصين الهوية وصيانة مقومات الشخصية" · وللتذكير فإنّ الاجتماع الاستثنائي لوزراء الثقافة العرب أشرف على انطلاق أشغاله السيد عبد العزيز بلخادم رئيس الحكومة، الذي شدّد على ضرورة التأكيد على أنّ الدول العربية ظل الضامنة لسلامة التراث وصونه من خلال ممارسة أعمال دائمة لحماية إرثنا الثقافي المادي وغير المادي وترقيته في إطار سياسات واستراتيجيات تتماشى مع الحقائق وذلك في أوقات تطبعها العولمة ومخاطر وأحادية الثقافة، موضحا أنّ التراث الثقافي هو برهان للتاريخ، وجزء لا يتجزّأ من ماض لا يمكن بدونه أن نتصوّر أيّ مستقبل، وعليه يضيف السيد بلخادم "لا بدّ من اعتباره إرثا شاملا وغير قابل للاستبدال ولا للتصرّف فيه" · من جهتها تساءلت السيدة خليدة تومي وزيرة الثقافة "أيّ منطق هذا يخرّب التاريخ المشترك للإنسانية، أيّ منطق هذا الذي يسمح بمحو معالم ضارة للبشر على وجه الأرض، إنّنا نحترم في بلداننا الآثار التي خلّفتها الحضارات الرومانية والإغريقية والبيزنطية، بل ونعمل على حفظها وحمايتها وتثمينها مثلها مثل باقي الآثار العربية والإسلامية وغيرها وعيا منّا بأنّها ملك للإنسانية جمعاء" · وأكّدت تومي في سياق متّصل على ضرورة تفعيل دور المراكز والهيئات العربية العلمية الخاصة بالآثار والتراث وضرورة إعطاء اهتمام خاص بعلمائنا الأثريين وخبرائنا في هذا المجال وتكثيف العمل المشترك بينهم لتشجيع تبادل التجارب والخبرات، مضيفة وجوب إيجاد رؤية عربية موحّدة حول القضايا المطروحة خاصة تلك المتعلّقة بموقع موروثنا الثقافي العربي في التراث الإنساني والعمل على تنسيق أكبر لمواقفنا في المنظمات والهيئات الدولية المتخصّصة تجاه محاولات السيطرة على حقّنا في تسيير تراثنا وحمايته·