الزاوية رسالة علم وإصلاح بين الناس كانت صدفة لحظة لقائي به في ساحة "أول نوفمبر" بتمنراست قبالة دار الثقافة، هو شاب وليس شيخا إلا بصفة المشيخة للزاوية التي هي عبارة عن مدرسة قرآنية يعلم فيها أطفال الفقراء والأيتام، هو الشيخ مولاي الشريف الرقاني، دعاني لزيارة زاويته، ودار بينا حديث حول الزاوية، وكذا حول الحياة الثقافية والاجتماعية والتقاليد في القبائل التارقية... في البداية كان حديثنا عن الزاوية، التي أسسها سنة 1926، مولاي محمد بن سيدي زين الدين بتمنراست، وقد قدم إلى تمنراست من منطقة أولف رقان (أدرار) من أجل تحفيظ القرآن الكريم ونشر تعاليم الإسلام القويم وإصلاح ذات البين بين الناس، حيث استقر بمدينة تمنراست وكان يتجول في المداشر لتعليم الناس مبادئ الإسلام. ويضيف مولاي الشريف الرقاني في حديثه قائلا: " إلا أن سيدي محمد قلد هذه المهمة لابنة مولاي إدريس سنة 1930 لمواصلة الرسالة التي جاء من أجلها وهي تعليم القرآن الكريم والإصلاح بين الناس، ثم جاء بعد إدريس مولاي هاشم بن سيدي محمد في أربيعينيات القرن الماضي لمواصلة نفس الرسالة، حيث غادر تمنراست وذهب إلى أرض أزواق (مالي) لنشر تعاليم الإسلام وأسس زاوية هناك، مكلفا مولاي زين الدين أن يقوم مقامه بتمنراست من أربعينيات القرن الماضي إلى 1970، حيث أسس زاوية في منطقة يقال لها "تاسنو" تعرف ب"ملاي لحسن" بتمنراست. سنة 1972 عادت إدارة الزاوية إلى سيدي محمد بن مولاي هاشم وهو والد السيد الشريف الرقاني الذي يتقلد مهام الزاوية حاليا ويقوم برسالة أجداده في تعليم القرآن الكريم والإصلاح بين الناس. وعن دور الزاوية يقول مولاي الشريف الرقاني، هو تعليم القرآن الكريم للصبيان من طرف معلمين منتدبين من قبل مديرية الشؤون الدينينة والأوقاف، حيث يدرس فيها اليوم 181 تلميذ بمن فيهم 25 طالبا داخليا وهم من أبناء المداشر والقرى المجاورة وخاصة أبناء الفقراء واليتامى من أبناء المنطقة. وأضاف مولاي الشريف الرقاني أن الطلبة يتلقون إلى جانب حفظ القرآن الكريم، علوما في الشريعة كالفقه والحديث النبوي الشريف والتوحيد وعلم الكلام والمواريث والحساب والتاريخ. بعد أن دار بيننا هذا الحديث المستعجل عن الزاوية ورسالتها، انتقلنا إلى الحديث عن المجتمع الترقي حيث طلبت من مولاي الشريف الرقاني أن يحدثني عن أغوار هذا المجتمع، خصوصا بمنطقة تمنراست، فأخبرني أن تمنراست هي منطقة بربرية تارقية تسكنها قبائل الطوارق "إيموهاغ" التي يحكمها سلطان من أشراف القبائل الأحرار "الأهار"، والذي يعود نسبه إلى الأم التي يشترط فيها أن تكون شريفة من سادة القوم. أما عن دور المرأة في المجتمع الأهقاري، فإنها تكون المرأة الشريفة التي يتولى ابنها الرئاسة، ولهذا يجب عليها أن تعتني بالقبيلة وتعطي مشورتها ونصائحها للسلطان. أما عن دور الرجل فهو يدبر الأمور وشؤون القبائل وتوجيههم وتوحيد كلمتهم بالنسبة للسلطنة، أما بقية أفراد القبائل التابعة للسلطان فإنها تزاول مهنة الرعي والتجارة والرحلات، وهذا بأمر من السلطان والعودة إليه إذا تطب الأمر ذلك. الزواج في الأهقار أما عن الزواج في الأهقار، فيقول مولاي الشريف الرقاني » للزواج أعرافه وتقاليده، تتم الخطبة بذهاب عائلة الرجل إلى عائلة المرأة التي يراد الزواج بها، حيث يشترط في الرجل المتقدم للمرأة الحياء والوقار، أما المهر الذي يتم تقديمه فيقدر بثلاث بكرات من النوق وجمل«. ويضيف مولاي الشريف الرقاني في حديثه عن المجتمع التارقي، أنه » يعقد العقد على المرأة وتبقى في بيت أهلها، حيث تنصب لها خيمة ويدخل عليها زوجها في خيمتها التي منحتها إياها أسرتها، ويقيم الزوج في خيمة زوجته وعند أهلها مدة عام أو عامين، ثم تخرج الزوجة "تعزل" عن أهلها بعد إتمام تجهيز خيمتها "اسبران"، وهي أثاث المنزل من غطاء وفرش وأدوات منزلية، وعندما تكون المرأة في حضن أهلها قد تلد مولودها الأول وربما الثاني«. بعد أن حدثتنا عن تقاليد الزواج طلبنا من الشيخ التوقف عند طقوس العرس، فأجاب قائلا » لإشهار العرس وإعلان الزواج يقام حفل عن طريق "التيندي"، حيث تتحلق مجموعة من النسوة يغنين ويصفقن لإشهار العرس، أما فيما يخص الأعياد الدينية عند التوارق فهي تتمثل في العيدين، الفطر والأضحى، وكذا المولد النبوي الشريف، حيث يتم إحياء المولد بالمدائح الدينية في المساجد بالنسبة للرجال، أما النساء فيحيينه بالتيندي، أي بالمدائح التي تذكر من خلالها سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وفضائله«. أما عن المجتمع التارقي ونسيجه الاجتماعي فيقول مولاي الشريف الرقاني، أن هذا المجتمع - التارقي - ينقسم إلى "أهقار" وهم الأشراف و"إيفوغاس" وهم أشراف العرب الأدارسة و"إهقارن" ويتكونون من قبيلتين قبيلة "كبلغالاء" وقبيلة "تايتوق" وهناك "اسقمارن" قبائل تابعة للسلطنة، بالإضافة إلى قبائل أخرى كقبيلة "كلنغر" و"ابطناتن"، وتعيش كل قبيلة بمنطقتها المعروفة، وكلما احتاج إليهم السلطان استدعاهم، وتعد القبائل كلها جنودا للسلطان في حالتي الحرب والسلم. ألبسة التوارق لم أترك هذه المناسبة تمر دون أن أطلب من محدثي أن يخبرني عن ألبسة التوارق، فتفضل قائلا: » المرأة التارقية ترتدي الملحفة التي تسمى "أبوكار" وهي من الكتان النيلي اللون المائل إلى الأزرق الداكن، "ألشو" وهو لباس ثمين نيلي ترتديه المرأة في الاحتفالات والمناسبات كالأعياد الدينية، ويعد "ألشو" أرفع لباس عند نساء التوارق«. ويضيف مولاي الشريف الرقاني، أن الرجال بدورهم يرتدون هذا النوع من القماش (ألشو) ويصنعون منه العمائم و"الدراعة" القندورة و"البازان" وهو حديث النشأة. أما فيما يخص الحلي، فالفضة تعد من المورثات الأصلية للتوارق ومنها الخواتم والأقراط "تزابت" أو "اربيبن" والأساور"اشبقان" والعقود "إزرك" و"الخمايسة" وهي الخامسة وتصنع من المحار والجلد، وهناك أيضا أدوات تصنع من الجلد للرجال "أقراب" يستعملها الرجل لحفظ أمواله وله أيضا المزود المصنوع من الجلد اسمه "أباون". بعد عن حديثنا عن الحلي واللباس استفسرناه عن الأسلحة التي يستعملها التارقي، فقال : السيوف التارقية وتصنع من الحديد الهندي الأصيل "الذكير" والذي يعرف عند التوراق ب"تازغيت"، وغمد السيف يصنع من الجلد المطعم بالنحاس والحزام من الجلد ومركب الفارس التارقي هو الجمل. ويضيف محدثي قائلا أن التارقي يملك من الجمال من خمسة إلى مائة جمل بين نوق وجمال، والجمل ضروري بينما تملك المرأة الناقة. الآلات الموسيقية التارقية أما عن الأنواع الموسيقية، فيقول مولاي الشريف الرقاني، "التيندي"، وهو عبارة عن مهراس مغلف بالجلد حيث تضرب عليه النساء بأيديهن و"أمزاد" وهي الربابة مصنوعة من الجلد وأوتارها من شعر الحصان وتستعمل أنغامها في أوقات الحرب والحزن، وآلة القصبة "تغانيمت" وهي تصنع من القصب وتستعمل للترفيه والتأمل والحب. بعد أن حدثنا مولاي الشريف الرقاني عن المجتمع التارقي، لم ينس الشعر، حيث أكد لنا أن الشاعر في المجتمع التارقي يلعب دورا خطيرا، فهو الذي يسجل الأفراح والأتراح ويفتخر بالقبيلة وينشر مناقبها وأيامها، ولهذا للشاعر مكانة كبيرة ومهابة، حيث يحتل أعلى المراكز في القبيلة والقبائل الأخرى خشية لسانه فتتودد إليه بالهبات والعطايا وكل ما يريده حتى لا يسلط عليها لسانه، أما قصائد الشعر فهي تدور بين القبائل وتغنى وتحفظ. حياة التارقي الأخرى، يخبرنا الشيخ مولاي الشريف الراني أنها متنوعة، كالصيد، حيث كان يصطاد التارقي في القديم "لروي" وهو نوع من المعز الوحشي والغزلان، بالإضافة إلى ذلك فإن حياة القبائل التارقية رعي وحل وترحال بحثا عن الماء والكلأ، أما فيما يخص القضاء وحل الخلافات فيما بينهم فتعود إلى القاضي الشرعي، فالقاتل يدفع الدية لأهل القتيل وتقدر بمائة جمل، وإذا لم يكن في حوزة القاتل هذا العدد من الجمال، فالقبيلة تتكفل بذلك وتجمع له ذلك حقنا للدم والثأر. أما فيما يخص الطلاق عند التوراق، فهو قليل جدا وإذا وجد يتم حسب الشرع والعصمة تكون بيد الرجل. أما الارث فالنسبة للملك يرث ابن الأخت الكبرى السلطنة من خاله، وهذا الإرث يأخذه الرجل من أمه نسبا. أما نسب الأبناء فهم حسب الشرع ينسبون لآبائهم.