أن يقف الممثل المسرحي أمام نفسه أولا ومن ثم أمام الجمهور ثانيا ويحطم كل جدار بينهما، يمثل ويغني ويرقص أيضا، يستغل الفضاءات الفارغة ويتعامل مع المتخفي، ويستعمل خياله وأحاسيسه، هو ذاك المسرحي الإفريقي، الذي جعل من هذا الفن عنوانا آخر للحياة. "زنقا زنقا"، هو محور الورشة التكوينية التي سينشطها المسرحي الكونغولي، جورج أمبوسي، من العاشر إلى الثلاثين من شهر جويلية القادم، في قاعة "الحاج عمار" بالمسرح الوطني الجزائري، بمشاركة عشرين مسرحيا (ممثلين، سينوغرافيين، راقصين وموسيقيين). وسيركز أمبوسي، حسب تصريح ل"المساء"، على خصوصيات المسرح الإفريقي، من بينها الشفهية والطقوس والاحتفاليات، وكذا الرقصات والأغاني، بحيث سيبرز آليات التمثيل في العروض الحيّة من خلال الاعتماد على نصين الأول للجزائري مالك حداد والثاني للكونغولي سوني لابو تانسي. كما سينبثق عن هذه الورشة مشروع مسرحية عن نفس نص حداد "الرصيف المزهر، لم يعد يجيب"، بمشاركة مسرحيين من الجزائر، الكونغو برازافيل وفرنسا، وهذا في إطار المهرجان الدولي للمسرح بالجزائر شهر نوفمبر المقبل. وتدخل ورشة "زنقا زنقا"، في نطاق العروض الحية التي لا تختزلها الفضاءات الضيّقة، بل تتخطى كل حدود وتسبح في المساحات الواسعة الغنّاء، من خلال التجمع حول شجرة "بلابر"، والاستماع إلى حكي وتمثيل "القريو"، الذي يقال انه حينما يتكلم يصمت الجميع حتى العصافير المحلقة في السماء، لما له من قوة الطرح، فصاحة الكلام والحكمة المنيرة، وهناك يتم التعرض إلى المشاكل الاجتماعية وإيجاد حلول لها. وسيتطرق أمبوسي في هذه الورشة أيضا إلى مسيرة "زنقا زنا" التي تعني وصول الممثل المسرحي إلى نفسه وكشفها أمام الجمهور وأمام المخفي المتمثل في القناع، وسيكون ذلك من خلال تعليمه التحكم في أحاسيسه، وكذا في كيفية تعامله مع الكلمة، باعتبار أن الشفهية هي قلب وركيزة المسرح الإفريقي. وفي هذا السياق، سيعمل الممثل على تسيير ريتمه الداخلي علاوة على حركيته وأحاسيسه، كما سيبحث وهو قبالة الجمهور على إيجاد فضاء مثالي للتمثيل، ومن ثم إلقاء الكلمة والاستماع إلى صداها، وبعدها يواصل تمثيله بالتنسيق مع الحضور، بالاعتماد على خياله وإبداعه. وعن علاقة الممثل بالجمهور في المسرح الإفريقي، يقول جورج أنها وطيدة، فالجمهور يشارك بدوره في العرض المسرحي أو في الاحتفالية، فلا توجد قطيعة بينه وبين الممثل، عكس ما يحدث في المسارح الأوروبية التي تحدد لكل طرف دوره الخاص. بالمقابل، تحدّث أمبوسي عن أهمية المسرح الإفريقي في الحياة الاجتماعية للمواطن، فتناول دور هذا المسرح في طقوس المعالجة، وكمثال عن ذلك، طقس" كي نجي نزيلا" الذي يهتم بمعالجة الجنون من خلال استقدام ممثل مسرحي يضع قناعا ويمثل دور مجنون بكل قوة وجنون أيضا، حتى يدرك المجنون الحقيقي أن الحياة أكثر جنونا منه. المسرح الإفريقي هو صورة عن الحياة الاجتماعية والحياة بدورها عبارة عن مجموعة مسرحيات، ومن بينها مسرحية العرس، التي تحدث عنها أمبوسي، وقال أن الأعراس الجزائرية التقليدية ككل الأعراس الإفريقية، عبارة عن مسرحية، حيث يأتي المتقربون ويجلسون في أماكن مخصصة لهم وتظهر العروس وهي ترتدي لباسا خاصا "قناعا" وتجلس في مكان محدد، ومن ثم تغادر مكانها وتعود من جديد في مشهد ثان، وهكذا إلى غاية نهاية العرس وبالتالي نهاية العرض المسرحي بنهاية دور كل من شارك فيه. وفي هذا الصدد، يقول أمبوسي أن العرس الإفريقي، عبارة عن طقس للمعالجة، فالزواج يصحّح وضعا اجتماعيا، ويمثل فخرا لكل العائلة وخلاصة الكثير من التضحيات التي قامت بها العائلة لكي يكون العرس في المستوى، كما يمثل بالنسبة للحضور فرصة للحديث عن مشاكلهم وإيجاد الحلول لها. أما القناع، فسواء كان حقيقيا أو متخفيا مستترا، فشكّل عنصرا مهما من عناصر المسرح الإفريقي، وعن هذا يقول أمبوسي: "هناك ثلاثة أنواع من الأقنعة في المسرح الإفريقي، هي القناع الذي يرتدى في المسرحيات والاحتفالات، القناع الذي يتردى بغرض المعالجة والقناع المتستر، الذي لا يظهر في العلن ولكنه موجود رمزيا". هل يوجد مسرح إفريقي واحد أم مسارح متعددة؟ عن هذا يجيب أمبوسي بالقول أن هناك مسارح إفريقية. مضيفا أنه من الضروري الاعتماد على النصوص الإفريقية والنهل من الحياة الإفريقية. مستطردا أن المسرح الغربي أخذ الكثير عن إفريقيا وأعطى مثالا على ذلك، بيتر بروك،الذي أخذ نظرية الفراغ، (أي التمثيل من دون الاعتماد على أي شيء)، من إفريقيا. وفي سياق آخر، كشف المتحدث عن إمكانية استباق المسرح الإفريقي للأحداث، وكمثال عن ذلك قال أنه قبل اصطياد الفيل تقام احتفالية تمثيلية حول هذه العملية، والغريب أنه في اغلب الأحيان، من يقتل الفيل في التمثيلية يقتله في الحقيقة، بتخلصه من الخوف. وفي آخر كلامه، أكد جورج أمبوسي، المسرحي الكونغولي القاطن بباريس، أن المسرح الإفريقي هو ذاك الذي يلعب في أي مكان وبأي شيء.